عمار الحلبي
تتعرّض القرى والبلدات في ريف حلب الشمالي، منذ سيطرة النظام السوري عليها قبل عدة أشهر، لعملية “تعفيش” واسعة.
ويُشير مصطلح “التعفيش”، كما هو متداول في سورية، إلى سرقة أثاثات و”عفش” المنازل السورية، بعد نزوح سكّانها عنها وسيطرة قوات النظام السوري عليها.
ولم تكن قرى وبلدات ريف حلب خارج هذه المعادلة، فبعد أن “عفّشت” قوات النظام السوري والمليشيات المحلية الموالية لها الغوطة الشرقية في دمشق وحلب وحمص ودير الزور، انتقل التعفيش ليطاول مدن وقرى ريف حلب الشمالي.
هذه المناطق تمتد من حي جمعية الزهراء غرب حلب، مرورًا بحي الليرمون ثم حيان وحريتان وبيانون وعشرات المدن والبلدات الأخرى، التي خرجت عن سيطرة النظام السوري منذ عام 2012، ولكن الأخير استعاد السيطرة عليها في فبراير/ شباط 2020، بعد حملةٍ عسكريةٍ عنيفة امتدّت لأشهر بدعمٍ من الطيران الحربي الروسي والمليشيات المحلية والأجنبية الموالية للأسد.
عقب السيطرة على تلك المناطق، نزح سكّانها عنها نحو مناطق ريف حلب الأخرى البعيدة عن جبهات القتال، أو نحو ريف إدلب الذي تسيطر عليه المعارضة.
وتكمن أهمية هذه المناطق في أنّها تقع على طريق (حلب – غازي عنتاب) الدولي، إضافةً إلى أنّها غنية بالخيرات والممتلكات بحسب ما يوضّح سكّان كانوا يعيشون هناك.
التقى “العربي الجديد” رجلا أربعينيا من سكّان مدينة بيانون يسمّي نفسه أبو عامر، وهو نازح إلى مدينة أعزاز الواقعة شمالها، وعلم من بعض السكّان الذين عادوا إلى بيانون أن كل ما يملكه تمت سرقته بعد سيطرة النظام على المنطقة بأسابيع.
وقال أبو عامر: “حتّى الأغنام ومطاحن الفليفلة التي أملكها تمت سرقتها، إضافةً إلى سرقة محتويات المنزل كاملًا بما في ذلك مستلزمات المطبخ من أوانٍ وسكاكين وصحون وطناجر”.
كان أبو عامر يعمل في مطحنة للفليفلة، ويستخرج منها الشطّة المعروفة باسم “دبس الفليفلة” في سورية، وكانت لديه عشرات الكيلوغرامات الجاهزة للبيع، لكنها سُرقت جميعها.
ويقول: “عندما قرّرنا الخروج من المدينة؛ خرجنا بسرعة دون تخطيط.. لم تكن لديَّ رفاهية استخراج ما أملك من أرزاق”.
عرّفنا أبو عامر على أحد أقاربه الذي عاد إلى المدينة، ونقل الأخير لـ “العربي الجديد” مشاهداته عن عملية التعفيش التي جرت هناك.
وقال الشخص، الذي رفض الكشف عن هويته: “كل شيء تمت سرقته، من آلات المصانع الصغيرة، ومحتويات وأثاث المنازل، وحتّى السيارات والمواشي”.
ويضيف أن من يقومون بعمليات “التعفيش” هم في الغالب المليشيات المحلية الموالية للنظام السوري والتي يكثر عددها في ريف حلب، وبشكلٍ أقل عناصر جيش النظام السوري، لافتًا إلى أن “الكل يقوم بالتعفيش حسبما يُتاح له ذلك”.
ويعتبر المصدر، أن ندرة عدد المدنيين في المنطقة ساعدت قوات النظام ومليشياتها على أن تأخذ راحتها ووقتها أكثر لتقوم بالسرقة دون أن يسألها أحد، متابعًا: “في الفترة الأولى التي أعقبت دخول قوات النظام إلى المنطقة كانت عمليات السرقة شخصية، حيث يقوم كل عنصر بسرقة أشياء يراها ثمينة ومناسبة له، أمّا في مرحلة ثانية، فأصبحت الشاحنات المتوسّطة تأتي إلى المنطقة برعاية المليشيات التي تقاتل مع النظام لتقوم بتعبئة الحمولة والانطلاق بها نحو مدينة حلب، وهذا الأمر جرى بعد شهر إبريل/ نيسان الفائت” حسب ذات المصدر.
وعلم “العربي الجديد” أن البضائع والأغراض التي تتم سرقتها تنقل إلى مدينة حلب ليتم تسويقها وبيعها هناك، حيث أثبتت التجارب المشابهة في ريف دمشق، أنّه من الصعب بيع محتويات منازل المدنيين في ذات القرى أو البلدات، لأن هذه المناطق في الغالب تكون فارغة من سكّانها، إضافةً إلى إحجام الناس عن شرائها بسبب معرفتهم المسبقة بأنّها مسروقة.
هذا الأمر في الغالب يدفع قوات النظام والمليشيات الأخرى التي تقوم بالتعفيش، إلى نقل ما سرقته إلى مراكز المدن الكبيرة، حيث من الممكن بيعها هناك في أسواق البضائع المستعملة دون إثارة الريبة.
المصدر: العربي الجديد