أحمد مظهر سعدو
دأب المداد الذي أكتب فيه، والقلم الذي يُمسك بجملتي وحرفي العربي، وبكل اللغات، قبل الثورة السورية/ ثورة الحرية والكرامة وبعدها، أن يعاقر الكتابة المتحررة والكلمة الحرة على طول المدى، دون خوف أو وجل من طاغية أو سلطات أمنية، وقد أمسكت نفسي دائمًا وأبدًا عن الخوض بما لا يفيد وطني أو لا ينفع الناس، وكان هذا ديدني المتواصل في كل منعرجات الحياة، وكل تلاوينها، وفي كل المنابر التي تشرفت في الكتابة عبرها وفيها. كان منها بالضرورة صحيفة إشراق التي عَمِلَت ومازالت من أجل سورية الحرة بلا آل الأسد، ومن أجل علاقة أرحب وأكثر انسجامًا مع الدولة المضيفة تركيا، وشعبها الذي احتضن ما ينوف عن ثلاثة ملايين ونصف من شعب سورية الأبي، الهارب من ظلم وعسف الأسد ومن معه، من روس وفرس وميليشيات طائفية استجلبها من كل بقاع الدنيا لهدم الوطن السوري، ومن أجل إعادة قيامة نظام (الفاشيست الأسدي) الذي كاد أن ينهار، لولا التدخل الاحتلالي الروسي الغاشم أواخر أيلول / سبتمبر 2015.
ولأن الكتابة فعل وجود. وتغيير في الواقع. وإمساك بتلابيب الحقيقة. وانفلات أبدي في سياقات الثورة والانتفاض فقد كانت الكتابة (بالنسبة لي) تكمن في أتون هذا التغير والوصول إلى الحق والحقيقة الفضلى. وكل ذلك ضمن مسارات لا تخارج فيها بين العدل والمنطق والعمل من أجل الناس كل الناس، بلا تمييز أثني أو عرقي أو ديني. بل استمرار للحرية المسؤولة وحفر في الصخر الصلد، حتى لو أدى ذلك إلى الاعتقال أو التعدي على الحق في الحياة.
ينطلق العمل الاعلامي والصحفي النقي والشريف من احترام أنسنة الإنسان. ورفض كل عمليات الهدر للإنسان التي يمكن أن تطاله من أنظمة مستبدة قاهرة قامعة لشعوبها. أو مجموعات وجماعات لا تؤمن بحرية البشر في التعبير، أو إبداء الرأي. والحقيقة تقول إن المضي في حقول الألغام عبر الكتابة، ليس سهلًا، بل تعتريه الكثير من المعيقات والعديد من التعديات على من يبحر في يم كبير، دون النظر إلى نتائج ذلك، وهي غالبًا ما تكون فظة ودامية، لأنها تعودت على كم الأفواه وإلغاء الكلمة الحرة، وهدر إنسانية الإنسان وصولاً إلى استتباب الأمن الخارج من متاهات الطغيان.
لقد كان الطغيان وعلى الدوام مانعًا للحقيقة قامعًا للحق، ممارسًا عبر كل سياسات الاستبداد، وهي الأجواء التي تفيد في استمرار سلطته، واستقرار قوته المؤقت، وسيادة أدوات قمعه بعد إلغاء السياسة من المجتمع، وبعد منع كل من لا يتلاقى مع رؤيته في التعبير أو الخوض في مسائل تُعكر صفو سلطته، أو تحيل الواقع السائد (بالنسبة له) إلى جو من الحركة والثورة عليه.
الفكر الحر يعطي بالضرورة نتاجًا وواقعًا ومستقبلًا أكثر إشراقًا وأكثر رحابة. بينما القمع والكبت والإلغاء يحيل الواقع إلى مجتمعات لا إبداع فيها، ولا مقدرة لدى ناسها على المسير باتجاه أنساق مبدعة ومتطورة متغيرة نحو الأرقى والأنقى.
ولعل الاستمرار في الكتابة في المنحى الحرياتي، وعبر فضح أدوات الهيمنة والقمع الأسدي، هي الجزء المهم في أساسيات العمل الوطني الديمقراطي السلمي، لإزاحة الطغيان المتربع على رمل الآن والوطن السوري، وهي فعل جدي في تغيير الواقع نحو الأفضل، واشتغال دؤوب من أجل وطن سوري حر، خالٍ من آل الأسد، ومحلق في فضاءات من السيادة الوطنية، وسيادة الدستور والقانون، بحيث لا يتمكن الطاغية من لجم الحريات، أو كبت وكم الأفواه، وصولاً إلى الوطن السوري، بعقد اجتماعي لا يستثني أحدًا، ولا يقبل بأية حال بانزياح ميداني عن جادة الصواب والحق والحقيقة والمواطنة الصرفة، لجميع أبناء الوطن، مهما حاول المستبد غير ذلك.
المصدر: صحيفة اشراق