أحمد مظهر سعدو
لا يبدو أن المجتمع الدولي ، ولا أصدقاء الشعب السوري، ولا أطياف المعارضة السورية برمتها، وبالضرورة النظام السوري وحلفائه من الروس والإيرانيين، يولون الأهمية والأولوية لقضية باتت من أهم القضايا التي تؤرق نوم كل سوري شريف، بينما يقبع مئات الآلاف من السوريين المغيبين في سجون ومعتقلات نظام العصابة الأسدي، دون وازع من ضمير أو أخلاق أو قيم إنسانية، فأكثر من 600 ألف سوري مازالوا في معتقلات وتغييب قسري، بلا حسيب أو رقيب، ولا قدرة لأية منظمة إنسانية دولية على الولوج داخل هذه الأقبية سيئة الصيت، ومن ثم السؤال عن هؤلاء البشر المغيبين بلا أي معلومات عن مصائرهم، وسط ذهول العالم الإنساني واختراق كل القوانين الدولية وحقوق الإنسان، حيث لا يعرف ذوي المعتقلين عن أبنائهم أو أهليهم المعتقلين أي معلومة، خلا بعض ما (تتكرم) به عليهم سلطات الأمن السورية، بين الفينة والأخرى بالإعلان عن قوائم الموتى في السجون، بذريعة أن الموت كان بسكتات أو جلطات قلبية، دون أية دقة أو مصداقية في ذلك، وحتى دون تسليمهم أية جثامين، لمن استشهد تحت التعذيب، أو لأي سبب آخر.
قد لا يكون مستغربًا لدى كل من دخل المعتقلات الأسدية، ولا كل من عرف بنية وتركيبة هذا النظام الإجرامية، أن يكون الموت لديه بعشرات الألوف بل مئاتها، في ظل ظروف قهرية وصحية لم يشهدها العالم الإنساني من قبل، إلا على أيدي الطغاة والمستبدين، لكن الأهم هنا هو هذا الصمت المريب والغريب من قبل المعارضة السورية، وأصدقاء الشعب السوري، عن قضية بهذا الحجم والفحش والقذارة واللاإنسانية، وهل يمكن للشعب السوري أن يتفهم ذلك مهما كانت أسبابه؟
لا ضير أن مأساة الشعب السوري كبيرة ومتعددة الأوجه، ومتنوعة مناحي الألم، لكن لا يختلف اثنان في أن قضية المعتقلين السوريين باتت من أكثر القضايا التي تقض مضجع الشعب السوري، حيث لا يخلو بيت أو أسرة من وجود معتقل لها أو أكثر مغيبًا في سجون المستبد الطاغية الذي مازال طليقًا ويمارس كل أنواع القهر والقتل والاعتقال والتعذيب حتى يومنا هذا.
وهناك تقديرات تقول بأن (المسالخ البشرية) وهي صفة المعتقلات السورية، التي يمتلكها النظام السوري، تجاوز فيها عدد القتلى “مئة ألف شخص على الأقل، قتلوا داخل السجون منذ بدء الثورة السورية” عام 2011. وتشير بعض المصادر إلى أن 83 في المئة من الضحايا في السجون الأسدية قد جرى تصفيتهم وقتلهم عن سابق تصميم، وفارقوا الحياة داخل المعتقلات في الفترة الواقعة ما بين أيار/مايو 2013 وتشرين أول /أكتوبر من العام 2015. ووفق تقارير قانونية موثوقة ” فإن ما يزيد عن 30 ألف معتقل قد قتلوا في سجن صيدنايا لوحده، الذي بات يعرف باسم “المسلخ البشري” ليحتل المرتبة الأولى في هذا المضمار على صعيد معتقلات النظام السوري، متقدمًا على سجون إدارة المخابرات الجوية الأكثر سوءً وفظاعة.
وما يزال هناك شهداء تحت التعذيب يتم إعلام ذويهم أحيانًا عن مصيرهم، وقد تم رصد ذلك في شهر تشرين الثاني / نوفمبر الماضي، حيث عُلم بحالات قتل إثر التعذيب داخل المعتقلات، أحدهم من بلدة صماد في ريف درعا كان في المعتقل أربع سنوات، وآخر من أبناء الغارية الشرقية من ريف درعا أيضًا بعد اعتقال دام عامين.
تقول منظمة العفو الدولية في تقرير لها: “استخدمت الحكومة التعذيب والإخفاء القسري كوسيلة لقمع المعارضة لعقود.. لكن منذ العام 2011، أصبحت انتهاكات الحكومة السورية ضد السجناء أشد وأكثر قسوة بكثير”. وأشار تقرير لمنظمة “هيومن رايتس ديتا أنالايسس غروب” للدفاع عن حقوق الإنسان أن 17723 شخصًا قتلوا داخل السجون في سورية، بين آذار/مارس 2011 وكانون أول / ديسمبر 2015.
ويعتقد السوريون أن واقع الأمر بالنسبة للمعتقلين وأعداد شهدائهم تحت التعذيب هو أكبر وأكثر مما تقوله بعض المنظمات الانسانية بكثير، ويعود السبب في ذلك إلى أن هذه المنظمات تعتمد على شروط توثيقية متشددة ومحددة، ولصعوبة الإيفاء بهذه الشروط فإن عشرات الألوف من السوريين المغيبين قسرًا ، لم يتمكن ذويهم من الإمساك بهذه الشروط والمحددات بالنظر إلى طبيعة السجون، وطبيعة وبنية النظام الأسدي الأمني الذي يحاول ضبط ذلك، حتى لا تتكر معه فضيحة (قيصر) مرة أخرى، والتي كشفت في حينها حجم المأساة والقتل الممنهج في سجون ومعتقلات بشار الأسد .
وتبقى قضية المعتقلين من القضايا التي لا يصح أبدًا السكوت عنها، بل إن المسؤولية تقع على المعارضة السورية أولًا، ومن ثم كل أصدقاء الشعب السوري وكل ما يسمى (المجتمع الدولي) بأن توليها الأهمية الحقيقية والملحة التي لا يجوز أن تبقى مركونة على الرف، بينما ننتظر كسوريين قوائم جديدة للشهداء تحت التعذيب، التي يتفضل المجرم الأسدي بإظهارها بين فترة زمنية وأخرى، أمام صمت مطبق وغير مفهوم من (العالم المتحضر).
المصدر: صحيفة اشراق