عقيل حسين
عاصفة من الجدل أثارتها وثيقة وفد المعارضة المقدمة في نهاية أعمال الجولة الرابعة من اجتماعات اللجنة الدستورية التي اختتمت في جنيف الجمعة، وأعادت التساؤلات مجدداً حول ما إذا كانت هيئة التفاوض المعارضة قد تنازلت بالفعل عن بند مرحلة الحكم الانتقالي المنصوص عليه في قرارات مجلس الأمن حول سوريا، أو حتى إذا ما تزال متمسكة بهذه القرارات ومرجعية جنيف للحل السياسي.
ورغم أن ردود الفعل الأولية على الوثيقة انتقدت العبارات الفضفاضة الواردة فيها، مقابل الوثيقة شديدة اللهجة ضد المعارضة التي تقدم بها وفد النظام، إلا أن التشكيك باستمرار تمسك هيئة التفاوض بمرجعية جنيف والقرارات الدولية، تصاعد بعد انتشار وثيقة المعارضة التي تجاهلت أي إشارة إلى هذه المرجعية.
النقطة الأولى المثيرة للجدل كانت مقدمة الوثيقة التي ارتكزت على مؤتمر سوتشي من دون الإشارة إلى بيانات جنيف أو قراري مجلس الأمن الدولي 2254 و2118، حيث أكدت أنه “بناء على البنود 12 التي اعتمدت من الأطراف المعنية وضمنت في البيان الختامي لمؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي جاءت اقتراحات وفد المعارضة حول المضامين والبنود الدستورية..”.
محمد صبرة، الخبير في القانون الدولي وعضو هيئة التفاوض العليا سابقاً، أكد في حديث ل”المدن”، أنه حتى مؤتمر جنيف-7 لم توقع المعارضة على بنود ورقة المبعوث الدولي السابق إلى سوريا ستيفان ديمستورا، الذي طرحها في ذلك الوقت باعتبارها “لا ورقة” أو بنود مبدئية، فكيف تقول وثيقة المعارضة الأخيرة إن البنود اعتمدت من الأطراف المعنية؟، علماً أنه حتى وفد النظام لم يوافق عليها.
لكن مصادر موثوقة من داخل هيئة التفاوض، المرجعية القانونية والسياسية لوفد المعارضة إلى اللجنة الدستورية، أكدت ل”المدن”، أن وفد الهيئة إلى مؤتمر جنيف-8 الذي عُقد في نهاية العام 2017 وافق على “لا ورقة” ديمستورا بشكل رسمي، وهذه هي المرة الأولى التي يتم الكشف فيها عن هذه الموافقة.
وحصلت “المدن” على وثيقة مؤرخة في الثلاثين من تشرين الثاني/نوفمير2017، أي بعد يومين من انطلاق أعمال المؤتمر، وقد حملت عنوان “المبادئ الاثني عشر الأساسية والحية للأطراف السورية”، وتتفق بنودها بشكل كامل تقريباً مع بنود الوثيقة التي قدمها وفد المعارضة في جنيف يوم الجمعة الماضي.
وحسب مصادر في وفد الهيئة العليا للتفاوض الذي كان يمثل المعارضة السورية حتى مؤتمر جنيف-7، فإنه لم يتم التوقيع على هذه البنود، وتقدم الوفد بملاحظات عليها مرتين قبل أن تُحل الهيئة العليا وتتشكل هيئة التفاوض السورية بديلاً عنها بناء على توصيات مؤتمر الرياض 2.
وتعليقاً على ذلك، لم يستبعد صبرا أن يكون هذا الأمر قد حصل بالفعل، “وإلا لما كان الوفد قد استند عليها في وثيقته الأخيرة المقدمة للجنة الدستورية” حسب قوله، ما يعزز من فرضية تخلي هيئة المفاوضات عن القرارين 2245 و2118 وبيان جنيف، مضيفاً “أن حديثهم اليوم عن مرجعية القرار الدولي لمجرد ذر للرماد في العيون”.
وكان صبرة قد هاجم بشدة الفقرة السادسة من وثيقة المعارضة التي قالت إن “للشعب السوري الحق في تقرير مصيره من خلال الانتخابات من دون تدخل خارجي” معتبراً أنه دليل إضافي على اسقاط بند هيئة الحكم الانتقالي المنصوص عليها في القرارات الدولية.
وأضاف أن “الإشارة إلى أن الحل يجب أن يكون عبر صناديق الاقتراع تبدو جيدة للوهلة الأولى، لكنها تعني في الواقع التنازل عن قرارات مجلس الأمن، خاصة وأن الفقرة لا تدع مجالاً للاجتهاد عندما تضيف عبارة من دون تدخل أحد، وعدم التدخل هو مطلب روسيا والنظام الذين طالما رددا بأن الحل في سوريا يجب أن يكون عبر صناديق الاقتراع وليس عن طريق الأمم المتحدة، أما الآن فسيخرجون علينا ويقولون إننا نقصد التصويت بعد المرحلة الانتقالية ووفقاً للقرارات الدولية.. لكن لو كنتم تقصدون ذلك لذكرتموه صراحة في الوثيقة”.
وتابع: “العملية الانتقالية وسيلة لتمكين الشعب من تقرير مستقبل بلاده بعد أن يتم تأمين البيئة الآمنة والمحايدة، وعليه فهيئة الحكم الانتقالي ضرورة موضوعية ومن دون تشكيلها لا يمكن تحقيق وتنفيذ المبدأ المؤسس للمقاربة الدولية حول المسألة السورية”.
وبالفعل، فقد نشر رئيس وفد المعارضة في اللجنة الدستورية هادي البحرة توضيحاً في منشور على “فايسبوك”، أكد فيه أن “إقرار الدستور الجديد من قبل الشعب سيتم بعد إنجاز الاتفاق السياسي الكامل حسب قرار مجلس الأمن 2245، وبشرط تحقيق البيئة الآمنة من قبل هيئة الحكم الانتقالي”، مضيفاً أن “اللجنة الدستورية تعد مشروع الدستور كجزء من العملية السياسية التي لا تكتمل إلا بالتوافق على كامل بنود القرار، تنفيذاً لقرارات مجلس الأمن”.
وبينما تجاهل البحرة سؤال “المدن” حول سبب تجنبهم ذكر مرجعية القرارات الدولية في الوثيقة صراحة، اعتذر عدد من أعضاء وفد المعارضة عن الإجابة على هذا السؤال.
وفي تعليق ل”المدن” يرى نائب رئيس “هيئة المستقلين الكورد” رديف مصطفى أن الإجابة على هذا السؤال بالنسبة للوفد معقدة حالياً، فمنذ تشكيل اللجنة الدستورية انقسمت المعارضة إلى فريقين، الأول يقول بالواقعية السياسية وعدم تعطيل مسارات التفاوض القائمة، مع الحفاظ على باقي السلال، بما في ذلك هيئة الحكم الانتقالي.
أما الطرف الآخر فلديه، بحسب مصطفى، مخاوف محقة لأن كل المؤشرات، بداية بتشكيل اللجنة الدستورية ونهاية بهذه الوثيقة تشير إلى السير نحو انتصار مشروع الحل الروسي القائم على افراغ القرارات الدولية من مضمونها، ناهيك عن أن مفاوضات اللجنة الدستورية كانت مشروطة بوقف شامل ونهائي لاطلاق النار، وإطلاق سراح المعتقلين، لكن المعارضة دخلت المفاوضات قبل تحقق ذلك، وبالتالي فالجميع اليوم يخشى من انزلاقات اضافية لن تنفع معها النوايا الحسنة.
يربط الكثيرون اليوم بين وثيقة وفد المعارضة إلى اللجنة الدستورية وبين قرار الإئتلاف رقم 24 القاضي بتشكيل هيئة انتخابات، والذي كان أثار ضجة واسعة وردود فعل مشككة من الرأي العام باعتباره مقدمة للتخلي عن هيئة الحكم الانتقالي، في وقت تظهر معطيات متتالية عن عدم شفافية مؤسسات المعارضة، حيث اعتبر رئيس الائتلاف قبل نحو شهر أن قرار تشكيل هيئة الانتخابات هو قرار داخلي تم تسريبه، والآن يأتي الكشف عن موافقة هيئة التفاوض على بنود ديمستورا ال12 بعد ثلاث سنوات من التوقيع عليها كمؤشر سلبي جديد في هذا السياق.
المصدر: المدن