في ظل الظرف الإنساني الصعب الذي تمر به سوريا، تتزايد العقبات التي تحول دون الوصول إلى المحتاجين للمساعدات الإنسانية الأساسية. وتتعدد العوائق أمام وصول هذه المساعدات بدءاً من أعمال العنف التي تمنع عمال الإغاثة من الدخول بأمان إلى منطقة ما، وصولاً إلى العقبات البيروقراطية التي تفرضها السلطات المحلية فتؤخر وصولها إلى المناطق المحرومة من الخدمات الأساسية نتيجة تدمير منشآت هذه الخدمات خلال الصراع.
لذلك يجب على المجتمع الدولي التحرك بشكل حاسم لعلاج التباين بين ضعف القدرة على توصيل المساعدات من ناحية وتزايد الاحتياجات الإنسانية للسوريين من ناحية أخرى.
وفي تقرير نشره موقع مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأميركي، أشارت بسمة علوش، وهي مستشار سياسي للمجلس النرويجي لللاجئين في واشنطن، وعلا ماشفج المساعد الإعلامي للمجلس النرويجي للاجئين في دمشق، إلى الفتاة فرح البالغة من العمر 16 عاماً وتعيش في مخيم لاجئين في شمال شرقي سوريا؛ حيث حرمت من التعليم لأن أقرب مدرسة من مكان وجودها على بعد 15 كيلومتراً. كما أنها لا تملك بطاقة هوية رسمية وهي البطاقة المطلوبة لكي تخرج من المخيم. ولكي تحصل على بطاقة هوية يجب أن تعود إلى محل ميلادها في مدينة حمص وهي الرحلة التي تعرض حياتها للخطر لأنها ستمر عبر نقاط تفتيش عسكرية وخطوط قتال بين المتحاربين في سوريا.
والحقيقة أن حوالي 8.6 مليون سوري يحتاجون إلى الخدمة التعليمية منهم 5.2 مليون طفل خارج المدارس، لأن الكثير من المدارس دمرت أثناء الصراع، وغالباً ما تكون المدارس المتوفرة بعيدة عن مخيمات إيواء النازحين، وهو ما يعرض الأطفال للخطر أثناء الذهاب إلى المدارس. علاوة على ذلك فإن ملايين النازحين السوريين فقدوا وثائقهم الثبوتية المدنية خلال النزوح أو تمت مصادرتها من جانب السلطات المحلية. ثم إن أغلب الأطفال المولودين خلال سنوات النزوح العشر ليس لديهم بطاقات هوية ولا شهادات ميلاد تثبت وجودهم. وبدون أوراق الهوية يواجه السوريون قيوداً على حرية حركتهم ويحرمون من الخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية.
وترى بسمة علوش وعلا ماشفج في تقريرهما أن تعديل الخدمات الأساسية لكي يسهل الوصول إليها مثل إقامة منشآت تعليمية طارئة، ومكاتب تسجيل متحركة يمكن أن يخفف حدة احتياجات ملايين النازحين السوريين، لكن هذا الأمر يحتاج إلى موارد مالية إضافية وإرادة سياسية من جانب السلطة المعنية لمنح المشردين والنازحين أولوية في الحصول على الخدمات الأساسية.
ويعاني ملايين النازحين في شمال شرقي سوريا بشكل خاص من العنف المستمر وأحوال الطقس السيئ وصعوبة الحصول على السلع الأساسية. ويعتبر غياب الأمن عائقاً أساسياً أمام وصول المساعدات إلى المحتاجين في سوريا. وفي هذه المناطق تجد العائلات النازحة نفسها عالقة داخل دائرة الخطر دون أي قدرة على السعي للخروج منها بشكل مستدام. وبناء منشآت بنية تحتية دائمة في شمال شرقي سوريا لا يمثل أولوية حالياً بسبب احتمالات تعرضها للتدمير مجدداً في ظل عدم الوصول إلى حلول نهائية للصراع. في الوقت نفسه، فإنه بدون بنية تحتية دائمة سيظل السوريون يعتمدون الحياة في مخيمات الإيواء التي لا تقدم أي حماية من الطقس السيئ.
والأسوأ من ذلك بحسب تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أن أكثر من 80 ألف سوري ينامون في الهواء الطلق أو تحت الشجر دون أي مأوى. وتتوقع المنظمة الدولية للهجرة وفاة الآلاف منهم إذا لم يتم توفير أماكن آمنة لكي يناموا فيها.
ومنذ خمس سنوات فر أبو عمر وأفراد أسرته الـ12 من ريف حماة إلى محافظة إدلب، حيث أقاموا في خيمتين بأحد مخيمات الإيواء. ومع عدم وجود أي وقود فإن الخيمتين تتحولان إلى ثلاجة في فصل الشتاء. وعندما تهطل الأمطار بغزارة تغرق الخيمتان لتفقد الأسرة المكان الوحيد الذي يمكن أن تلتمس فيه بعض الدفء. وفي ظل غياب الوظائف والأوضاع الاقتصادية بالغة التردي، لا تستطيع الأسرة كسب أي دخل يساعدها في شراء احتياجاتها من الطعام. وكمية الطعام التي تقدمها إدارة المخيم بسيطة ولا تكفي لسد الجوع. ويواجه أبو عمر خطراً إضافياً لأنه مصاب بالسكري ولا يستطيع الحصول على الإنسولين اللازم لعلاجه.
ولكي يتم توصيل الخدمات الأساسية لكل السوريين وبخاصة في المناطق التي يصعب الوصول إليها يجب توقف الأعمال العدائية وفتح كل نقاط المرور. كما يحتاج الأمر إلى تجديد العمل بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2533 الذي يسمح بعبور المساعدات للحدود السورية للوصول إلى شمال شرقي سوريا، بالإضافة إلى تعزيز كل وسائل الوصول إلى مختلف المناطق في سوريا سواء عبر الحدود أو عبر خطوط المواجهة.
وأخيراً، فإنه مع عرقلة حركة المساعدات الإنسانية، تشتد معاناة السوريين الذين يتزايد اعتمادهم على هذه المساعدات. وفي العام العاشر للأزمة، لا يزال السوريون في حاجة إلى المساعدات، لأن حجم وطبيعة وحِدة احتياجاتهم تتنامى؛ لذلك يجب أن تكون الاحتياجات الأساسية لملايين السوريين هي الموجه والمحرك الأساسي لكل الأطراف المعنية بالأزمة للقيام بتحرك يحترم المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان من أجل ضمان وصول المساعدات الإنسانية للجميع دون عوائق وتوفير فضاء آمن لحركة هذه المساعدات.
المصدر: الشرق الأوسط