عبد الرحيم خليفة
رسمت أحدث تقارير “منظمة الغذاء العالمي” التابعة للأمم المتحدة، والصادرة في 13/ 02/ 2021 صورة قاتمة عن الأمن الغذائي في سورية، وحذرت من أن “الوضع آخذ في التدهور” وقالت إن (9,3 ملايين يعانون من انعدام الأمن الغذائي)، وذكرت أن الأرقام تتصاعد باستمرار، إذ أن إجمالي الذين تدهور أمنهم الغذائي في الشهور الستة الماضية فقط يبلغ (1،4مليونا) وهو يمثل زيادة قياسية، وأشار تقرير المنظمة الى أن (11,1مليون سوري يحتاجون الى المساعدة الانسانية).
يذكر أن المبعوث الدولي إلى سورية غير بيدرسون قال في إحاطته أمام مجلس الأمن يوم 16_ 12_ 2020 (إن وضع ملايين السوريين ما يزال محفوفًا بالمخاطر، بل هو كارثي بالنسبة إلى البعض).
هذا التقرير المفجع بأرقامه وحقائقه ليس الأول، بالطبع، وهو وإن كان الأحدث لكنه يأتي في سلسلة تقارير طويلة وعديدة عن الوضع الغذائي والاقتصادي الذي يعاني منه ملايين السوريين جراء سياسات نظام القتل والإجرام، والفساد، التي وضعت سورية في ذيل قائمة الدول الأكثر فسادًا في العالم، وهي سياسات لم تبدأ مؤخرًا، بل بدأت مع استيلاء نظام الأسد/ الأب على السلطة قبل أكثر من ستة عقود من الآن.
خطورة التقرير الصادر حديثًا ليس في أرقامه، وغياب تحميل المسؤولية للمتسبب في هذه الحالة الكارثية، بل في توقيته الذي يتزامن مع حملة دولية يقف وراءها نظام الأسد يتصدرها رجال دين وسياسة وفكر وثقافة لتخفيف العقوبات المفروضة على نظامه بموجب قانون قيصر، (سيزر)، مع وصول إدارة أميركية جديدة، لم تتضح سياساتها تجاه المسألة السورية تمامًا.
في السياق ذاته لا يمكن فصل النتيجة التي توصل إليها تقرير منظمة الغذاء العالمي عن سياساتها، هي نفسها المتعلقة بتأمين وإيصال وتوزيع المعونات الانسانية الدولية عبر النظام والمؤسسات “الانسانية” التابعة له، والتي “فشل” مجلس الأمن الدولي في إيجاد وسائل أفضل، أو اتباع طرق أخرى، لا تمر عبره أو من خلاله، والتي يعلم الجميع أنها لا تصل لمستحقيها، ويذهب معظمها لأجهزة النظام وعصاباته وأتباعه، إضافة لفضائح تتعلق بكون معظم موظفي المنظمة الدولية في دمشق هم من أتباع النظام ويرتبطون بعلاقات وثيقة معه، كما أشارت تقارير عديدة موثقة لذلك.
هنا لابد من التذكير أن مؤتمر المانحين الدوليين بإشراف ورعاية الأمم المتحدة، الذي انعقد في بروكسل نهاية حزيران/ يونيو الماضي 2020، قد زاد مخصصاته للغذاء مما نسبته 6,1 إلى 18بالمائة من إجمالي المخصصات التي تجاوزت 5 مليار دولار أميركي نسبة الداخل السوري منها 34 بالمائة.
الأمم المتحدة تعرف الأمن الغذائي بأنه (مدى توفر الغذاء المتنوع والمتوازن ذي القيمة الغذائية الكافية خلال كل الأوقات)، بحيث لا يخشى معه الفرد من الجوع، أو من نقص حاجاته الأساسية منه.
ولاشك أن هذا التعريف يعدّ خياليًا في واقع السوريين اليوم، كما أنه لم يكن قبل الثورة مثاليًا، وهذا بالطبع عائد ليس لضعف موارد سورية كدولة، فهي غنية جدًا بمواردها الأولية ورأس مالها البشري، بقدر ما هو نتاج سياسات الفساد وسرقة المال العام والسطو على موارد الدولة، وتسخيرها لأزلام النظام وحاشيته، إضافة لما راكمته الأعوام الأخيرة في الحرب المفتوحة على الشعب السوري التي تسببت بوقف عجلة الإنتاج، وتدني سعر صرف الليرة السورية إلى مستويات غير مسبوقة، وسخرت كل إمكانات وما بقي من موارد الدولة لآلة الحرب الجهنمية المسلطة على رؤوس المدنيين العزل في المناطق التي ثارت على نظام الأسد الابن.
التقرير يتزامن مع قرب انتهاء عشر سنوات من الثورة التي كان من مطالبها المحقة والمشروعة تحسين المستوى المعاشي للمواطنين، وزيادة دخل الفرد، والتوزيع العادل للثروة، وتوفير أفضل فرص التنمية والاستثمار، لكن المجرم الدولي قد حول شعبها إلى فقراء ومحتاجين، وبعضهم متسولين، يبحثون عن قوتهم بين النفايات، ويبحثون عن دفئهم من خلال إشعال المواد البلاستيكية، دون التفكير بضرر ذلك على صحتهم وسلامتهم.
التقرير الخطير يجب أن يدفع الأمم المتحدة، وكافة المؤسسات المعنية، في معالجة جذور المشكلة، واستئصال أسبابها، فذلك أقصر الطرق، وأكثرها نجاعة، وما هو هنا سوى تخليص السوريين والعالم من كافة شرور أكثر نظم التاريخ همجية ووحشية واستهتاراً بقيم البشر وحقوقهم، وفي مقدمها الحق في الحصول على غذاء صحي وسليم.
لم تكن قضية الأمن الغذائي في السنوات الماضية مطروحة بهذه الدرجة الخطيرة، أمام المخاطر المتعددة التي تحاصرهم ويواجهونها، وتعرض حياة البشر أنفسهم جراء الاعتقال التعسفي والتهجير القسري والموت المعمم، وبقي الحديث والتحذير مقتصراً على الفقر والبطالة وانعدام فرص العمل، إلا أن الأوضاع المتفاقمة بعد عشر سنوات أصبح من الخطورة لدرجة استدعت قرع ناقوس الخطر، فهل بقي في هذا العالم من يسمع أو يجيب، أو لا يعرف أن أصل الداء والدواء هو إسقاط هذا النظام الارهابي، بدلًا من كل هذه الجهود والأموال والمعاناة؟
إن الأمم المتحدة، وكل العالم يعلمون أن الشعب السوري لا يقبل التسول، ولا يحتاج الصدقة والاحسان من أحد، ولكنه يريد من العالم التدخل بحزم لوقف إجرام النظام فقط، ليعود السوريون للعمل والانتاج بأمان. أليس الخط المستقيم هو أقصر الطرق بين نقطتين.؟!
المصدر: اشراق