انتهى الاجتماع الدولي، بصيغة آستانا، المتعلق بسورية، الذي انعقد يومي 16_ 17 شباط/ فبراير الجاري، في مدينة سوتشي الروسية، بين الدول الثلاث التي يطلق عليها صفة (الضامنين)، وهي الجولة الخامسة عشر من مسار مواز، ابتدعته روسيا وإيران منذ عام 2017، في محاولة للالتفاف على أسس الحل السياسي للأزمة السورية حسب تفاهمات المجتمع الدولي، وخاصة وثيقة جنيف1 والقرار 2254 اللذان يرسمان خريطة طريق للحل، مؤسسة على تشكيل (هيئة حكم انتقالي) تقود الى نظام ديمقراطي تعددي تبادلي.
كان سقف تمثيل الدول الثلاث في الجولة متدنيا، إذ انخفض الحضور الى مستوى نواب وزراء خارجية الضامنين الثلاثة، ولم يحمل البيان الختامي أي جديد يذكر، سوى التأكيد على ضرورة استمرار مهزلة (اللجنة الدستورية) التي أعلن المبعوث الأممي غير بيدرسون حالة موتها السريري، إضافة لتثبيت الوضع الأمني القائم في محافظة إدلب، وعدم التصعيد العسكري والأمني مع التشديد على محاربة الإرهاب والتطرف وجماعاته.
القمة الأخيرة حضرتها دول لبنان والأردن والعراق لأنها بحثت عودة المهجرين السوريين الى وطنهم وديارهم، وهو مسعى ما انفك النظام وحلفاؤه يسعون اليه، لإعطاء انطباعات غير حقيقية عن الوضع الأمني والاقتصادي والسياسي في سورية، وأبعد من ذلك محاولة كسب شرعية نظام القتل والاجرام الذي يتحضر لخوض الانتخابات الرئاسية بعد عدة شهور، وهو مالم يتطرق له أطراف القمة “الثلاثة”.
خمس عشرة جولة من مسار سوتشي وآستانا لم تأت الا بالكوارث على الشعب السوري كما هو معلوم للجميع، إذ تلت كل جولة منها، أو سبقتها، خصوصًا التي كانت على مستوى الرؤساء مقايضات ومحاصصات بناءً على تفاهماتهم التي زادت من رصيد نظام دمشق، وخصمت من رصيد ونفوذ المعارضة، بأشكالها المختلفة، العسكرية والسياسية والشعبية، إضافة لزيادة هيمنة من يسمون الضامنين وتقاسمهم النفوذ على حساب الشعب السوري ووحدة أراضيه وسلامتها، التي يزعمون الحرص عليها في بياناتهم، في كل مرة، وهم في الحقيقة، ينتهكونها في كل دقيقة ولحظة.
الجولة الأخيرة اكتسبت أهمية خاصة، رغم أنها لم تتم على مستوى قادتها، بالنظر الى انسداد أفق العملية السياسية برمتها، ووصول إدارة أميركية جديدة، تمت دعوتها، فكررت رفضها للمشاركة كالسابق، خصوصا أن توجهات الادارة الجديدة لم تتضح بشكل دقيق حيال القضية السورية، وفي ظل مسعى شعبي قوي ومتزايد، ضد كل أشكال المعارضة السورية، ومتمسك بالثورة وأهدافها، خصوصا أن ذلك يتوافق مع محاولات تأبيد سلطة المجرم الدولي بشار الأسد على سورية، من خلال السماح له بإجراء دورة انتخابية جديدة، مدتها سبع سنوات، مع انقضاء عشر سنوات على ثورة الشعب السوري العظيمة، ذات المطالب المحقة والمشروعة، التي واجهت رغم ذلك التنكر والخذلان ممن ادعوا تمثيلها أولا.
ليست المشكلة في مسار آستانة وأطرافه الثلاثة، فقط، بل المصيبة الفاجعة بالذين نصبوا أنفسهم ممثلين للشعب السوري في تطلعاته، ويصدقون مزاعم الدول الثلاث بإمكانية الوصول الى (الحل) من خلال هذه العملية العقيمة مع إيران وروسيا المسؤولتين عن المقتلة السورية بالكامل من البداية للنهاية، وهذا ما يجعل هؤلاء الممثلين في الحقيقة شهود زور ورهط من المتسلقين القصّر، إن لم نقل ما هو أكثر وأبعد من ذلك، شركاء في الدم السوري المستباح يمارسون الخديعة والكذب ويكملون دور الدول والمنظمات الأخرى، التي اغتصبت ارادة وتمثيل السوريين، والتي يتضح يوما بعد آخر أنها نسخة مشوهة عن نظام الأسد في سلوكه وخطابه.
لقد كان مسارا آستانا وسوتشي منذ بداياتهما لقاء للخصوم والمتنافسين، وتحولا اليوم الى شركاء في النفوذ والسيطرة على أرض السوريين ومصالحهم ومصائرهم،
يتزامن هذا وذاك مع عودة الحراك الشعبي في كل مكان يستطيع فيه شعبنا الحركة والتظاهر والتعبير عن موقفه بحرية، حيث هتف آلاف المتظاهرين أمس في الجمعة الثانية من (حملة لا شرعية للأسد وانتخاباته) والتي ذكرت العالم بأكبر جرائمه، وهي مذابح الكيماوي، وهي حملة
تتبنى عمليا أنه لا شرعية للمتدخلين والمحتلين أيضا، وتعني أنه لا شرعية لهذين المسارين، مهما حاول اللاعبون الثلاثة التستر بالغطاء الدولي، ومهما استطاع إيجاد من يؤيدهم بين السوريين ومن يمشي في ركابه تحت الضغط، ولعل المواقف التي صدرت مع انتهاء الجولة الأخيرة عن القوى والشخصيات الوطنية دليل واضح على رفض واسع في اوساط شعبنا، للمسارين وعبثيتهما.
لا لآستانا وسوتشي…لا للتفريط بحقوق الشعب السوري ولا للالتفاف عليها.
المصدر: موقع ملتقى العروبيين