د- عبد الناصر سكرية
لم يعد ثمة حاجة إلى بيان أهمية بناء حركة عربية شعبية واحدة وبيان حاجة النضال العربي إليها.. كما لم يعد مثار خلاف بين العروبيين الوحدويين الموحدين أن تأسيس مثل هكذا تنظيم شعبي ذي أفق قومي متكامل ، بات مطلبا ملحا ليس لحماية وتطوير أية مكتسبات حققتها الحركة الشعبية العربية في زمن عزتها وقوتها في خمسينات وستينات القرن العشرين وحسب ؛ بل لحماية الوجود القومي ذاته..
اكثر من هذا فإن الدفاع عن الذات الفردية لأشخاص المناضلين العرب الشرفاء والحفاظ على حياتهم ووجودهم بات مرهونا بقيام تلك الحركة التي تحميهم قبل أن تقوي عزيمتهم وتشد أزرهم..وإلا فهم أيضا كأشخاص مستهدفون في حياتهم كما في أدوارهم وأفكارهم ..فمن يصمد منهم أمام حروب الاقتلاع أو الابتلاع ، يبقى معرضا مستباحا أمام الضغوط والإغراءات. وكثير منهم سقطوا في هذه الابتلاءات ولم يستطيعوا الاحتفاظ باستقلاليتهم أو حريتهم الحركية فوقعوا في شراك الإقليمية أو حبائل قوى التسلط والنفوذ الأجنبي والقهر المحلي أو العالمي؛ فاستسلموا أو استكانوا أو رضخوا؛ وبعضهم من ارتهنوا فخرجوا من صفوف الوحدويين الموحدين الأحرار فباتوا عبئا إضافيا في طريق حركة التحرر والتوحيد القومية. حتى أولئك الذين لا يزالون يحتفظون بحنين إلى أيام العزة والكرامة القومية ويمجدون رموزها وقادتها وفي القلب منهم جمال عبد الناصر.. أو أولئك الذين يعلنون تشبثا بقضية فلسطين كبوصلة لهم ؛ فيما هم غارقون في مشاريع الهيمنة الفئوية الإقليمية فأصبحوا في مواقع متصادمة مع قضية فلسطين ومع كل الهوية القومية ومقتضياتها ؛ مهما رفعوا من شعارات أو قدموا من مبررات وتحليلات يائسة بائسة..
فلا حماية لمن بقي مستمسكا بعروة اللحمة القومية إلا في إطار الحركة الشعبية العربية الواحدة الموحدة الجامعة. فحروب الإلغاء لن تتوقف ما لم يمتلكوا قوة شعبية موحدة تردعها وتردها عنهم وعن أمتهم..
فهل يلزمنا حديث فوق هذا لبيان حاجة القوميين إليها ومسؤوليتهم هم عنها وليس أية أطراف أخرى ؟؟
وإلى أي مدى بات قيامها أو تأسيسها ممكنا بقدر إلحاح الحاجة إليها؟؟ ثمة عوائق ومعوقات موضوعية يطرحها الواقع العربي الراهن ..
– معوقات واقعية..
دون تأسيس حركة عربية شعبية واحدة مصاعب ومعوقات كثيرة ..بعضها نابع من الواقع العربي ذاته وبعضها الآخر راجع إلى طبيعة الحركة ذاتها وإلى ما يمكن أن تشكله من قوة عربية فتستنفر ضدها ولمحاربتها كل القوى المحلية والخارجية المعادية للتقدم العربي..
١ – على ضوء الأهداف المطلوبة منها والمأمولة والمرادة من تأسيسها والتي هي – للتذكير والتوكيد – :
أ – تنظيم وضبط الطاقات النضالية العربية الشعبية الحرة وتوظيفها بموضوعية علمية من أجل خدمة أهداف ومصالح الشعب والأمة والدفاع عنها وعن وجودها..
ب – التأسيس لوعي شبابي – جماهيري متجدد بحقيقة الهوية القومية ومتطلبات الانتماء القومي الواحد المعبر عن المصير العربي الواحد.
ج – رد كل أنواع الغزو الفكري والثقافي والاجتماعي التي تحملها القوى المعادية للأمة وتقدمها ؛ وتفنيدها وإبعاد خطرها عن الأجيال المتواصلة من أبناء الأمة..
د – التجسيد – في ذاتها وتكوينها وتنوعها – للنموذج الحضاري التقدمي المتحرر الذي نتطلع إليه ليكون هو مستقبل الأمة أو يكون المستقبل على شاكلته ووفقا لبنيانه..
على ضوء هذه الأهداف المأمولة منها ، فإنه من المنطقي والموضوعي القول أن كل أعداء التقدم العربي سوف يحاربونها في كافة مستوياتها ..سوف يحاولون منع تأسيسها أو عرقلته أو تشويش مسيرته – التأسيس – وإرباكه أو التسلل إليه لتلغيمه وتفجيره مستقبلا ؛ إذا لم تنجح في منعه من الأساس..
فهذه أكبر الأخطار واكثرها فعالية وفتكا في محاربة العمل الشعبي العربي التوحيدي. وهي تحتل مقدمة المعوقات أمام تأسيس حركة شعبية عربية واحدة موحدة..
فمن هي تلك القوى التي تعادي التقدم العربي ؟؟
٢ – قوى الإقليمية الرسمية العربية ، صاحبة السلطة والسلطان والتي توظف كل فعالية القوانين وقوة المعرفة والبرهان ؛ في تأبيد واقع الانقسام العربي والذي يشكل الأرضية الصالحة لبقاء تلك السلطات واستمرار نفوذها وفعالية دورها ؛ تأبيده بأشكال متنوعة ووسائل ثرية جدا : منها تزييف الوعي وصناعة وعي إقليمي بديل ؛ غير وحدوي ؛ بل يستنكر وجود الأمة القومي فلا يعترف به ولا يقبل مفاعيله ..فهي لذلك تعادي أية حركة شعبية عربية توحيدية لأنها تهدد مصالحها وتشكل بديلا موضوعيا عنها..
ونظرا لما تمتلكه هذه السلطات من إمكانيات عملية ومادية وإعلامية هائلة ، فإن قوة تأثيرها في الواقع الشعبي أولا ثم في الوعي الشعبي للمسألة القومية والهوية والانتماء والمصير الواحد ، شديدة الخطورة ولن يكون التأثير في مجريات الوعي البديل الذي صنعته سهلا او سريعا..
يكفي أنها تمتلك كل وسائل ومنابر ومؤسسات صناعة الرأي وتقديم المعرفة وتشكيل العقول وتربيتها…الأمر الذي يضاعف من المعوقات أمام الحركة الشعبية الواحدة الواعدة في ذات الوقت الذي يضاعف المسؤولية والمخاطر والتحديات على المؤمنين بها الراغبين في تأسيسها..
فوق هذا وقبله فإن أنظمة الإقليمية تمتلك من صناعة القهر ما يكفي لإرهاب الكثيرين وتعطيل طاقاتهم وقدراتهم ليس على الفعل فقط بل حتى على مجرد التفكير .. فيكف إذ ذاك عن العمل، كثير من الأحرار فتتعطل طاقاتهم وتهدر في سجون الخوف والظلم والتعذيب..
٣ – النظام العالمي الرأسمالي الفاسد: هو عدو في ذاته ولذاته لكل ما يمت إلى التقدم العربي بصلة…حتى لو كان أمنيات وقبل أن تتحول إلى وقائع…إن معاداة هذا النظام الدولي للتقدم العربي دفعه لأن يمارس عدوانا مستمرا على الوجود العربي من أساسه وفي مكوناته.. وما تبنيه الكامل للكيان الاستعماري الغاصب في فلسطين إلا دليل واضح أكيد على مدى عدائه للتحرر العربي كما للتقدم العربي أيضا…فلا يكفيه سرقة موارده وسلب إرادته والتحكم بمصائره بل راح في العقود الأخيرة يتحول إلى عدوان مباشر متصاعد متواصل على الوجود العربي ذاته…واضعا بين أهدافه منع أية قوة شعبية توحيدية أو تحررية عربية من البقاء أو الاستمرار أو الظهور..
ولهذا النظام العالمي من الامتدادات والأذرع المباشرة وغير المباشرة ؛ المعلنة والخفية ..المكشوفة والمستترة ..في كل المستويات والأوساط ؛ ما يكفي – ويفيض – لعرقلة وإعاقة وتخريب أية محاولات عربية شعبية للنهوض أو الاستنهاض للتحرر والتوحد والتقدم…
كما يملك من أدوات القهر والغزو العقلي ما يعينه في تشويه وتجريم كل حركة شعبية مستقلة وكل رمز حر شريف وكل طاقة نضالية توحيدية يمكن أن تشكل يوما ما ؛ قوة توحيدية محتملة..
إن عداء النظام العالمي للتحرر العربي والتوحيد العربي لم يعد خافيا على أحد ولا يدعي هو نفسه ، إنكاره ولا يحاول إخفاءه أصلا…فليس – والأمر كذلك – من سبيل التوجس أو الشك فقط ؛ أخذ هذا الخطر المرعب في الحسبان…في حسبان أي عمل شعبي عربي تحرري…
٤ – العولمة الرأسمالية ..
لا يشكل النظام العالمي السائد حاليا ( الأمريكي – الصهيوني ) فقط خطرا على الوجود العربي ؛ بأطماعه فيه وعدائه المباشر له ؛ وإنما وعلاوة على ذلك يشكل خطرا إضافيا بحكم طبيعته وتكوينه الذاتي كنظام للسياسة والاقتصاد والحياة…
ولعل ما وصلت إليه العولمة الرأسمالية التي تجتاح العالم ومجتمعاته الإنسانية ، من مستويات غير مسبوقة في السلبية والسطحية والنفعية المادية والذاتية الفردية الأنانية ومن تفاهة الوعي وبشاعة الاهتمام واستلاب العقل وتزييف الوعي وإطلاق الغرائز ؛ يكفي لبيان خطر هذه العولمة على الإنسان المعاصر وجديته واهتماماته وبالتالي مستقبل علاقته بما ومن حوله وبمحيط انتمائه الوطني أو القومي أو حتى الإنساني…وما الإنسان العربي ببعيد عن مثل تلك المؤثرات السلبية ، مما يزيد من تفاقم مشكلات الابتعاد بالخوف والقهر وزيف التفكير وهشاشة الوعي لدى الشباب والأجيال الطالعة تحديدا… فيضاف كل هذا إلى المعوقات العامة ليصبح معوقا عربيا ذاتيا لدى من يعنيهم أمر أية حركة شعبية عربية واحدة..
٥ – غياب أية مرجعيات عربية قومية تنشد استجماع القوة العربية وتبث وعيا وثقافة قومية وتدافع عن الوجود القومي وترعى مؤسسات للبحث في المصير العربي ومستلزماته وترد كثيرا من أدوات الغزو الثقافي ومقولاته …فبعد غياب جمال عبدالناصر وتحول نظام مصر إلى الردة المعادية للأمة ومصيرها ؛ وبعد سقوط الحكم الوطني في العراق ؛ تيتمت مؤسسات الثقافة العروبية القومية إلى أن جفت أصولها وتبخرت سواقيها فبقي الشباب العربي تحت تأثير ذائعات الثقافة الإقليمية والنفعية والفردية وكل ما يعاكس مقومات الوعي العربي …
فاستمرت تفافة قومية قليلة الأثر تبثها بعض القوى الشعبية أو المراكز الثقافية والبحثية كما بعض الكتاب والمثقفين والناشطين الأحرار…بإمكانيات محدودة في مواجهة طوفان الغزو الثقافي والتسويق الإعلامي..
٦ – الإعلام..
العولمة الرأسمالية جعلت من الإعلام أهم مصادر المعرفة والمعلومات فأصبح أهم مشكلي اتجاهات الرأي واهتمامات الناس ووعيهم بما فيه من مغالطات ومخادعة وتوجيه قسري وتعليب وتسطيح…
ولما كان الإعلام الحديث مملوكا لقوى رأسمالية كبرى تشكل جزء من النظام العالمي الفاسد ذاته ؛ فقد بات إحدى أدوات السيطرة الرأسمالية على العقول وتوجهاتها ، بل أهم تلك الأدوات وأخطرها..
ولما كان الإعلام صناعة رأسمالية تتطلب مالا كثيرا لا يتوفر لأية حركة شعبية مستقلة ؛ فقد بقي وتكرس سببا من أسباب إعاقة أي تقدم شعبي عربي نضالي نحو أهداف عربية مشتركة .. ومنها بالتأكيد كل توجه نحو تأسيس حركة عربية واحدة…أما الإعلام الإيجابي فغير متوفر وليس في المتناول ..
٧ – قيود الواقع العربي..
تعيش المجتمعات العربية وسط ظروف مأساوية غاية في الصعوبة والتعقيد لجهة الإمكانيات الموضوعية المتوفرة لتأسيس حركة شعبية عربية واحدة – واعدة..
فبالإضافة إلى عوائق الإقليمية الحاكمة وعدائها لأية حركة شعبية حرة ، بات يشهد نوعا من تجذر التجزئة الإقليمية وصعود عصبيات محلية ” وطنية ” تبدو منطقية في كثير من جوانبها. ليس هذا فقط بفعل تأثير السلطات الإقليمية ومن صناعتها؛ إنما بتأثير انقطاع التفاعل الميداني والتبادل الجدلي العميق بين الأجزاء ومن عليها.. ولهذا الانقطاع أسبابه العديدة أولها الحواجز الرسمية وثانيها استغراق كل جزء بمشكلات محلية نوعية مصيرية وتفصيلية كثيرة وثالثها إشغال المواطن بتفاصيل الحياة اليومية والهم المعيشي ولقمة العيش حتى صار عاجزا عن إيجاد الوقت للتفكير فيما هو أبعد من ذلك الهم.. فبات – غالبا – غير مستعد للتضحية بمتطلباته الحياتية لأجل تحركات لم تظهر له مجدية جدية مخلصة فاعلة..
هذا الاستغراق بالهم الحياتي مترافقا بتصعيد المشاعر الوطنية المحلية؛ قلل من فرص التفاعل النضالي بين أبناء الأجزاء. والأخطر نجاح القوى المعادية جميعا في إظهار الوطني بديلا عن القومي لا بل نقيضه.. وإذا أضفنا ما ذكر سابقا عن غياب مؤسسات صناعة الوعي العربي المشترك وبيان وحدة المصير العربي ومتطلباتها المتنوعة؛ أدركنا إلى أي مدى وصل التلاعب بالعقل الجمعي العربي مع ما يضيفه هذا من معوقات أمام الطليعة الواعية المؤمنة الملتزمة ومساعيها لتأسيس حركة عربية واحدة.. ولعل من الضرورة ملاحظة أن قوى التسلط والسلطان المحلية والإقليمية نجحت بخبثها وبراعتها وخبراتها المتراكمة في التحكم والتلاعب والهيمنة والفتنة؛ نجحت في تفجير صراعات بين الأجزاء أو تناقضات عملانية مصلحية بينها مما وضع أبناء الأجزاء في مواجهة إخوانهم وأهلهم في أجزاء أخرى.. وبعد ذلك فجرت صراعات وتناقضات كثيرة بين أبناء الوطن الواحد والجزء الإقليمي ذاته.. مما عزز من تراجع الوعي بوحدة المصير العربي..
الأخطر من ذلك أنها نجحت في كثير من المواقع والأحيان في تحميل مسؤولية كل المآسي والأزمات والمشكلات التي تعيشها بلاد العرب للعروبة ذاتها فانطلقت دون توقف حملات تشويه العروبة وشتمها دون تمييز بين عربي مخلص لأمته وآخر يخونها ويبيعها للنفوذ الأجنبي بأثمان بخسة جدا..
كل هذا زاد في معوقات العمل الشعبي العربي المشترك.
فأصبح غياب الوعي بالانتماء والهوية سمة غالبة بارزة واضحة لدى الكثيرين مما زاد تلك المعوقات فعالية..
٨ – المسألة الدينية :
المجتمع العربي مؤمن متدين على وجه العموم لأسباب تاريخية كثيرة أهمها تلك العلاقة الخاصة للعربي بالأديان السماوية التي ظهرت جميعها في بلاده. إضافة إلى علاقة التكامل
والتكوين التفاعلي بين العروبة والإسلام…الأمر الذي جعل المشاعر الدينية ذات تأثير بين واضح في سلوك العربي وخياراته واعتباراته…
المشكلة حاليا تكمن في التحزب السياسي الذي يعطي لذاته الطابع الديني. فالأحزاب السياسية ” الدينية ” راهنا تشترك في جملة مفاهيم مغلوطة تشوه وعي الإنسان العربي المؤمن ومعرفته بذاته القومية وهويته التاريخية.. : فهي تشترك في ثلاث قواسم أساسية تؤسس لها انتماء مغايرا بل مناقضا للهوية العربية والولاء للأمة والأرض.
– الأول : المذهبية التقسيمية فتغيب عنها صفة التوحيد الديني ثم الاجتماعي…
– الثاني : التبعية لجهات أجنبية غير عربية بحجج دينية تجعل ولاءها لغير الأمة والشعب والوطن..
– الثالث : معاداة العروبة بحجة مخالفتها للدين باعتبارها عصبية مرفوضة ..
لذا تشترك تلك الأحزاب ” الدينية ” سنية وشيعية في عدائها لكل ما هو قومي وعربي مشترك. فتقاوم كل ما يمت إلى العمل العربي الشعبي المشترك..
الخطورة تكمن في أنها تمارس تسلطا على عقول كثيرة وتغلف شعوبيتها ببرقع ديني مضلل. وهو ما يضع أتباعها ومؤيديها في تناقض ” مصيري ” مع أية محاولات لبناء حركة عربية واحدة ..
أما المؤسسة الدينية التقليدية فلا تحتاج لكلام خاص عنها لأنها ظل للسلطة الإقليمية ، تبع لها ، تضرب بسيفها فتعادي موضوعيا كل حركة شعبية عربية. لا بل تعادي أية محاولة للتنوير الديني أو الاستنهاض الوطني والقومي كما هو حال أسيادها وموظفيها..
غاية القول إن الحركات السياسية الدينية تعاكس نشوء الوعي بالمصير العربي الواحد بل تعاديه وتعمل ضده..
٩ – واقع الشباب:
الشباب العربي هو المعني أكثر من أية فئة أخرى بعمل الحركة العربية الواحدة حين نشوئها وهو الوعاء الفاعل في حركتها النضالية اليومية. فإذا لم تكن حركة جماهيرية متصلة بالواقع الشعبي متفاعلة معه موجهة لتحركاته وتضحياته؛ فلن تكون فاعلة مؤثرة. وحتى تكون كذلك ينبغي أن يشكل الشباب هيكلها الحركي المتفاعل. أن يكون صلتها بالواقع وتعبيرها عنه وتجسيدها لتطلعاته وآماله…
فما هو حال الشباب العربي اليوم ؟؟
لعل أكثر من يعاني حاليا من مرارة الواقع العربي هم الشباب… فعلاوة على الهم الحياتي وصناعة المستقبل ومتطلبات العلم والعمل والتأسيس؛ يعاني من معرفة مشوشة بهويته وتاريخه حتى بمعرفة واقعه ومن المسؤول عن المرارة والفشل فيه. وبالتالي تنقصه معرفة العمل اللازم لحل مشكلاته…إن وعي المشكلة هو مقدمة المعرفة السليمة لحلها الصحيح..
لذا نجدنا مرة أخرى أمام مأزق صناعة الوعي …فكل ما يحاصر الشباب محاولا تشكيل معرفته بذاته ثم وعيه بما حوله : يشوه له وعيه القومي والوطني ويلفه بأشكال كثيرة الثراء والإغراء لتزويده بمعرفة زائفة تصنع له وعيا مضللا يأخذه إلى مرابع السلبية واليأس والإحباط والاستهتار والتفكير الذاتي المصلحي الآني..
وإذا أضفنا تأثيرات العولمة الرأسمالية الحديثة وما تسببه من سلوكيات مستهترة ووعي مسطح شكلي متهافت واهتمامات نفعية مادية وتصعيد للغرائز ؛ نجد أن الشباب العربي يعاني أضعاف ما يعانيه الآخرون فيما المطلوب منه أن يكون الأكثر إيجابية وتضحية وانخراطا في العمل الشعبي العربي القومي وتحمل مسؤولياته وتبعاته .. فما الحل والعمل؟؟ وهل يعني هذا أن مسؤولية تأسيس تلك الحركة العربية الشعبية تقع على عاتق الشباب؟؟ وإلا فمن يقيمها أولا ؟؟
وبالتأكيد فإن هذا كلام عام لا يشمل كل الشباب العربي حيث قطاعات مهمة منه تتحصل على وعي ذاتي ومعرفة بالهوية بجهود عائلية أو معرفية قريبة. ولعل تضحيات كثيرة يقدم الشباب العربي في معارك وطنية كثيرة ضد أنظمة التبعية والقهر والفساد ؛ تبين إحساسا عميقا بالمشكلات ومعرفة بمتطلبات مواجهتها ولو بحدودها الوطنية المحلية..
١٠ – الإمكانيات :
لأسباب كثيرة بات العمل السياسي في كل مستوياته ؛ محتاجا لإمكانيات مالية كبيرة لا تملكها إلا الدول أو المؤسسات الرأسمالية…وجميعها ليست في صف الحركات الشعبية ولا تؤيد مطالبها التحررية…وفي حين أن التنظيمات السياسية التي تلهفت وراء امتلاك المال لعملها من أي مصدر متاح فصارت مرتهنة لمن يمدها بالمال ففقدت استقلاليتها ومصداقيتها وخرجت من ميدان الفعل الجماهيري الحر ؛ فإن التنظيمات والقوى والشخصيات التي حافظت على استقلالية فكرها وحرية مواقفها ؛ بقيت محدودة الإمكانيات المالية مما يفقدها قدرة كبيرة على الفعل والحركة والتأثير…
تضاعف هذا المأزق بغياب أية قاعدة للعمل القومي أو ترعى الحركات الشعبية المتحررة.. إن تأسيس حركة عربية شعبية حرة يتطلب متفرغين وناشطين وإمكانيات مالية كبيرة …فما الحل والعمل ؟؟
تلك إذن معوقات ليست سهلة أو بسيطة.. وعلى الرغم منها؛ بل وبسبب من تلك المعوقات الواقعية؛ تزداد الحاجة إلى حركة عربية شعبية واحدة لتصبح ملحة أكثر من أي وقت مضى…فالوجود العربي بات مستهدفا من أساسه.. فهل هي ممكنة بعد كل هذا الحديث عن معوقاتها؟؟ بكل تأكيد.. فما العمل إذن؟؟ ومن المعني بها ومسؤول عن تأسيسها ؟؟