أمين العاصي
لم تتضح بعد ملامح المصير الذي ينتظر ريف درعا الغربي، المتاخم لخط وقف إطلاق النار بين سورية وإسرائيل. لكن المعطيات الميدانية تشير إلى أن قوات النظام ماضية في الضغط على بلدات هذا الريف، ملوّحة بالقيام بعملية عسكرية واسعة النطاق في حال رفض دخولها، وتهجير عدد من المقاتلين الذين كانوا ضمن فصائل المعارضة السورية قبل توقيع اتفاقيات التسوية منتصف 2018.
وأبلغت “اللجنة المركزية”، التي تفاوض نيابة عن أبناء محافظة درعا جنوب سورية، مسؤولين في قوات النظام، مساء أمس الأول الأربعاء، بالموافقة على تسليم السلاح الموجود لدى المقاتلين السابقين في فصائل المعارضة السورية في ريف درعا الغربي، كما يطالب النظام. وبيّن الناشط الإعلامي محمد الحوراني، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “اللجنة المركزية” أبلغت مسؤولي النظام السوري برفضها تهجير أي شخص من ريف درعا الغربي إلى الشمال السوري. وكان من المقرر عقد اجتماع، أمس الخميس، بين “اللجنة” وقيادة “الفرقة الرابعة”، التي يقودها ماهر الأسد، إلا أن الناشط الإعلامي أحمد المسالمة أكد، لـ”العربي الجديد”، أن الاجتماع أُجّل لعدم وجود قائد “الفرقة الرابعة” في درعا علي محمود في مقره. وأشار إلى أنه كما يبدو غادر إلى دمشق للتشاور مع قيادات النظام العسكرية، و”بذلك مُددت الهدنة تلقائياً حتى يتم الاجتماع بقائد الفرقة الرابعة لأنه صاحب القرار”.
ويطالب النظام بتهجير ستة مقاتلين سابقين وعائلاتهم إلى الشمال السوري. وأعطى مهلة انتهت أمس الخميس، هدّد بموجبها باقتحام مناطق غربي درعا، واستخدام الطيران الحربي، إن لم تتم الاستجابة لهذا المطلب. كما تطالب “الفرقة الرابعة”، الأكثر وحشية في التعامل مع المدنيين منذ نحو 10 سنوات، بدخول بلدات وقرى ريف درعا الغربي، وتسلّم المراكز الحكومية والقيام بعمليات تفتيش واسعة، ما يثير مخاوف لدى سكان المنطقة من ارتكاب عناصر “الفرقة” مجازر وتصفيات ميدانية بحق المدنيين، كما فعلت في الكثير من المناطق التي دخلتها رغم اتفاقيات التسوية التي أبرمت، برعايةٍ من الجانب الروسي، الذي تشير المعطيات إلى أنه تخلى تماماً عن مسؤولياته إزاء الاتفاقيات، خصوصاً في جنوب سورية.
وأوضح المسالمة أن بلدة طفس، وهي مركز ريف درعا الغربي، يسودها التوتر، مشيراً إلى أنها تشهد حركة نزوح “خفيفة”. وأكد أن فصائل البلدة “ترفع جاهزيتها القتالية استعداداً لكل طارئ”. ومن الواضح أن قوات النظام السوري تريد إخضاع الجنوب برمته قبيل انتخابات رئاسية، من المقرر أن تُجرى منتصف العام الحالي، لذا تختلق المبررات لاقتحام المناطق التي لا تزال خارج سيطرتها، رغم أن الاتفاقيات المبرمة مع الروس لا تجيز لها ذلك.
من جانبه، أوضح المحلل السياسي محمد العويد (وهو من أبناء محافظة درعا) أن ما يجري في أقصى الجنوب السوري اليوم “امتداد لما جرى في سنوات سابقة وليس وليد اللحظة”. وأضاف، في حديث مع “العربي الجديد”، أن ثمة رغبة لدى النظام والجانب الإيراني في السيطرة على الجنوب السوري. وأشار إلى أن “الفرقة الرابعة”، التابعة لقوات النظام، التي تهدد ريف درعا الغربي اليوم، “يقودها ضباط، في مقدمتهم ماهر الأسد، هم الأكثر ولاءً للجانب الإيراني، ما يعني أن طهران تريد الاستحواذ على هذه المنطقة كي تصبح لاعباً رئيسياً ومحورياً حين تُرمى الأوراق كاملة على الطاولة لحسم القضية السورية”.
وبيّن العويد أن ريف درعا الغربي “له خصوصية جغرافية، فبلدات طفس وتل شهاب واليادودة هي البوابة الغربية لدرعا، وتمتد إلى بلدة الشجرة، وهي المحاذية تماماً لخط وقف إطلاق النار بين سورية وإسرائيل في عام 1974، إضافة إلى قربها من نهر اليرموك، وهو حدّ طبيعي بين جنوب سورية والأردن”. وأضاف: “من هنا ينبع السعي الإيراني للسيطرة على ريف درعا الغربي لتحقيق أهداف بعيدة المدى”. وأشار إلى أن النظام والإيرانيين “اختلقوا مسألة المطلوبين من شباب ريف درعا الغربي للخدمة في قوات النظام”، موضحاً أن قوات النظام فشلت أكثر من 10 مرات في السيطرة على بلدة طفس. وأضاف أن “تسليم المنطقة يعني وصول الإيرانيين إلى ريف درعا الغربي، ما قد يعني تحويله إلى بركة دماء، لأن اللاعب الإسرائيلي لن يقف مكتوف اليدين أمام التمدد الإيراني على حدوده الشمالية”. وحول الدور الروسي الذي كان الضامن لاتفاقيات التسوية منتصف العام 2018، أعرب العويد عن اعتقاده بأن موسكو “تلعب بأوراق متناقضة”، مضيفاً: “هي لا تريد أن تخسر الحليف الإيراني، وبنفس الوقت لا تريد لعلاقتها مع تل أبيب أن تتأثر. موسكو تريد أن تكون الضامن لكل شيء في سورية”.
وشنّت قوات النظام السوري، أمس الخميس، حملة اعتقالات في ريف مدينة درعا، حيث اعتقلت قيادياً في “اللواء الثامن” التابع لـ”الفيلق الخامس” المدعوم من روسيا. وقال الحوراني، لـ”العربي الجديد”، إن قوات تابعة لجهازي الأمن العسكري والمخابرات الجوية داهمت عدة منازل في قرية إيب بمنطقة اللجاة في ريف درعا، واعتقلت خمسة من أبناء القرية. وأوضح أن من بين المعتقلين قيادياً في “اللواء الثامن”، يدعى صالح الخلاوي.
إلى ذلك، لا يزال الفلتان والفوضى الأمنيّان السمة البارزة في محافظة درعا، حيث لا يكاد يمر يوم من دون عمليات، أو محاولات، اغتيال تطاول شخصيات بارزة. وفي هذا الصدد، ذكرت مصادر متقاطعة، لـ”العربي الجديد”، أن مجهولين اغتالوا، أمس الخميس، رئيس بلدية بلدة ناحته في محافظة درعا ممدوح فخر المفعلاني باستهدافه بالرصاص أمام منزله في البلدة. ومنذ توقيع فصائل المعارضة السورية لاتفاقيات التسوية منتصف 2018، جرت مئات عمليات الاغتيال التي طاولت متعاونين مع النظام، أمنياً وعسكرياً، وشخصيات عسكرية ومدنية كانت ضمن فصائل المعارضة ورفضت النزوح إلى الشمال السوري. وفي السياق، أكدت مصادر محلية أن قيادياً سابقاً في فصائل المعارضة في محافظة درعا توفي، الأربعاء الماضي، بعد صراع لعدة شهور مع أمراض تسببت بها مادة سامة أعطيت له خلال فترة اعتقاله لدى مكتب أمن “الفرقة الرابعة” بريف دمشق. ووفق “تجمع أحرار حوران” فقد لجأ النظام إلى تسميم العديد من الشخصيات المدنية والعسكرية المعارضة في محافظة درعا خلال 2019 و2020، بأساليب مختلفة.
المصدر: العربي الجديد