أمين العاصي
مع اقتراب الذكرى العاشرة لانطلاق الثورة السورية، لا تلوح في الأفق القريب بوادر انفراج سياسي يؤسس لحل دائم في البلاد التي تحوّلت إلى مناطق نفوذ إقليمي ودولي، في ظل أزمة اقتصادية خانقة تضرب مناطق سيطرة النظام بسبب عقوبات دولية مشددة. وفي ظل تعطيل النظام أي محاولة لدفع الحل السياسي، خصوصاً مع عرقلته عمل اللجنة الدستورية، بالتوازي مع إصراره على إجراء انتخابات رئاسية في مايو/أيار المقبل، برز إطلاق مسار سياسي جديد للقضية السورية ترعاه قطر وروسيا وتركيا بهدف الدفع نحو حل سياسي.
وشهدت العاصمة القطرية الدوحة اجتماعاً هو الأول من نوعه على مستوى وزراء خارجية الدول الثلاث، القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، والتركي مولود جاووش أوغلو، والروسي سيرغي لافروف، جددوا فيه التزامهم حماية سيادة واستقلال ووحدة الأراضي السورية، معبّرين عن اقتناعهم بأنه لا يوجد أي حل عسكري للنزاع السوري. كذلك جددوا التزامهم دعم الخطوات التي ترعاها الأمم المتحدة لدعم الأطراف السورية في الوصول إلى حل سياسي يتوافق مع قرار مجلس الأمن 2254، وبيان جنيف 2012.
وفي تصريحات لوزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، نشرتها وكالة “الأناضول” أول من أمس الجمعة، أكد أن هذه الآلية الثلاثية ليست بديلاً عن مسار جنيف أو مسار أستانة، الذي تنخرط فيه إيران أيضاً (إلى جانب تركيا وروسيا) أو أي مسارات أو اجتماعات بصيغ أخرى، حول الشأن السوري، بل متممة لها. وأشار إلى أن الاجتماعات على مستوى كبار الموظفين بين الدول الثلاثة (قطر، تركيا، روسيا) ستتواصل لبحث سبل التعاون في سورية، وأن الاجتماع الوزاري الثلاثي المقبل سيعقد في تركيا. ولفت إلى أنه سيتم الإقدام على خطوات في ما يتعلق بإيصال المساعدات الإنسانية والتعليم، وأن الهدف من هذا المسار الثلاثي “هو إحلال السلام والاستقرار في سورية والتوصل إلى حل سياسي في هذا البلد”.
وجاء إطلاق المسار الثلاثي بعد فشل المسار الذي ترعاه الأمم المتحدة بناء على قرارات دولية ذات صلة، إذ عطّل النظام عمل اللجنة الدستورية التي عقدت عدة جولات في مدينة جنيف السويسرية ولكن من دون تحقيق أي تقدم، مع إصرار النظام على إجراء انتخابات رئاسية وفق دستور عام 2012، وهو ما ينظر إليه باعتباره نهاية للعملية السياسية برمتها. كذلك فشل مسار أستانة الثلاثي (تركيا، إيران، روسيا) طيلة 4 سنوات في تحقيق انفراج سياسي في الملف السوري، وردم هوّة الخلاف الواسعة بين رؤى هذه الدول حول الحل النهائي في سورية.
في المقابل، لم ينجح الجانب الروسي في حملته لإعادة تعويم بشار الأسد إقليمياً، بعدما سعى لافروف لذلك خلال الأيام الماضية، في جولته على عدة عواصم خليجية للدفع باتجاه عودة النظام إلى الجامعة العربية في خطوة واسعة باتجاه تأهيله مرة أخرى. وحتى اليوم لا يزال هناك رفض من دول عربية فاعلة لعودة نظام الأسد إلى الجامعة العربية التي جمدت عضويته أواخر عام 2011، في ظل تعنته ورفضه تسهيل مهمة المبعوث الدولي إلى سورية غير بيدرسن في إطلاق مفاوضات جادة في جنيف، لتنفيذ القرارات الدولية خصوصاً لجهة الانتقال السياسي المنصوص عنه في بيان جنيف 1 (عام 2012) وكتابة دستور جديد تجري على أساسه انتخابات في البلاد.
وتشير معطيات سياسية إلى أن العام الحالي قد يشهد جملة تطورات على المشهد السوري، في ظل حراك معارض لبلورة مقاربات جديدة من شأنها نقل القضية السورية من الجمود الذي يكبلها. وكان لافتاً الاجتماع الذي عقده جاووش أوغلو في الدوحة، يوم الخميس الماضي، مع الرئيس السابق لهيئة التفاوض العليا التابعة للمعارضة رياض حجاب، في مؤشر واضح على أن الجانب التركي بدأ استمزاج رأي المعارضة حول ما يطرح من حلول. وخرج حجاب عقب اللقاء بتصريحات صحافية أشار فيها إلى أنه “لا يمكن تعويم النظام السوري لا دولياً ولا إقليمياً، وبشار الأسد لن يكون رجل المرحلة المقبلة”.
في السياق، قال عضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني السوري المعارض عبد المجيد بركات، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن الائتلاف “يثمّن أي جهد إقليمي أو دولي يهدف إلى تخفيف معاناة السوريين على المستوى الإنساني، ويدفع باتجاه عملية سياسية أكثر جدية”. وأكد بركات أن المعارضة “لا تثق بأي تحرك روسي في هذا الإطار”، مضيفاً: “أي تحرك من موسكو يهدف دائماً إلى تعويم نظام بشار الأسد وشرعنته، وفتح قنوات سياسية له في سبيل إعادته إلى الحاضن العربي والإقليمي”. لكنه شدّد على “التعويل والثقة بالجانبين التركي والقطري، فهما يصران على خطوات جدية في العملية السياسية ضمن المسار الأممي والقرار 2254”. وأشار إلى أن المسار الثلاثي “ربما له جوانب إنسانية”، مضيفاً أنه “إذا كانت روسيا جادة في الفعل يمكن أن يكون لهذا المسار نتائج إيجابية في الجانبين الإنساني والسياسي”.
ومع عدم اتضاح مقاربة إدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن للقضية السورية، لفت الباحث السياسي رضوان زيادة، في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أن وزارة الخارجية الأميركية أعلنت أول من أمس الجمعة، أنها بصدد مراجعة سياستها في سورية، من أجل بناء سياسة جديدة. وأشار إلى أن المسار الثلاثي الذي أعلن عنه في الدوحة يوم الخميس الماضي “لم تتضح تفاصيله بعد”، مضيفاً أن قراءة البيان الصحافي توضح أن هذا المسار سيركز على الأزمة الإنسانية وهذا مرحب به. ولفت إلى أن الأزمة الإنسانية في مناطق الشمال السوري “عميقة”، وهناك حاجة للتركيز عليها بشكل أكبر.
المصدر: العربي الجديد