بدر مُلا رشيد
عاد ممثلو الإدارة الخارجية في شمال شرقي سوريا للنشاط فيما يخص الحوارات الكُردية بين المجلس الوطني الكُردي وأحزاب التحالف الوطني الكُردي بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي، حيث قام وفد الخارجية الأميركية بعقد اجتماعاتٍ منفصلة مع ممثلي الطرفين، في محاولة لإعادة الحياة للمفاوضات المتوقفة على إثر الانتخابات الأميركية التي أدت لحدوث تغيرات هامة في مناصب ممثلي الخارجية الأميركية سواء المنخرطون في الملف السوري عموماً والكُردي خصوصا، وفيما يخص الأخير فتشير التعيينات الأميركية إلى عودة شخصياتٍ كانت في تماسٍ مباشر مع الأطراف الكُردية خلال عدة سنوات منذ عهد الرئيس الأميركي أوباما وخلال النصف الأول من رئاسة ” دونالد ترامب”.
ومع حدوث هذه التعيينات الجديدة وعودة نشاط فريق الخارجية الأميركية، فهناك احتمالية لتحقق التوقعات فيما يخص توازن أميركي أكبر في إدارة الملفات السورية، على خلاف فترة الرئيس الأميركي السابق ” ترامب”. وهو ما أكد عليه الرئيس الأميركي ” جو بايدن ” ليس فيما يخص الملف السوري فقط، بل في ملفات تتعلق بالسياسة الأميركية اتجاه روسيا والصين، حينما أعلن عودة أميركا لمواجهة توسع هذه الأطراف.
يتزامن عودة نشاط وفد الوزارة الخارجية الأميركية في شمال شرقي سوريا، مع رفع واشنطن لسوية مساعداتها اللوجستية، ومعداتها العسكرية إلى شمال سوريا، كما أن الولايات المتحدة استفادت من وجودها في سوريا لتقوم بالرد على قصف الميليشيات الإيرانية لمطار أربيل الدولي، مع استمرار منع روسيا من الوصول لآبار النفط في محافظتي الحسكة ودير الزور وهي إشارات حول تمسك واشنطن بالأهداف التي أعلنتها خلال العام الماضي، من بقاء قواتها لمواجهة التمدد الإيراني، والضغط على النظام السوري. بالإضافة إلى الهدف الأول لدخول التحالف الدولي إلى الأراضي السورية وهي مواجهة “تنظيم الدولة” الذي عاد مؤخراً ليقوم بعشرات عمليات الاستهداف المنظمة سواء ضد قوات النظام في البادية السورية أو ضمن شخصيات تعمل مع قوات سوريا الديمقراطية ومجلسها المدني.
يرتبط مصير الحوار الكُردي – الكُردي، بمدى تعهد الولايات المتحدة بالبقاء في المنطقة بناءً على دوافع هامة منها سقوط بغداد تحت سيطرة شبه كاملة للميلشيات التابعة لإيران، والتي تقوم باستهداف الوجود الأميركي باستمرار، وهو الأمر الذي يبقي منطقتين آمنتين سواء لقوات الولايات المتحدة الأميركية أو حلفائها الغربيين ومصالحهم، وتتمثلان في إقليم كُردستان العراق ومناطق شرقي الفرات. كما يرتبط مصيره من جهة أخرى في طبيعة رغبات الأطراف المنخرطة في الحوار نفسه، ففي حين يحاول المجلس الوطني الكُردي الوصول لصيغة تشاركية حقيقية وبناء إدارة يحكمها أبناء المنطقة أنفسهم، بحيث يكون بإمكان الإدارة المستقبلية القيام بتفاعلٍ حقيقي مع الشارع السوري الراغب في تحقيق وإحداث تغييراتٍ حقيقية، بينما تستمر محاولات حزب الاتحاد الديمقراطي في الوصول لاتفاقٍ لا يغير من الوقائع على الأرض، وهو ما يظهر من تصريحات مسؤولين في الإدارة عبر الاستمرار بتخوين المجلس الوطني الكُردي في شخصيته الاعتبارية وشخصية الأحزاب المنضوية ضمنه، وحتى قيادات الأحزاب أنفسهم، هذين العاملين سيشكلان الركيزة الأساسية في المرحلة المقبلة، فالولايات المتحدة ستلتزم بتقديم ضماناتٍ حقيقية لتركيا حلفيتها التاريخية فيما يخص الإدارة المستقبلية، كما أن الأطراف المنخرطة في التفاوض هي في أوج حاجتها للوصول إلى توافقٍ ينهي المخاوف المجتمعية واللاءات الإقليمية.
وتمتلك الأطراف التي تم ذكرها فرصة للوصول إلى توافق، في ظل عودة الدبلوماسية الأميركية، وفشل محاولات روسيا في تقريب وجهات النظر بين الإدارة الذاتية والنظام السوري إلى مستوى الوصول لاتفاقٍ سياسي وعسكري شامل يستحوذ به النظام على موارد المنطقة المادية والعسكرية المتمثلة بالكتلة البشرية الضخمة لدى “قسد”. في ظل حاجة محورية من طرف الإدارة الذاتية للتفاهم مع النظام في محاولة للاحتفاظ بما يكمن من المكتسبات السياسية والعسكرية التي حققتها خلال السنوات الماضية.
يظهر من عودة وفد الخارجية الأميركية الموجود في شمال شرقي سوريا لخطوات تفعيل المفاوضات الكُردية، استمرار الرغبة الأميركية في إنجاح هذا المسار، في ظل فشلٍ غير معلن في مسار “اللجنة الدستورية”، وما قد يفرضه هذا الواقع من ضرورة تفعيل مساراتٍ أو خطط أخرى لدفع النظام وروسيا للتعامل بجدية مع مشروع التغيير السياسي في سوريا، وهنا تبرز أهمية نجاح العملية التفاوضية شرقي الفرات، إذ ستمتلك الولايات المتحدة وأجسام المعارضة فرصة أقوى في إبقاء وزيادة الضغط على النظام، وتشكيل جبهة سياسية بتمثيل شعبي أوسع لمواجهة عراقيل روسيا، والأسد وإيران المستمرة في سبيل الوصول لحلٍ سياسي للملف السوري، وللوصول إلى هذه النقطة الهامة المتمحورة حول تقوية صفوف المعارضة السورية، بناءً على نجاح العملية التفاوضية شرقي الفرات، تبرز أهمية شروط المجلس الوطني الكُردي لتحقيق هذا الاتفاق، والمتمثلة بإعادة صياغة العقد الاجتماعي، وضرورة مغادرة عناصر حزب العمال الكُردستاني، وهو شرط وصول المجلس الوطني الكُردي وقيادة قوات سوريا الديمقراطية لنقطة بداية للعمل عليها، وهي إقرار “مظلوم عبدي” بوجود عناصر الحزب في شمال شرقي سوريا، وعملهم على تيسير مغادرتها للمنطقة.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا