صبحي فرنجية
دخلت الخارجية السعودية على خطّ الضغط على هيئة التفاوض السورية، عبر مذكرة أرسلتها إلى مقرّ الهيئة في الرياض أعلنت فيها عزمها تعليق عمل موظفي الهيئة بالسعودية نهاية الشهر الجاري، وذلك قبيل أيام من انعقاد الجولة الخامسة من اجتماعات اللجنة الدستورية، التي سيغيب عنها ممثلو منصتي القاهرة وموسكو في وفد المعارضة السورية، بحسب مصادر “العربي الجديد”.
وكان المبعوث الأممي إلى سورية، غير بيدرسون، قد تلقى رسالة يوم 13 من الشهر الجاري، من هيئة التنسيق الوطنية، ومنصة موسكو، وشخصيات من منصة القاهرة طالبوه من خلالها بالتصرف سريعاً، والدفع نحو التوافق ضمن هيئة التفاوض السورية.
وتم إرسال نسخ عنها إلى كل من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ونظيريه السعودي فيصل بن فرحان، والمصري سامح شكري. وطالبت تلك الأطراف بيدرسون بضرورة التصرف سريعاً حفاظاً على وحدة اللجنة الدستورية وعلى استمرارها، في إشارة واضحة من الكتل إلى أن الخلاف الحاصل داخل الهيئة سينعكس سلباً على عمل المسار الوحيد الفعّال في العملية السياسية.
كما طالبت الرسالة المبعوث الأممي عدم قبول طلب رئيس هيئة التفاوض السورية، أنس العبدة، تعيين تليد صائب بدلًا عن قاسم الخطيب كممثل عن منصة القاهرة في المجموعة المصغّرة للجنة الدستورية، وذلك إلى حين “الوصول إلى توافق ضمن مكونات هيئة التفاوض السورية، وكذلك للدفع عبر جهودكم الحميدة نحو التوافق ضمن هيئة التفاوض السورية”.
وقال أكثر من مصدر في الهيئة، في تصريحات لـ “العربي الجديد”، إن أمين سرّ الهيئة، صفوان عكاش، أرسل إلى أعضاء الهيئة نسخة من رسالة من الخارجية السعودية وصلت إلى مقر الهيئة في الرياض أمس الأربعاء، وتضمنت وفق المصادر التي اشترطت عدم ذكر أسمائها “انحيازًا سعوديًا واضحًا” للكتل التي أرسلت الرسالة.
وجاء في الرسالة التي وزْعها عكّاش على الأعضاء، ووصلت “العربي الجديد” نسخة عنها، أن الخارجية السعودية تلقت مذكرة من “بعض مكونات هيئة التفاوض السورية (هيئة التنسيق، منصة موسكو، منصة القاهرة) المتضمنة رفضها لقرارات صادرة عن اجتماعات غير شرعية للهيئة والمخالفات القانونية والنظامية للقرار”. وطلبت الرياض من الهيئة توضيحات حول ما ورد في رسالة الكتل الثلاث.
وجاء في مرفق آخر لبريد الخارجية السعودية أنه “وعلى ضوء استمرار تعطيل أعمال هيئة التفاوض السورية فقد تقرر تعليق عمل موظفي الهيئة مع نهاية الشهر الجاري يناير 2021 وذلك لحين استئناف الهيئة أعمالها”، ما يعني أن المملكة قررت وقف الدعم عن مكتب الهيئة في أراضيها إلى حين اكتمال نصاب الاجتماعات التي تغيب عنها المنصات الثلاث (هيئة التنسيق، ومنصة موسكو، ومنصة القاهرة). وطالبت الخارجية السعودية الهيئة بـ”الاطلاع” على المذكرة و”اتخاذ ما يلزم حيال ذلك”.
وأكد مسؤول في هيئة التفاوض لـ “العربي الجديد” أن الرسالة هي “تصعيد واضح، وغير مسبوق”، وتوقع أن يكون لهذا التصعيد أثره على “تماسك هيئة التفاوض ككل”. ولم يستبعد كذلك أن يمتد أثر هذا التصعيد وتأجيج الخلاف إلى “عمل اللجنة الدستورية، بمعنى أنه لن يعطل الاجتماعات لكنه قد يؤثر على روح التعاون والتماسك إلى حين الوصول إلى حلّ”. وعدّ أن الحلّ الذي تريده السعودية هو “سحب أكثرية الأصوات من كتلة الائتلاف إلى الكتل الثلاث صاحبة رسالة الاعتراض”.
وكانت المملكة العربية السعودية قد رعت اجتماعًا في ديسمبر/ كانون الأول الماضي لهيئة التفاوض السورية، دون حضور كل من ممثلي الائتلاف، وكتلة العسكر، والمستقلين، وذلك لاعتراض هذه الكتل على طبيعة الاجتماع الذي كان مخصصًا لانتخاب ثمانية أعضاء جدد من المستقلين لاستبدال القدامى الذين هم جزء من تحالف متين مع كتلة الائتلاف والعسكر. وهو الأمر الذي اعتُبر أسّ الخلاف الحاصل الآن، إذ إن الحضور حينها انتخبوا ثمانية مستقلين جدد، في حين أن الذين غابوا اعتبروا الاجتماع والانتخابات أشبه بمحاولة انقلاب على التحالف الثلاثي الذي يسيطر على القرار في الهيئة. وهيئة التفاوض السورية مؤلفة من 36 عضواً، للائتلاف منهم 8 ممثلين، و4 لكل من منصتي القاهرة وموسكو، و5 ممثلين عن هيئة التنسيق، و7 ممثلين عن الفصائل المسلحة، و8 مستقلين.
في غضون ذلك، يغيب ممثلو منصتي القاهرة وموسكو عن اجتماعات اللجنة الدستورية التي ستبدأ في الـ25 من الشهر الجاري، وبحسب مصادر “العربي الجديد” فإن غياب منصة موسكو عن الاجتماعات هو نتيجة إصرارها على عدم قبول استبعاد ممثلها مهند دليقان عن اللجنة، في حين أن غياب مُمثّلَيْ منصة القاهرة، سببه اعتذار جمال سليمان عن الحضور، واحتمال عدم استكمال التحضيرات اللوجستية لحضور عضو المنصة الجديد تليد صائب. وبذلك فإن وفد المعارضة في اللجنة الدستورية سيكون بغياب كتلتين من أصل ست كتل.
وعن ذلك قال عضو في اللجنة الدستورية لـ”العربي الجديد” إن “غياب منصتي القاهرة وموسكو سيجعل من موقف المعارضة صعبًا أمام الأمم المتحدة والمجتمع الدولي”، مضيفا أنه سيفتح الباب أمام النظام السوري “لاستغلال هذه الثغرة من خلال شنّ حملة إعلامية وإطلاق تصريحات ضد وفد المعارضة”. وعبّر عن أمله في أن يُحل الخلاف قبل الجولة السادسة من اجتماعات اللجنة.
وكان بيدرسون قد قال أمس الأربعاء في إحاطته أمام مجلس الأمن إن “الدورة القادمة للجنة الدستورية ستكون مهمة للغاية”، في إشارة إلى أنها الجولة الأولى منذ بدء الاجتماعات قبل أكثر من عام، وستناقش موضوع دستوري (المبادئ الأساسية في الدستور).
وأضاف: “أعتقد أننا بحاجة إلى ضمان أن تبدأ اللجنة في الانتقال من إعداد الإصلاح الدستوري إلى عملية الصياغة، وفقاً للولاية المنوطة بها. ويمكن للجنة القيام بذلك من خلال البدء في النظر في قضايا دستورية محددة ومسودات للمواد الدستورية”، وتابع: “أعتقد أيضا أن الرئيسين المشاركين يمكنهما، بل يتعين عليهما، التوصل إلى اتفاق بشأن خطة عمل للاجتماعات القادمة وجداول أعمال وموضوعات واضحة والمضي بوتيرة أسرع في هذه العملية”.
المصدر: العربي الجديد