بشير حنيدي
النشأة السياسية وأبرز الملامح الفكرية:
وُلد ياسين الحافظ عام 1930م في أسرة متوسطة الحال في مدينة دير الزور السورية الواقعة على نهر الفرات، وكان والده حكمت الحافظ يفخر بعروبته وإسلامه وكان يعرّف عن نفسه بأنه عربي مسلم سوري، وكانت والدته أرمنية مسيحية من الذين نجوا من مذبحة عام 1915. تلقّى تعليمه الأول في كُتّاب الشيخ ملا غفور، ثم في مدرسة السريان الأرثوذكس، وانتقل بعدها لمدرسة هنانو ونال شهادته الإبتدائية، ومن ثم انتقل إلى مدرسة تجهيز الفرات والتي لا تزال قائمة حتى يومنا هذا، وفي هذه المدرسة كانت الانطلاقة لميوله واهتمامه في السياسة من خلال مشاركته في التظاهرات وفي جريدة الحائط المدرسية، وظهر وقتها شغفه بالمطالعة
توفيت والدته وهي تبلغ من العمر خمسة وثلاثين عاماً ما جعله يترك دراسته، وتوفي والده بعد إصابته بمرض السل. وعاد بعدها بفترة لينتظم على مقاعد الدراسة ولينال شهادته الثانوية في مدينة الميادين بمحافظة دير الزور، وليلتحق بكلية الحقوق في الجامعة السورية بدمشق، وأكمل دراسته الجامعية وهو مرشح ضابط في الجيش العربي السوري. آثر الحافظ أن يؤدي الخدمة الإلزامية، وبعد أن أنهاها وأنهى دراسته الجامعية، عمل محامياً في مكتب الشيخ عطية في دير الزور. ترك مهنة المحاماة لعدم حبه لها والتحق في العمل موظفاً بوزارة الشؤون الاجتماعية بعد انتقاله لدمشق، وهناك تزوّج من الفتاة الدمشقية سلوى السروجي وأنجب منها ولداً وبنتين. توفي الحافظ عام 1978 عن عمر ناهز الثمانية والأربعون عاماً بعد أن أصيب بمرض السرطان في بيروت، ودفن في دمشق-سورية
اعتقل الحافظ مرة واحدة في حياته القصيرة التي عاشها بين سورية ولبنان، مع فترة قصيرة في فرنسا، وكان اعتقاله في سورية لمدة عام واحد وكان الحكيم جورج حبش الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين جاره في الزنزانة، وبعد أن اطلق سراحه غادر إلى بيروت عام 1968
انتسب مبكراً إلى حزب البعث العربي الاشتراكي ولم يمكث فيه طويلاً حتى انسحب منه، ثم عاد وانتسب إليه ولينسحب مرة أخرى، وهذا لا يمنع أن نشير إلى أن ياسين الحافظ كان له دورٌ متميز في حزب البعث الاشتراكي، فبعد 8 آذار 1963 وتسلم حزب البعث العربي الاشتراكي الحكم في سورية، كُلّف الحافظ بكتابة “بعض المنطلقات النظرية لحزب البعث” والتي تعتبر الوثيقة الثانية من حيث أهميتها كمرجعية نظرية لحزب البعث، وتعرّف بعدها بإلياس مرقص الذي كان يؤدي الخدمة الإلزامية ضابطاً مجنداً بحلب، وكان عضواً في الحزب الشيوعي وهنا بدأ الحافظ بالتعرّف على الفكر الشيوعي وانتسب لحزب عام 1955، ولم يمكث فيه طويلاً حتى قدّم استقالته، لكن لم يعنِ خروج الحافظ من حزب البعث الاشتراكي والحزب الشيوعي انسلاخه عن القومية العربية لا بل حاول تطوير ذاته في دمج الفكر القومي العربي مع التجربة الماركسية، وكانت معظم مؤلفاته تحثّ على الوحدة العربية على أنها مُخلِّص الأمة من الجهل والفقر والتجزئة، ولكن مع تبنّي الفكر الماركسي والتجربة الشيوعية مع اختلاف العدو والبيئة الحاضنة
كان الحافظ من الذين ينفون ويعترضون على الحديث عن مصطلح العالم العربي، فمن وجهة نظره، “العالم” يعني اختلاف اللغة والتاريخ والحضارة، وأن في وطننا العربي ما يسهل علينا الوحدة، فرغم تعدد الديانات والطوائف والأقليات إلا أنّ الوطن العربي يجمع أبناءه انتماءٌ واحدٌ لوطنٍ واحد ولغة واحدة وتاريخ وعدو واحد، وأينما قرأت الحافظ ستقرأ في كتاباته عن موضوعة الوحدة العربية، فهي لم تكن مجرد اهتمامٍ آخر مع غيره، بل كانت موضوعه الأساسي مهما اختلفت الزوايا التي تناولها من خلالها، ولذلك فإنه لم يكن بحاجة لمناسبة خاصة ليتطرق إليها، بل تخللت فكره وكتاباته وعمله السياسي من البداية حتى النهاية
بالمحصلة، يمكن وصف ياسين الحافظ بأنه مناضل ومفكر قومي عربي، عاش حياة قصيرة لكنها غنية فكرياً وسياسياً، وقد كتب عنه المناضل والمفكر القومي ناجي علوش في كتابه “الحركة القومية في مائة عام” مادة بعنوان “الوحدة في فكر ياسين الحافظ” قال فيها: “وياسين بالإضافة إلى هذا وذاك، مناضل ومنظر قومي، يمثل مدرسة في الفكر القومي، حاولت أن تتجاوز المدارس القومية التقليدية والرومانسية، وأن تتخطى اليسار الماركسي، الذي تبنّى أممية لاترى الحدود القومية، وقطرية تتجاهل الوجود القومي. وهذا ما تبرزه كتابات الحافظ كلها، ورغم ذلك، فإننا لا نلمس اهتماماً بتراثه عند الدارسين”. ويذكر أن ناجي علوش تعرّف على ياسين الحافظ وإلياس مرقص خلال عمله مديراً للنشر في دار الطليعة في بيروت، وقد لعب دوراً في نشر كتبهما وتعميمها عربياً
تبلور وعي ياسين الحافظ السياسي والاجتماعي في مراحل مدّ وجزرالحركة القومية العربية، فشهد فيها حرب فلسطين عام 1948 وحاول المشاركة فيها عندما كان ابن الثامنة عشر فاشترى مسدساً وذهب إلى بيروت ومن ثم إلى الجنوب اللبناني إلى بنت جبيل ومن ثم صفد إلى أن وصل إلى المعسكر الذي كان فيه أستاذه عبد الكريم زهور، الذي رفض مشاركته لصغر سنه. وكان شاهداً على ثورة مصر تموز 1952، والثورة الجزائرية عام 1954، والعدوان الثلاثي 1956، كما شهد الوحدة المصرية-السورية عام 1958، وثورة تموز في العراق عام 1958، وحرب عام 1967، واتفاقيتي كامب وديفيدعام 1977-1978، وكان لكل هذه الأحداث أثر في نفس ياسين الحافظ وفي تكوين فكره القومي العربي
ففي تحليله لتجربة الوحدة المصرية-السورية بين عامي 1958-1961، يذكر ياسين الحافظ أن الوحدة جاءت، من الناحية الجغرافية السياسية، نتيجة مشروع حصار سورية في الخمسينيات، وكضرورة راهنة للاستقلال عن قوى الهيمنة الخارجية، وبراثن التبعية. فقد كانت الإمبريالية البريطانية عام 1955 قد استكملت تأسيس ما يسمى بـ”حلف بغداد”، – وهو ما يعادل اليوم “حلف المعتدلين العرب” في الخمسينيات، باستثناء أنه كان “حلف المعتدلين المسلمين” وقتها- الذي ضمّ في عضويته بريطانيا والباكستان وتركيا وإيران والعراق، كجزء من استراتيجية احتواء حركات التحرر الصاعدة في الوطن العربي، وكان ذلك الحلف الموالي للاستعمار يزحف غرباً، ويحيق بمصر من خلال سورية، ومنها محاولتا انقلاب في سورية مدعومتان من حلف بغداد في عام 1956 وحده، إحداها كان يفترض أن تترافق مع العدوان الثلاثي في العام نفسه
ويضيف الحافظ في تقييمه، الذي نُشر في كتابه “حول المسألة القومية الديموقراطية
:
“كانت مصر، التي وقّعت مع إنكلترا اتفاقية الجلاء في تشرين أول 1954، قد رفضت رفضاً قاطعاً الدخول في أحلاف مع الدول الغربية. لذا اتجه حلف بغداد، في محاولة لعزل مصر وإجبارها بالتالي على القبول بالدخول في عضويته، إلى تكثيف مؤامراته وضغوطه على سورية للسيطرة عليها وإدخالها في الحلف! وعندما أدركت مصر هذه الواقعة بادرت إلى هجوم معاكس كان بداية انفجار أكبر وأعظم المعارك السياسية والعسكرية التي شهدها الوطن العربي، منذ الاجتياح الاستعماري”. فالوحدة المصرية-السورية جاءت لتعبر لا عن مثال أعلى قد نسعى إليه “لأنه أفضل”، بل انبثقت الحاجة للوحدة من ثنايا الصراع مع الاستعمار، وضرورة الحفاظ على الاستقلال
إلا أنّ مرحلة ما بين عامي 1971-1978 رغم قصرها، إلا أنها كانت الأكثر خصوبةً على الصعيدين الفكري والسياسي كتب ياسين الحافظ خلالها أعماله الأكثر أهمية وذلك بعد النكسات التي شهدها بعد وفاة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وزيارة أنور السادات للقدس المحتلة بعد نصر تشرين ومحاولة السادات تصفية الفكر القومي العربي والناصري الذي كان يدّعي وراثته، وخروج جزء من الجماهير التي ودّعت الرئيس القومي العربي جمال عبد الناصر لاستقبال نيكسون رئيس أكبر دولة عدوة للقطر المصري، الولايات المتحدة الأمريكية
ومع ذلك، نرى في مقالة لياسين الحافظ نُشرت بصحيفة النهار فى 1 أكتوبر/ تشرين أول 1971، تحت عنوان “لا خوف من المستقبل على الرغم من الانهيار الكبير”، أن نحصل على تقييم موضوعي للتجربة الناصرية بحسب ياسين الحافظ، فهو يرى أن “عبد الناصر كان رجل فعل ولم يكن مُنظّراً، أي أن عبد الناصر كان تجريبياً. لكن تجريبيته هذه، بسبب الطابع التاريخي لشخصية عبد الناصر وارتباطه العميق بالشعب، كانت تنمو إلى وعي مطابق، إلى “ماركسية موضوعية”، وهذه التجريبية بالذات كانت أعلى بكثير من الفكر القومي المثالي، وبهذا وحده يمكننا تفسير تفوّق عبد الناصر على بقية أطر اليسار، ومن هنا فإن التراث الثوري العربي الوحيد، العظيم والقاصر في الوقت نفسه، هو تراث عبد الناصر
ويعزو ياسين الحافظ قصور الأحزاب الشيوعية العربية إلى أنها لم تستطع أن تلتقط المسألة المركزية في الثورة العربية، وهي بالطبع مسألة الوحدة العربية. فكرّاس ستالين “الماركسية والمسألة القومية”، حجب عنهم الحقيقة الواقعية لوحدة الأمة العربية وكونها تشكل أمة واحدة، وضللهم عن رؤية الطابع الشعبي والجماهيري (والفلاحي) لحركة القومية العربية. أما كتاب لينين “الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية”، والذي كان موجهاً -في الدرجة الأولى- إلى فهم الجانب الاقتصادي في الرأسمالية الاحتكارية، فقد حجب عنهم- بفهمهم المبسّط له بالطبع- الجانب السياسي في آلية الهيمنة الإمبريالية في المستعمرات، فعجزوا بالتالي عن إدراك الجانب المعادي، موضوعياً، للإمبريالية، في النضال الوحدوي. لذلك نستطيع أن ندرك لماذا كانت الأحزاب الشيوعية العربية مجرد قوة ضغط ودفع في أحسن الأحوال، ولم تكن قط قوة تغيير
وفي جزء آخر من تحليله يرى ياسين الحافظ، أنّ عبد الناصر لم يكن قومياً عادياً تقليدياً، بل كان قومياً متطرفاً. فعندما كانت الحركة الوطنية المصرية في مجملها، بما فيها اليسار الأكثر عداء للإمبريالية، سجينة أفق إقليمي مصري، أدرك عبد الناصر أن استقلال مصر السياسي الحقيقي الكامل لن يتحقق بالقضاء على النفوذ الاستعماري في مصر، بل لا بد من تصفية هذا النفوذ في الوطن العربي. انطلاقاً من هذه النقطة بالذات نَمَت بذرة الاتجاه العربي الوحدوي لدى عبد الناصر، ليضيف أن عبد الناصر تعامل معها كعملية تاريخية، تتحقق مع النهضة العربية وبها، وهي على كل حال أرضية لا بد منها للاستقلال التام.
وعند وفاة عبد الناصر يرى ياسين الحافظ أنه على صعيد الدول الغربية، كان غياب عبد الناصر فرصة كبيرة لهذه الدول لكي تجهز على كل المكاسب التي حققتها الأمة العربية بقيادة عبد الناصر. علماً أن لحظة الانهيار الكبير، التي خطط الاستعمار لتحقيقها كانت في حرب حزيران/ يونيو 1967 وفشلت بسبب موقف الجماهير في 9 و10 حزيران/ يونيو 1967
ويطرح ياسين الحافظ سؤالاً يؤول به إلى استنتاجات مهمة لتقييم التجربة الناصرية، فهل هناك ناصرية بلا جمال عبد الناصر؟
يبدأ الحافظ باستنتاج مهم، وهو أن الناصرية ليست شيئاً آخر سوى الحركة القومية العربية، المتحولة إلى حركة اشتراكية، في نضالها التاريخي الطويل في سبيل النهضة العربية والوحدة العربية. ومن هنا، فإنّ مستقبل الحركة الناصرية هو مستقبل الحركة القومية العربية بالذات، ومن هنا أيضاً يصل الحافظ إلىى أن ثمة ناصرية من دون ناصر وبعد ناصر
وبصرف النظر عن الاسم والإطار اللذيْن ستأخذهما حركة الجماهير النامية في المستقبل، فإن التراث والتقليد الناصريين لا بد وأن يشكلا مرتكزاً أساسياً من مرتكزات هذه الحركة. إن حركة الجماهير الجديدة، عندما تكون حركة جماهير فعلية، لا يمكنها إلا أن تنطلق من النقطة التي وصل إليها عبد الناصر، مستوعبة كل الإرث الناصري، لتتجاوزه إلى وعي يناسب ويرتفع إلى مستوى المرحلة التي تعيشها. إنّ المنطلق القومي لمسيرة عبد الناصر، هو جَعْل الحركة الناصرية حركة شعب عريضة. لقد بدأت الثورة العربية الحديثة مع عبدالناصر، بحسب الحافظ، إكمالها سينطلق من النقطة التي وصل إليها
امتازت مؤلفات الحافظ بسعيها إلى إعادة ربط القومية العربية بالفكر الماركسي المعرّب والذي كان يعني فيه ملاءمة النهج الماركسي مع ما يناسب البيئة العربية واعتبر أن ما يحدد الماركسية في الوطن العربي هو المجتمع العربي ذاته وهمومه
كان الحافظ يحاول أن يجسد منذ بداية التراجع القومي إرادة التحدي القومي الديموقراطي وطرح ضرورة هذا التحدي، ولذلك فإن ياسين كان يجذف في مواجهة التيار الجارف، وكان يرى: “أن سياسة القومية الحديثة، هي وحدها التي يمكن أن تنجز عملاً تاريخياً ينقض أو يوقف هذه السيرورة التقهقرية الانحدارية التي انخرط فيها المعظم، إن لم نقل كل الشعب العربي ليقلبها في اتجاه تقدمي صاعد
كان يضع يده دائماً على أسباب ومشاكل التأخر العربي التي اعتبر أن جزءاً منها هو “الرواسب أو البنى ما قبل القومية، كالعشائرية والطائفية والقبلية والعائلية، وهي رواسب عرقلت اندماج الأمة القومي”، كما احتفظت بقوتها بفضل طبيعة “الكتلة الرئيسية من الإنتلجنسيا العربية” التي حكم عليها بأنها “محافظة أو بالأحرى لا تملك وعيا مطابقاً لحاجات تغيير الواقع العربي باتجاه المعاصرة”
كان ياسين الحافظ يؤمن بفصل الدولة عن الدين وهذا الفرق بينه وبين المفكر القومي العربي ساطع الحصري الذي كتبنا عنه سابقاً الذي كان يربط الدين بالدولة
اعتبر الحافظ أن الوحدة هي الشرط الأولي للبقاء والتحرر العربي وشرط أولي للتقدم العربي، ووضّح الحافظ في كتاباته أسباب فشل المسيرة الوحدوية وبيّن طريق النجاح لها، واعتبر أن هناك عوامل نابذة وأخرى جاذبة للوحدة ومن أهم العوامل النابذة
:
1-أن التأخر العربي هو العامل الأول، ويتجلى التأخر
-أولاً سياسياً في إلغاء دور الشعب
-ثانياً \ايديولوجياً في كون الوعي العربي وعياً مفتتاً وقاصراً عن متطلبات التقدم العربي، ويتجلى
-ثالثاً اقتصادياً في كون الاقتصاد العربي متأخراً وتابعاً للاقتصاد الإمبريالي ولم يَرَ تطور اقتصادي عربي رغم مداخيل النفط العربي
2-العامل الثاني هو الهيمنة الإمبريالية، وهذه الهيمنة تحاول ممارسة ضرب الاحتمالات الوحدوية السياسية
3-وواقع التجزئة والمقاومة التي يبديها وهو العامل الثالث
4-أما العامل الرابع فهو الأيدولوجيات الضمنية أو الصريحة للأقليات الدينية والقومية في الوطن العربي
واعتبر أن العوامل الجاذبة للوحدة هي
:
1-شعور البشر المنتشرين من الخليج إلى المحيط، بأنهم ينتمون إلى أمة واحدة يجمعهم مصير مشترك
2-مفاعيل الهيمنة الإمبريالية، وضغوطها ونهبها للشعب العربي، فضلاً عن زحوف أو تهديدات عدد من الدول القائمة على أطراف الوطن العربي وفي قلبهوكان يشير دائماً إلى تركيا والكيان الصهيوني
3-النزوع العربي إلى التقدم، إلى دخول العصر، إلى تأكيد الذات
كان ياسين الحافظ يعتبر أن من أهم عوامل تقدم المدّ القومي الحفاظ على اللغة العربية الفصحى وأكّد هذا عندما قال ” فما من أمة تقدّمت أو تريد أن تتقدم إلا كان لها تعاملٌ مع لغتها بدلالة الحاضر والمستقبل بدلالة الماضي، وقال في هذا الصدد: “لا شك في أن تطوير اللغة العربية والكتابة العربية لتكون القناة الكافية والملائمة لاستيعاب الثقافة الحديثة والتقنية الحديثة استيعاباً كاملاً إنما يشكّل مسبقة النهضة الحقيقية
وعندما نتحدث عن ياسين الحافظ واللغة العربية لا يمكننا أن ننسى أنه كانت له بصمة في ميدان التثقيف السياسي والتنظير وكان متمرساً وعميقاً في لغته الأم، وما يميّزه عن غيره من المؤرخين والمنظّرين العرب انتقاءه للمصطلحات العربية المميزة في كتاباته مثل “الشخبوطبة الذليلة
يدعو ياسين الحافظ إلى سياسة تغيير راديكالية، وتقوم هذه السياسة على ثلاثة أركان رئيسية وهي
:
1-الأمة وروح المواطنة واشتق هذا المصطلح من الأموية، أي القومية، ليعبر عن هذا المفهوم
2-بناء الديموقراطية
3-الوعي المطابق، أي أن “تملّك هذه السياسات الوعي المناسب لحاجات تقدّم الأمة العربية وتحررها ووحدتها” وهذا الوعي هو “وعيّ كونيّ، في المستوى الأول، وفي المستوى الثاني وعي حديث، وفي المستوى الثالث هو الوعي التاريخي
وفي الوقت الذي عادى فيه الحافظ الإمبريالية وثقافتها، لم يَخَف الغرب، وأعلن عن علاقة حميمة مع الثقافة العلمية الثورية الديموقراطية، وعلى هذه الأسس بنى الحافظ مشروعه القومي وهندس مشروع الوحدة، وكان يرى دائماً أنه مشروع سياسي، وأن السياسة هي الأساس وليس الاقتصاد أو الثقافة أو غير ذلك، ولذلك كثيراً ما شددّ على الأولوية السياسية
من أهم مؤلفات ياسين الحافظ
:
– حول بعض قضايا الثورة العربية – 1965
– اللاعقلانية في السياسة العربية: نقد السياسات العربية في المرحلة ما بعد الناصرية – 1975
– التجربة التاريخية الفيتنامية: تقييم نقدي مقارن مع التجربة التاريخية العربية – 1976
– الهزيمة والأيدولوجيا المهزومة – 1978
– في المسألة القومية الديمقراطية – نشر بعد وفاته