ابراهيم ملكي
غالباً ما تكتسي وظائف الدستور في أي دولة أهمية أكبر في المجتمعات المتضررة من التوترات والنزاعات والحروب ولا ينتظر من الدستور بهذه الحالة أن يوفر مجموعة من القواعد القانونية الناظمة فحسب، وإنما أن يوفر إطاراً لتسوية النزاع الراهن، كما حدث في المفاوضات المتعلقة بتسوية النزاعات في “جنوب أفريقيا – هايتي – راوندا – البوسنة والهرسك.. إلخ”.
وقد أظهرت المفاوضات بين السلطات والمعارضة في تلك الدول رؤية واسعة للدستور في معالجة الأسباب الجذرية للنزاع على نحو فعال ومستدام.
لذلك لا ينتظر من الدساتير المعاصرة مجرد إرساء وتنظيم العلاقات بين المؤسسات وتحديد العمليات الإجرائية فقط، وإنما يجب إضفاء طابع قانوني عليها وإنساني وأخلاقي في نصوصها.
وهذا ما يفتقده دستور 2012 الذي يستند إليه بشار الأسد في انتخابه للمرة الرابعة لعدم مشروعيته، بسبب خروج أغلبية الأراضي السورية عن سيطرته سنة كتابة الدستور (2012)، وبالتالي لم يؤخذ رأي الشعب في هذا الدستور عبر عملية استفتاء شعبي حر وشفاف متوافق مع المعايير الدولية التي تصبغه بالقوانين الدولية الإنسانية ومبادئ العامة لحقوق الإنسان، أي أنه لم ينل موافقة شعبية ولم يصبح نافذاً.
فالدستور الذي يعتبر مجموعة من القيم التي يقوم عليها المجتمع والدولة ومصدراً رئيساً للقوانين التشريعية واللوائح القانونية الأخرى بما فيها اللوائح الناظمة للانتخابات وعلاقة المؤسسات فيما بينها.
ومن خلال هذه المقدمة يتوضح لدينا بأن دستور 2012، غير شرعي ليس فقط كون محتواه القانوني ليس له صلة بالمبدأ الإنساني أو بالمبدأ الحقوقي الدولي، بقدر ما هو مجموعة قواعد تكرس لحكم المستبد عبر قوانين استثنائية.
ما أريد تناوله في هذا الشرح هو نسف الدستور الحالي جملة وتفصيلاً، وليس ببيانات وشعارات وصراخ وعويل.
1-القاعدة الفقهية تقول “ما بني على باطل فهو باطل”
أتطرق فقط لنشأة الدستور الحالي 2012 بدون المحتوى، كيلا يكون هناك اعتراف به داخلياً ودولياً.
في صناعة دستور أي دولة يجب أن يصاغ ويكتب في بيئة آمنة ومستقرة، ويكون البلد في حالة صحية اجتماعياً وسياسياً ووو… لكي يستطيع الشعب إبداء رأيه فيه وثم الاستفتاء عليه، والأهم أن تكون السيادة كاملة غير منقوصة.
سوريا كانت في حالة ثورة وحرب مع النظام الذي مارس العنف ضد أصحاب الرأي التغييري والإصلاحي، أي عدم توفر بيئة آمنة أو صحية، بل على بالعكس ضربت البنى التحتية من قبل النظام وخلق ما يشبه الحرب الأهلية في تلك الفترة، من قصف وعنف واعتقال وإخفاء وقتل، التي شملت جميع المناطق، أي إن البلد كان في حالة دمار شبة تام، ما يجعل الظروف والبيئة المستقرة غير متوفرة لبناء دستور أو الشروع في كتابته.
والأنكى من ذلك، فإن جميع القوى المتدخلة بالأزمة السورية بما فيها فصائل المعارضة أدخلت عناصر أجنبية للقتال في صفوفها، بالإضافة إلى تدخل قوى غير سورية عبر الميليشيات، كانت تسيطر على 70% من الأراضي السورية، وبالتالي فإن أكثر من 70% من الشعب السوري لم يشارك بالاستفتاء، ما يجعله باطلاً، أي أن السيادة كانت مشروخة عملياً عدا عن فقدان شرط
أساسي في شرعية الدستور ونشأته ألا وهو (عدم الاستفتاء عليه من قبل السوريين).
وبما إن انتخابات الرئاسة المستندة أصلاً إلى ذلك الدستور الفاقد في بناءه وتكوينه للشرعية يكون في حكم المعدوم، وفقا للقاعدة الفقهية “ما بني على الباطل فهو باطل”، فكل ما نتج عن ذلك لا يعتد به قانوناً، وفقاً للقاعدة القانونية إذا سقط الأصل سقط َ الفرع، إي إن قانون الانتخابات الذي يستند إليه بشار الأسد لو ترشح للرئاسة أو من يمثله تكون بحكم الساقطة دستورياً، عدا عن فقدانه للمعايير الدولية شكلاً ومضموناً.
طبعاً نحن نقارن هذا الدستور مع دستور 1973 عندما استفتى عليه الشعب بغض النظر عن محتواه أو كدستور وضع كل السلطات بيد الديكتاتور الأسد الأب.
2- عدم امتثال النظام في دستور 2012، للمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
بالعودة للمواثيق الدولية حول طريقة كتابة وتدوين الدساتير، يتوضح لنا بأن هناك علاقة ترابطية وأخلاقية بين الدستور الوطني وبين المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان والقانون الدولي، وهذا ما نراه في أغلب دول العالم الديمقراطي وفي تونس عام 2014، وقد جاءَ في المذكرة الإيضاحية التوجيهية للأمم المتحدة بشأن المساعدة المقدمة من الأمم المتحدة لعمليات دفع الدساتير، نيسان 2009 ص 4 (ينبغي على الأمم المتحدة أن تبذل كل ما في وسعها لدعم وتعزيز عمليات وضع الدستور وتكوين رؤية شاملة وتشاركية وشفافة وينبغي على الأمم المتحدة أن تواصل تعزيز الامتثال للدساتير الدولية لحقوق الإنسان وغيرها من القواعد والمعايير. وتجاهر برأيها عندما يتعلق الأمر بمشروع دستور لا يمثل هذه المعايير وعلى الأمم المتحدة أن تدافع عن المعايير التي ساعدت على بلورتها)
يجب أن تكون هذه القواعد الأخلاقية والقانونية متوفرة في الدستور الوطني والعمل بها وتعطيل كل ما يخالفها في أي دستور ولأي دولة، لذلك نرى أن المعايير الدولية غير متوفرة بالمطلق في الدستور الذي صاغه النظام السوري لعام 2012، ناهيك بعدم التقيد بالإجراءات القانونية من قمع الحريات والقتل وبدون أي محاسبة للفاعل، ما يجعل هذا الدستور غير معترف به دوليا لمخالفته المعايير الدولية”
فالمادة الخامسة من العهد الدولي الخاص للحقوق السياسية والمدنية تقول: “لا يقبل فرض أي قيد أو أي تضييق على أي مبدأ من مبادئ حقوق الإنسان الأساسية المعترف بها أو النافذة في أي بلد تطبيقاً لقوانين أو اتفاقات أو أنظمة أو أعراف بذريعة كون هذا العهد لا يعترف به أو كون اعترافه في أضيق مدى”، ويقصد بها أن الدساتير الوطنية يجب ألا تهمل هذه المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان.
عدا عن انتهاكات حقوق الإنسان وعدم احترام الشرعية الدولية للدساتير التي وضعها الدكتاتور الأسد الأب والأبن، وأيضاً نسف كل قرارات مجلس حقوق الإنسان رقم 51 لعام 1989 الصادر في آذار، وكذلك قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 137/46 المؤرخ في 27/12/1991.
وبالعودة إلى شروط تشكيل وبناء دستور النظام لعام 2012، فمن الواضح عدم امتثال النظام للمعايير الدولية لحقوق الإنسان التي توفر الشفافية واحترامها للمواثيق الدولية فنرى ما جاء في قرار حقوق الإنسان رقم 51 لعام 1989 حول مبدأ الانتخابات الدورية والنزيهة كأساس لسلطة الحكم وحق الاقتراع العام على قدم المساواة وحق المرء في المشاركة في حكم بلده بطريقة مباشرة أو غيرها.
3- أظن أن على المعارضة أن تطالب الأمم المتحدة بتطبيق قراراتها بشأن الملف السوري كقضية محورية في الخروج من الأزمة وليس الحديث الصاخب حول الانتخابات الرئاسية في عام 2021 وهل يترشح بشار أم لا ووو، وهذا يدخل المعارضة في ملعب بشار ويدخل المجتمع السوري في أنفاق ومربعات ودوامات لا نهاية لها من المماطلة والتسويف.
قال جويل رايبورن المبعوث الأمريكي الخاص بالملف السوري، حول الانتخابات القادمة في سوريا في حديثه لقناة العربية: (إن تلك الانتخابات هي مضيعة للوقت ولاسيما أن المجتمع الدولي لن يعترف بها وكذلك بلاده لن تعترف بأية انتخابات في سوريا إلا في إطار القرار 2254، وإن الانتخابات الوحيدة التي ستحظى بالشرعية هي الانتخابات التي ستتم تحت إشراف الأمم المتحدة وفقاً لقرار جنيف 2254)، وهذه رسالة قوية لنظام دمشق بأن الانتخابات القادمة غير شرعية وغير معترف بها دولياً.
إلى جانب القرارات الدولية الخاصة بسوريا التي تنسف دستور عام 2012، وما يبنى عليه من آثار ونتائج.
4- إن تمسك المعارضة بالقرارات الدولية لحل القضية السورية هي واجب وفرض سوري، وهذا يتم عبر التمسك بهذه القرارات وعدم التنازل عنها وهي:
1- قرار الجمعية العمومية رقم 67/262 حزيران 2013 الذي نص على “تشكيل هيئة حكم انتقالي بكامل الصلاحيات التنفيذية، تقوم مقام الرئاسة لجهة المهام العسكرية والأمنية.
2- القرار 2118 الصادر في 27 أيلول 2013 الذي نص وحدد الخطوات الرئيسة بالحل في البند 16 منه: (تبدأ الحلول في سوريا من إنشاء هيئة حكم انتقالي تمارس كامل الصلاحيات التنفيذية وتضم أعضاء من الحكومة “السلطة” والمعارضة وبشكل توافقي).
3- القرار 2254 الصادر في 18 ديسمبر 2015، الذي أكد على هيئة حكم انتقالي بكامل الصلاحيات تبدأ من الحوكمه أولاً ثم الدستور ثانياً ثم الانتخابات.
لذلك نرى أن المعارضة تمتلك بيدها قرارات أممية قوية وأوراق تنسف الدستور الحالي وتطالب الدول المعنية بالتزاماتها نحو الشعب السوري وفق قرارات الأمم المتحدة.
وسوف أذكر العدوان الصربي على البوسنة والهرسك عام 1995، لوقف العدوان على البوسنة ووضع حد للحرب الأهلية الداخلية، وعدم امتثال سلوفودان ميلوفتش للقرارات الدولية آن ذاك لأنه كان مدعوماً بفيتو روسي، فقام حلف الناتو بضرب مواقع الصرب بقرار من خارج مجلس الأمن، حتى امتثل سلوفودان ميلوفتش لقرار وقف الحرب ونتج قانون دايتون الذي كان له شقين:
1- عقوبات اقتصادية مالية صارمة على صربيا (يوغوسلافيا السابقة).
وهذا ما فرضته أمريكا والعالم على بشار الأسد عبر حزمة من العقوبات الاقتصادية والمالية الدولية، ما يعطي زخماً قوياً وفاعلاً لإجبار الأسد على قبوله بقرارات جنيف باعتبارها أممية ملزمة لجميع الأطراف.
2- عدم امتثال النظام لقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن بما فيها القرار 2254 الذي صدر بالإجماع، وعدم قبول نظام دمشق بالتنحي وتسليم السلطة لهيئة حكم انتقالية وفق القرار المذكور أعلاه، يعطي للدول الصديقة الضوء باتخاذ مواقف وخطوات أقوى في مساعدة الشعب السوري، للتخلص من هذا النظام كما حدث في البوسنة والهرسك.
التمسك بمقررات جنيف بشأن الملف السوري ورفض كل ماعدا ذلك، ليست معادلة صعبة في كي نعيد البريق السلمي لتغيير النظام، والولوج في المراحل الأخرى من بناء سوريا العدالة والديمقراطية ومحاسبة المجرمين وجبر الضرر… الخ.
أرى جميع الأوراق التفاوضية بيد المعارضة سلاحاً قوياً.
اعملوا عبر سياسة وطنية ولا تقبلوا بأي تنازل مهما كانت الضغوط، فالحق يحتاج إلى قوة لانتزاعه عليه وليس بالضرورة أن تكون سلاحاً.
المصدر: موقع اللقاء الوطني الديمقراطي في سورية