ألكسي ياهونتوف
ترجمة: محمد أمين الشامي
ينطلق الباحث من سؤال بات يطرحه كل من يتابع المشهد الاقتصادي التركي على مدى العامين الماضيين، استغراباً أو غمزاً من جهة المواقف السياسية المناوئة أو حتّى تعاطفاً، وتحديداً منذ العام 2018 حين بدأت العملة التركية رحلة الانهيار السريع لتسجل أرقاماً قياسية وتاريخية أمام الدولار الأميركي. والسؤال هو: هل ستفلس تركيا في العقد القادم؟
وقد بدأ الباحث ردّه بكلمة واحدة: لا. ليبدأ، من ثمَّ، باستعراض حججه لدعم هذا الرد الذي نشره بتاريخ 4/1/2021 على موقع Qoura.
بداية، البلدان لا تتعرض للإفلاس من عملتها إلا إذا أشهر ذلك 21 مصرفاً كما شهدت سنة 2001 المصرفية في تركيا، وهو الأمر الّذي دفع بتركيا إلى تأسيس الأرضية المصرفية الصلبة التي نراها اليوم. فمنذ ذلك الحين لم تواجه المصارف التركية أزمة، حتى ولا في عزِّ الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالعالم سنة 2008. بل على العكس، هي تسجل أرباحاً منذ 18 عاماً بلا أفق لنهاية أوراقها النقدية.
ثانياً، تعتبر الدَّولة التركية أقل الدول مديونية في العالم. وبذلك المعدل لن تعاني من أي عواقب نتيجة لذلك الدَّين في السنوات القادمة تحت أي ضغط، إلا إذا تم الوقوع في خطأ جسيم.
ثالثاً، القطاع الخاص مديون من وجهة نظر إحصائية، لكنَّ ما يجهله الكثيرون هو أنَّهم يقعون ضحية التباس فيقارنون تركيا ببلدانهم أو بأنظمتهم الاقتصادية ويركزون على ما تعرضه الإحصاءات من أرقام. إذ، وتبعاً لهذه الإحصاءات، كان لا بد لتركيا أن تشهر إفلاسها منذ العام 2010 وفقاً لآراء كل أولئك المحللين الّذين ما فتئوا يكررون على مسامعنا كل سنة عبارة “إن تركيا تعاني من مشاكل مديونية جدية وهي عاجزة عن التسديد هذه السنة”، وهذا ما يتكرر منذ العام 2010 وحتى 2020 بلا انقطاع.
فهل أفلست تركيا؟ لا.
هل واجهت أي معوقات في تسديد قروضها؟ لا.
كل تلك الجعجعة من قبيل “يا للهول، يتوجب عليهم تسديد 200 مليار دولار هذه السنة فقط، فكيف سيتدبرون الأمر والمصرف المركزي لا يمتلك هذا القدر من النقد …”، قد تدبروا أمرها.
هل سمع أحد بإفلاس أي من الشركات الألف الكبرى في تركيا في الأعوام المنصرمة، وهي التي تحمل ما نسبته 70% من القروض، وحتى أثناء أزمة كورونا؟ لا.
فلماذا، والحال هذه، لا يستقيل كل أولئك الاقتصاديون وينشروا اعتذاراً لما تنبؤوا به بينما ما يزال هناك من يطلب مشورتهم في شؤن الاستثمار؟ أفلا يتشابه هؤلاء القوم في وقوعهم في الخطأ نفسه وهم الذين فشلوا معاً في التنبؤ بأكبر أزمة مصرفية في العام 2008 مع أنَّها كانت جلية لا لبس فيها، بل وقاموا بتصنيف تلك البلدان التي أفلست عند A+++؟
فكيف ولماذا تستمر الدولة التركية في الدفع ولم تفلس؟
لأن 80% من قروض هذه الشركات التركية الخاصة غير حقيقية، لا وجود لها، وهذا التوجه السائد منذ أن تم تحرير الاقتصاد التركي عام 1980، وهذا أمر واقع، وهو لن يعجب دوائر جني الضرائب في الدولة التركية. فهي تقوم بنقل أرباحها الضخمة خارج البلد بسبب ممارسات حمقاء أو من نسج الخيال وتودعها في مصارف أو مؤسسات أجنبية أو شركات وهمية وتعيد إدخالها إلى البلد على شكل قروض فتسقط عنها الضريبة داخل البلد. هذه هي كل القصة. للشركات التركية الخاصة، أقلها كبرياتها في قائمة الشركات الأكبر، أصول لا حصر لها داخل وخارج تركيا وليست بحاجة إلى مصرف ولا إلى المصرف المركزي لإدارة ماليتها. وأنا أدرك من منظور واحد أنَّها جميعها قد استوعبت عبر السنين درس الانعكاسات المريرة للتضخم الاقتصادي منذ أوائل سبعينات القرن الماضي ولن تكرر الخطأ ذاته ثانية.
ختاماً، ما عايشته العملة التركية في السنوات الثلاث الأخيرة ناتج عن إصرار القيادة لمدة طويلة على منح القروض بفائدة منخفضة لمساعدة الاقتصاد على النمو في المستقبل بناء على معدلات زائفة. لكن، يبدو أنهم قد أدركوا أخيراً خطأهم منذ شهور قليلة مضت وأسندوا إلى اقتصاديَّيْن تقليديين منصبي وزارة المالية والبنك المركزي. وعليه، فقد تبطئ عجلة الاقتصاد في السنتين القادمتين لإعادة هيكلته واتخاذ السبيل المتعارف عليه دون اجتراح أوهام تفيد بأن “معدل التضخم العالي يعزى إلى سعر الفائدة المرتفع وحسب”. لا. فتسيير الاقتصاد بناء على معدلات فائدة منخفضة وغير منطقية هو ما أوصل الاقتصاد إلى ذلك المستوى وجعل العملة في مهب ريح عواصف المضاربات العالمية تتلاعب بها كما تشاء. فإن قبلوا بالدواء المر سيمكن لتركيا، كما يشهد التاريخ دائماً، أن تحقق نسب نمو مرتفعة مجدداً بدءاً من العام 2023.