أسامة آغي
يبدو أن ثمة خللًا يعصف ببنية “هيئة التفاوض السورية”، ومصدر هذا الخلل بنيتها، التي فرضتها “مجموعة أصدقاء سوريا”، ثم الروس وغيرهم، وكأن المراد من هذه البنية أساسًا تعطيل دورها في عملية التفاوض على القرار “2254”، الصادر في 18 من كانون الأول عام 2015.
فمن يقرأ بنية “هيئة التفاوض السورية” بصورتها الحالية، سيكتشف أن قوى فيها مثل منصتي “القاهرة” و”موسكو” هي بالأساس لا تمثّل قوى على الأرض لها نفوذ ضمن قوى الثورة السورية، التي اندلعت في 15 من آذار عام 2011.
منصتا “القاهرة” و”موسكو” أُلحقتا بـ”هيئة التفاوض” لإضعاف بنية ودور هذه الهيئة، التي يجب أن يكون تفاوضها قائمًا على تسلسلية القرارات الدولية بدءًا من بيان “جنيف 1” ومرورًا بالقرارين الدوليين “2118” و”2254″.
“هيئة التنسيق الوطنية للتغيير الديمقراطي”، هي الشريك الفعلي الأول في بناء “الهيئة العليا للمفاوضات” (النسخة الأولى)، التي قادها رئيس وزراء سوريا السابق المنشق، رياض حجاب، هذه الهيئة (التنسيق الوطنية) ثمة فجوات كبيرة في رؤيتها السياسية، تفصلها عمليًا عن التوافقات مع كتلة “الائتلاف” والفصائل ومجموعة المستقلين الثمانية في الهيئة.
الفجوات المعنية تتعلق بقضايا كثيرة، منها مرجعيات هذه القوى، وتحديدًا التركية من جهة، والسعودية- المصرية من جهة أخرى، هاتان المرجعيتان ليس صراعهما الأساسي هو حول سوريا، بل هو صراع محكوم بمقدمات سياسية وتنموية، أريد له أن يرتدي ثوبًا جغرافيًا وأيديولوجيًا.
ولكن ما هو ليس مفهومًا في العلاقة بين مكونات “هيئة التفاوض”، هو عدم استعدادهم للجلوس حول طاولة حوار لتفعيل عمل هيئتهم، بعيدًا عن هيمنة أي طرف من الأطراف على عمل هذه الهيئة، وبعيدًا عن أي تدخلات إقليمية أو دولية.
فالسعودية، التي عقدت مؤتمرًا على أراضيها لاختيار ثمانية أعضاء مستقلين، يجب أن يحلّوا بدلًا من الأعضاء الثمانية القدامى، هي من عقّد مشكلة بنية “هيئة التفاوض”، إذ يمكن إدراج تدخلها آنذاك ضمن الصراع بينها وبين تركيا، هذا الصراع بدأت نيرانه تخبو مع تغيرات على الأرض في الوضع الدولي، وتحديدًا مع مجيء جو بايدن إلى البيت الأبيض، الذي يحمل عداء للقيادة السعودية، ويتهمها بارتكاب جرائم في حربها باليمن، إضافة إلى استعداده لإعادة المياه إلى مجاريها بالعلاقة مع إيران، التي أطلقت يد الأخيرة فيها في المنطقة، وكذلك فإن بايدن يحمل عداء لتركيا.
التقارب السعودي- التركي يجب أن يخلق تقاربًا جديًا بين كتلة “هيئة التنسيق” ومنصة “القاهرة” من جهة، وكتلة “الائتلاف” والفصائل من جهة أخرى، لكن الذي جرى هو غير ذلك، وهذا يدفع للقول إن هناك ما يثير الريبة في الأمر.
إذ إن من غير المفهوم، أن يذهب وفد يضم جمال سليمان وخالد المحاميد ليلتقي بوزير خارجية روسيا، بوجود ممثلين عن منصة “موسكو”، حليف روسيا الثابت هما قدري جميل، رئيس المنصة، ومهند دليقان المفصول من “هيئة التفاوض”.
فهل يمكن فهم معنى لقاء هذه المجموعة مع عدو الشعب السوري (روسيا)، وإقحامه كطرف بشؤون يمكن حلها ضمن حوار مكونات المعارضة؟ وهل نستطيع جديًا أن نسمّي هؤلاء بأنهم معارضون سوريون ضد نظام بشار الأسد؟
نعتقد أن الصراع بين مكونين رئيسين في “هيئة التفاوض”، هما “مكون الائتلاف والفصائل والمستقلين، ومكون هيئة التنسيق ومنصة القاهرة” يجب أن ينتهي، وأن تبدأ خطوات جدية بتذويب الخلافات بينهما، على أرضية صريحة وواضحة من التفاهمات، جوهرها يتلخص بضرورة بيان عدم الخروج على جوهر القرارات الدولية الخاصة بالقضية السورية، وأولها تنفيذ القرار رقم “2254” وفق تسلسله (تشكيل هيئة حاكمة انتقالية من الجميع، ثم إقرار دستور جديد، وإجراء انتخابات بإشراف تام وكلي من الأمم المتحدة يشمل كل السوريين في الداخل والخارج).
هذه التفاهمات تحتاج إلى توقيع ميثاق شرف، يمنع اختطاف القرار الخاص بـ”هيئة التفاوض السورية” من أي من مكوناته، أو من مجموعات تحالفاته الداخلية، وربط القرارات بقاعدة التفاهمات، وليس بقاعدة التصويتات، وهذا يتطلب رفع نسبة التصويت لاتخاذ قرارات إجرائية إلى 61% بدلًا من 51%، بحيث تصبح “هيئة التفاوض” كتلة واحدة تجتمع على الإصرار على تنفيذ القرارات الدولية الخاصة بسوريا، وفي مقدمتها الإصرار على تشكيل هيئة حاكمة انتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية.
إن عجز مكونات “هيئة التفاوض” عن إيجاد مربعات تفاهمات وطنية بينها، واللجوء إلى غير بيدرسون لحل إشكال تنظيمي فيما بينها، يكشف عن تناقضات لا تعمل لمصلحة التفاوض لإنجاز تنفيذ القرار “2254”، ويكشف عن عدم ثقة بين هذه المكونات، ما يضع قضية التفاوض والانتقال السياسي في حالة الخطر، وبأيدٍ يجب إعادة النظر بدورها، باعتبارها تقدّم مصالحها الفئوية على مصلحة الخلاص من نظام الاستبداد.
إن الملتجئين لموسكو يبدو أنهم يريدون القفز فوق استحقاقات القرار “2254”، والمساعدة على تعويم النظام الاستبدادي، عبر قبولهم بتغييرات شكلية، تساعد على إعادة إنتاج نظام بشار الأسد، ولو كانت على حساب الشعب السوري.
إن الحاضنة الشعبية للثورة السورية، لا أحد يعتقد أنها سترضى بأقل من تنفيذ القرارات الدولية، ومن يريد القفز فوقها، لن يقفز سوى بمفرده، وهذا لن يغيّر من واقع الصراع بين الشعب السوري ونظام فتك بكل مقدراته.
المطلوب إعادة إنتاج “هيئة التفاوض” التي بُنيت بإرادة خارجية لتكون هيئة تفاوض حقيقية عن الثورة السورية، وهذا يحتاج إلى أعلى درجات الضغط الشعبي من حاضنة الثورة، كي لا تضيع تضحيات ثوارها وشعبها مجانًا.
فهل ستلبي مكونات “هيئة التفاوض” المطلوب منها شعبيًا؟ أم أنها ستعوم بعيدًا عن أهداف الثورة والشعب السوري، الذي لم يبخل بالغالي والرخيص، من أجل أن يزيح نظام الاستبداد عن حياته؟ سؤال برسم إجابة المكونات المعطلة لعمل “هيئة التفاوض السورية”.
المصدر: عنب بلدي