حسن فحص
في خطوة قد تكون متوقعة، وتُعتبر مكملة للسياق الذي بدأ يتبلور خلال الأسابيع الأخيرة، أقرّ البرلمان الإيراني “الثوري” الذي يسيطر عليه المعسكر المحافظ، تعديلات جوهرية على قانون انتخابات رئاسة الجمهورية، خصوصاً المواد المتعلقة بالمحددات التي يجب أن تتوفر في الشخص المرشح لهذه الانتخابات، وتولي قيادة السلطة التنفيذية ورئاسة الجمهورية.
ويمكن القول إن التعديلات الأساسية التي أُدخلت على هذا القانون تصب في اتجاه إزالة كل العقبات القانونية والتشريعية التي سبق أن وضعها المشرّع الإيراني، لإبعاد مواقع السلطة المدنية عن تأثير المؤسسة العسكرية، انسجاماً مع التوجيهات التي ركز عليها زعيم “الثورة” الإيرانية، ومؤسس النظام الإسلامي الخميني، من أجل الحفاظ على الصفة الجمهورية للنظام، والشكل الديمقراطي الذي قام على الجمع بين قطبي إسلامية السلطة وجمهورية الإدارة، وبالتالي فإن التمثيل الناتج من العملية الانتخابية محكوم بسقف “تشخيص الشرعية” الذي يتحكم به مجلس صيانة الدستور، والذي يتولى درس أهلية المرشحين ومدى التزامهم بالمحددات الشرعية والدستورية، التي يأتي في صدارتها الإيمان بالنظام الإسلامي، والالتزام بمبدأ ولاية الفقيه المطلقة.
فتح الطريق أمام مرشحين جدد
التعديل الذي أقرّه البرلمان على قانون الانتخابات الرئاسية، فتح الطريق أمام شريحتين من الطبقة السياسية والمؤسسة العسكرية للمشاركة في السباق الانتخابي، بعيداً من أي مخالفة قانونية تحول دون ذلك، وذلك من خلال السماح لكل أعضاء مجمع تشخيص مصلحة النظام والمجلس الأعلى للأمن القومي بالترشح من دون الالتزام بالشرط القانوني السابق، أي بتقديم استقالاتهم من الموقع الذي يشغلونه، مما يعني أن أي مرشح منهم في حال فشله في الانتخابات الرئاسية بإمكانه العودة إلى المنصب الذي كان يشغله، من دون الحاجة إلى قرار تعيين جديد، بخاصة وأن التعيين في هاتين المؤسستين يخضع لقرار مباشر من المرشد الأعلى.
أما الفقرة الأخطر في التعديلات، فهي تلك المتعلقة برفع الحظر عن أعضاء المؤسسة العسكرية من رُتب ما دون رتبة “فريق”، من الترشح للانتخابات الرئاسية، والتي لن تقف في المستقبل عند رئاسة الجمهورية، بل من الممكن أن تُعمّم لتشمل كل المراكز للعملية الانتخابية، سواء البرلمانية أو البلدية.
إسكات المعارضين
هذا التطور، يعني أن كل الأصوات التي ارتفعت في الآونة الأخيرة، من الإصلاحيين وبعض المحافظين، معلنةً معارضتها ورفضها دخول المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية، بحيث تصبح طرفا في المنافسة على تولي المسؤوليات في المؤسسات المدنية، ذهبت هباء، أو اصطدمت بحائط ما يخطط له من تمهيد الطريق أمام “عسكرة النظام”، باستخدام العملية الديمقراطية والصندوق الانتخابي.
ويبدو أن التوجه لإزالة العقبات القانونية أمام دخول ممثلين للمؤسسة العسكرية إلى المؤسسات المدنية، والمشاركة بالانتخابات بصفتهم العسكرية المباشرة، تحول إلى حاجة وضرورة لا بد منها، مع مسارعة أسماء عسكرية كثيرة إلى إعلان دخولها السباق الانتخابي، مثل مستشار المرشد الأعلى للشؤون العسكرية، ووزير الدفاع السابق حسين دهقان، والقائد الأسبق لـ “الحرس الثوري” والأمين العام لمجمع تشخيص مصلحة النظام، الجنرال محسن رضائي، وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي السابق، وعضو مجمع تشخيص مصلحة النظام، كبير المفاوضين الإيرانيين السابق، سعيد جليلي، والأمين الحالي للمجلس الأعلى للأمن القومي الأدميرال علي شمخاني، ورئيس “مؤسسة المستضعفين” الجنرال برويز فتاح، وأيضاً الجنرال سعيد محمد، قائد “مركز خاتم الأنبياء للإعمار والبناء” التابع لـ “الحرس”، الذي يُعد بمثابة مفتاح وكلمة السر لكل هذه التعديلات والتغييرات القانونية، بما يمثله من ترجمة لرؤية المرشد لموقع رئاسة الجمهورية في المستقبل، بأن تكون ممثلة لجيل الشباب وحيويته لضمان ضخ دماء جديدة في شرايين الثورة والنظام والسلطة، بما يخرجها من دوامة التداور بين طبقة من السياسيين تجاوزت الـ 70 من العمر، الأمر الذي يعوق عملية انتقال السلطة إلى الأجيال الجديدة، خصوصاً تلك التي تُعتبر موالية في ثوريتها للمرشد الأعلى ومتأثرة به.
سيطرة المحافظين
وتتضح أهمية سيطرة المعسكر المحافظ والمتشدد على السلطة التشريعية من خلال هذا التعديل على قانون الانتخابات الرئاسية، الذي أُقرّ بغالبية الأصوات وبأقل عدد ممكن من المعارضين، الذين لم تنطلق معارضتهم من رفض مبدأ التعديل، بل لاعتبارات شخصية أبعد ما تكون عن أسباب جوهرية، كان من الممكن أن تبرز في حال كانت القوى الإصلاحية ذات ثقل في تركيبة البرلمان، أي أن هذا التعديل جاء تعبيراً واضحاً ومباشراً وعملياً للجهود التي بذلت على مدى ثلاثة عقود، بهدف تركيب مؤسسات الدولة بما يخدم رؤية المرشد من دون الخوف من بروز اعتراضات من الداخل.
كما يضمن هذا التعديل وصول نموذج معين من الشخصيات إلى السلطة التنفيذية، لطالما حاول المرشد العمل على إيصاله، وعندما لاحت له الفرصة لتحقيق ذلك مع مجيء محمود أحمدي نجاد، اصطدم بطموحات الأخير الذي عمل على تأسيس حال خاصة به، لا تنسجم مع رؤية ومشروع المرشد، فاضطر إلى تقليم أظافره ووضعه في ما يشبه العزل خلال السنتين الأخيرتين من رئاسته، وحاصره عبر الزج بمفاتيح فريق عمله في السجن (اسفنديار رحيم مشائي وحميد بقائي وآخرين).
وصية الخميني
ولعل الأخطر في هذا التعديل، هو إلغاء الوصية الأساس للزعيم المؤسس الخميني، الذي كان حاسماً في منع أعضاء المؤسسة العسكرية من الدخول إلى الحياة السياسية والمدنية، إن كان بشكل مباشر عبر المشاركة في الترشح، أو غير مباشر في بناء شراكة سلطوية داخل مؤسسات الدولة والنظام، وحصر مهمة هذه المؤسسة، سواء كان الجيش النظامي أو “الحرس الثوري” في الدفاع عن حدود الوطن و”الثورة” أمام أعداء الداخل والخارج. وقال الخميني بشكل واضح: “أوصي كل هذه القوات وقادتها بأن لا يدخلوا في أي من هذه السياقات والتيارات السياسية، وإذا ما دخل الجيش وكل القوات المسلحة في الأحزاب فعلينا أن نقرأ الفاتحة على هذا الجيش، لا تدخلوا الأحزاب. كل العالم يعمل من أجل إبعاد الجيش عن المسائل السياسية. نريد أن يكون الحرس والجيش جندالله، وألا يتحزبوا ويبتعدوا عن التيارات السياسية، وإذا ما دخلت النزاعات السياسية إلى داخل الحرس والجيش، فعندها علينا أن نقرأ الفاتحة عليهما، ولا يجوز للحرس أن يدخل في التقسيمات وتوزيع الولاءات، وإذا دخلت الأفكار السياسية إلى الحرس فستقضي على بعده العسكري”.
القطع مع الموروث
ويمكن اعتبار هذا التصويت بمثابة الخطوة الأخيرة على طريق “القطع” مع إرث المؤسس والزعيم الأول للنظام، ومحاصرة تراثه السياسي والمؤسساتي وحتى العائلي، وتأتي مكملة للخطوة التي سبق أن لجأ إليه مجلس صيانة الدستور المعيّن من قبل المرشد مباشرة، بإسقاط أهلية حفيد المؤسس، السيد حسن الخميني، من الترشح لعضوية مجلس خبراء القيادة، وما في ذلك من أخطار كامنة تهدد بإعادة إحياء تراث “جده” شعبياً وسياسياً، وما فيه من إعاقة للتراكم الذي بدأ بعد وفاته قبل نحو ثلاثة عقود لتكريس نهج خاص بالقيادة الجديدة التي تولت الأمور بعده، كون دخول الخميني الحفيد إلى الحياة السياسية من أي باب، يعني أن كل الطرق باتت مفتوحة أمامه لإعادة حضور المؤسس بشكل فاعل في الحياة الإيرانية، مما يجعل منه منافساً حقيقياً في السباق الرئاسي في ظل بعض الهمس الذي يدور، وإن كان ضعيفاً، حول إمكان ترشحه للانتخابات الرئاسية كأحد خيارات التيار الإصلاحي. وهذا الأمر إن حصل يعني إعادة خلط الأوراق وتعقيد عملية إيصال أحد أبناء المؤسسة العسكرية، إضافة إلى عرقلة رهانات المرشد على مرحلة من الانسجام بينه وبين موقع رئاسة الجمهورية، إذ إن وصول أي من أبناء هذه المؤسسة، وتحديداً من “الحرس”، إلى الرئاسة يعني أنه سيكون منفذاً مطيعاً لا يعترض على توجيهات المرشد، مما يسمح له بالامساك بسهولة ويسر بكل مؤسسات الدولة والسلطات الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضائية)، من دون أي عناء أو خوف من تمرد محتمل. من هنا يمكن القول إن تصويت البرلمان لمصلحة دخول العسكريين في الحياة السياسية يعتبر تصويتاً ضد توصيات المؤسس الخميني، وضد القواعد الإدارية والسياسية والعقائدية التي أرساها قبل أربعة عقود عند تأسيس النظام.
المصدر: اندبندنت عربية