مصعب عيسى
لم يكن الكيان الصهيوني عدواً لنظام الأسد في يوم من الأيام منذ استيلاء الأسد الاب على السلطة في سورية فما قدمه الاب في خدمة هذا الجار الجديد طوال فترة حكمه لهو خير دليل على عمق العلاقة والصداقة بين الطرفين فتاريخ الأسد حافل بالمؤامرات ضد المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية إضافة الى الحدود المثلجة والنظيفة من جهة الجولان الامر الذي فرضه الأسد من اعتقالات واسعة طالت كل فلسطيني او سوري يحاول او لمجرد التفكير في زعزعة وتدفئة الحدود الباردة منذ عقود.
والكل يعلم تصريحات ساسة الاحتلال الإسرائيلي التي تمجد بقاء الأسد واصفة إياه بالملك الذي انزله اله إسرائيل لحمايتها فمهما حاول الاحتلال تبييض وجهه في الشارع العربي الذي يعاني سطوة الاستبداد والقمع بانها وجه ديمقراطي متمدن ومتحضر في وسط غابة من الديكتاتوريات سيبقى اسمه محتل وسيبقى الوجه الاخر للديكتاتورية وهذا المحتل هو الذي اوجد هكذا أنظمة ورباها طوال العقود المنصرمة لتخدم ما يسمى بأمن إسرائيل.
يقول فلاديمير لينين (إذا خيرت بين اليمين واليمين لاخترت معركتي) بهذه العبارة البسيطة اختصر لينين كثير من الانتهازيات والموارابات السياسية في معارك التحرر سواء اتفقنا مع منهج لينين او اختلفنا معه فهذا شان اخر.
لكن المقصود من هذه الجملة هو القاء نظرة ميتاورائية على حركة التاريخ وتمحيص نضالات شعوب العالم، سوف نجد ان نصر الشعوب مرهون فقط بإراداتها واعتمادها على نفسها وثقتها بالانتماء والحق مهما طالت مسيرة التحرير.
ان ما تقوم به اسرائيل من قصفها لسوريا منذ اليوم الاول للثورة السورية ليس الا تبييض لصورة المقاومة والممانعة التي اسودت وتلطخت بدماء السوريين الأبرياء الذين سقطوا امام عنجهية جيش تاريخه حافل بالمجازر والانتهاكات سوريا وعربيا لقد افنى الأسد جيش سورية بأوامر خاطئة وتوجيهات مسمومة وعقائد خبيثة أودت بحياة هذا الجيش نحو الدرك الأسفل من القذارة.
لذا مهما حاول طيران الاحتلال الاسرائيلي قصف سورية ومنشآتها المدنية والعسكرية فان هذا التمثيل الهزلي والمسرحي لن يزيدنا الا قناعة ان المحتل والطاغية وجهان لعملة واحدة أحدهما نقش أجساد المعتقلين بأبشع الاختام الكهربائية، نقش على جسد سورية مزيدا من الخراب والدمار، نقش الدم على الياسمين، نقش الحزن السرمدي على وجوه أبناء هذا البلد هذا النقش الذي سيحتاج الى عمر او أكثر لكي يعاود المقدرة على الابتسام من جديد.
والوجه الاخر هو الطرة او الطغراء التي زورت تاريخ الحقيقة وتاريخ الجذر الممتد الى سابع ارض تلك الطغراء التي ادعت ان فلسطين ارضا بلا شعب لشعب بلا ارض ، تلك التي افترست عذرية الزيتون والليمون وصادرت الحلم واعتقلت التاريخ واودته سجن القرارات الدولية ،هذه العملة ( الاحتلال والطغيان ) لا فرق بينهما الا بالاستعارات اللفظية وقواعد اللعبة العربية والدولية فكلاهما هدم وحرق واغتال وجوع وقصف وهجر واحل أناسا محل أصحاب الأرض لكن ما يدمي القلب ويحرق خياشيم الحلم الوطني ويغتصب الحرية هو تلك الأفكار الدخيلة التي بدأت تتسلل الى ادمغة الشباب وجيل العصر والتي تحاول من خلال منصات إعلامية وشخصيات محسوبة على المعارضة السورية وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي ان تؤدلج ادمغة الجيل الجديد على أفكار هدامة لا يمكن ان تتناسب مع حركة التاريخ السوري ، أفكارا توهم ان إسرائيل هي صديقة للشعب السوري تحت قاعدة ان عدو عدوك صديقك لكنهم لم يقبلوا أو يدركوا ان عدو جدك ما بودك والانكى من ذلك ان يتم تنظيف وجه إسرائيل العنصري والمجرم على حساب اعظم ثورة في العالم ومن خلال شخصيات سورية للأسف مدعين ان المحتل الإسرائيلي لم يفعل ما فعله الأسد ،هؤلاء الذين قرأوا التاريخ من ذيله نسوا حجم المذابح الصهيونية نسوا حرق الأطفال والشيوخ وبقر بطون النساء ، نسوا وحشية التعذيب في سجون المحتل وان بانت وسائل اعتقاله تبدو مدنية في الآونة الأخيرة فان هذا لا يمحي تاريخ العنصرية الصهيونية التي لا تعترف بغير اليهودية معتقدا لدولتها المزعومة فعن أي ديمقراطية يتحدث هؤلاء ولماذا يلهثون في اصغر مناسبة للتطبيع بين إسرائيل واحد الأنظمة العربية وحتى دون وجود مناسبات تراهم يغازلون المحتل سرا وعلانية املا برضاه وسقوط الأسد ، من يهلل ويبارك ويصفق ويكبر للمحتل فهو يشبح ويصفق للأسد بطريقة أخرى فالطغاة يجلبون الغزاة كما ذكر ابن خلدون .
سورية اليوم هي ساحة صراع دولي بين كل قوى الشر في العالم وعلى راسها الكيان الصهيوني.
اسرائيل التي ماتزال تحتل الجولان وتعتقل الأسرى السوريين والعرب والفلسطينيين تحاول خلق مناخ ملائم لإيجاد أسد جديد في سورية لكن أكثر علنية شبيه بأنطوان لحد وان كان هذا الطاغية هو خدام اسرائيل بالسر تحت الطاولة.
لذا غياب القوى الوطنية الحرة في الساحة السورية تلك التي لا تضع حدا فاصلا بين الحرية والتحرر وتؤمن بالحرية الوطنية المطلقة للوطن داخليا وخارجيا دفع كثير من اطياف المعارضة السورية الى اللهاث خلف حذاء المحتل ليضمن ديمقراطية بلده المجزوءة والمحدودة التي سبق وان جربت في الجوار كما في فلسطين والعراق
فهذه سلطة أوسلو ليست الا سلطة خانعة وذليلة لا تستطيع منح أحد موظفيها تصريحا للعبور من حاجز الى اخر.
اما في العراق فسجن أبو غريب كفيل بان يتحدث عن الديمقراطية الامريكية المزعومة.
واليوم الثورة السورية وهي على مقربة من إتمام عامها العاشر لابد لها من نقد ذاتي يعيد قراءة تجربة الكرامة ومفهوم الحرية المطلق وغير المجزوء فلا حرية بدون تحرر والكرامة ثورة ضد محتل وطاغية والا سنعاني ما تعانيه كل شعوب العالم التي استنجدت بالغريب ونصبح على مقربة من قول الشاعر الراحل محمود درويش:
‘أنا والغريب على ابن عمِّي.
وأنا وابن عمِّي على أَخي.
وأَنا وشيخي عليَّ.
هذا هو الدرس الأول في التربية الوطنية الجديدة، في أقبية الظلام.’