أحمد مظهر سعدو
يوم انطلقنا في أول مظاهرة شعبية كبرى من الجامع الكبير في دوما، وتمكنا من تحطيم الهالة الأمنية للنظام القمعي السوري، كانت الدموع تفر من المقلة رغمًا عنا، فقد استطعنا كسر الحاجز النفسي، وخرجنا من ثقافة الخوف التي طالما حاول نظام الإجرام الأسدي تثبيتها في مخيال السوريين، عبر ما يزيد عن أربعين عامًا من العسف وكم الأفواه وإلغاء السياسة من المجتمع السوري، وخطف الوطن رهينة في أيدي الجلاد، ليتمكن من لعب دوره الوظيفي المشبوه في الإقليم، والمنطقة العربية.
اليوم وبعد عشر سنوات خلت من ثورة وطنية سورية شعبية، شارك فيها جل المجتمع السوري، وقدم التضحيات إثر التضحيات، وتحمل سياسة القتل الممنهج الذي مورس بحقه وما يزال، من قبل نظام استمرأ قصف شعبه بالكيماوي والكلور السام والبراميل والصواريخ البالستية، بقي هذا الشعب السوري العظيم يواجه آلة القتل الأسدي الروسي الإيراني بصدره، غير آبه بكل وسائل الدمار والقتل الممارس ضده، وسط خذلان وتخلي من عالم يدعي أنه متحضرًا، وأن القانون الدولي الإنساني ديدنه، وتطبيق قوانين المحكمة الجنائية الدولية ما برح ملاذًا لابد منه لجر المجرمين إليه. لكن الواقع وخلال عشر سنوات من الألم، تشير إلى أن دعم الشعوب المقهورة، ليس من سياسات الغرب وأدواته، وأن الإدارات الأميركية المتتابعة جميعها، لا يهمها وقف المقتلة الأسدية الطاغوتية بقدر ما يهمها الحفاظ على مصالحها، ومنها الهيمنة على النفط شمال شرق سورية، والأهم حماية أمن إسرائيل، هذا الكيان المصطنع المحتل أرض فلسطين ومرتفعات الجولان، بعد أن ضمن (هذا الغرب) أن خير من يحفظ حدود الكيان الصهيوني كان نظام الأسد الأب ومن ثم الابن. فكان ما كان من ترك هذا المجرم يعبث بالواقع السوري، ليتجاوز عديد من قتله من السوريين خلال عشرة أعوام المليون ونيف، ودمار يزيد عن 65 بالمئة من البنية التحتية السورية، وتهجير أكثر من نصف الشعب السوري.
وبالرغم من أن مراكز بحثية وإعلامية غربية سبق وأن فضحت ما يفعله النظام الأسدي ووضعت العالم الغربي (المتحضر) أمام مسؤولياته عندما كتبت صحيفة “تايمز” البريطانية في تقرير لها عام 2017 “تظهر البيانات أن العالم كان في غفلة بينما كان عدد القتلى في الحرب السورية يرتفع باطراد إلى مئات الآلاف. والصورة الرمزية لجثة الطفل السوري ووجهه لأسفل على الشاطئ أيقظت العالم لفترة وجيزة وجلبت اهتماماً كبيراً بالحرب ومحنة الكثير من ضحاياها. لكن هذا التفاعل العاطفي لم يدم طويلاً”. ثم قالت “آلاف الصور المؤلمة التي كانت أقرب إلى الإحصاءات يمكن أن تجعلنا بسرعة في حالة من التخدير”. هذا الواقع المؤلم استمر عبر تدخلات من غير دولة غربية أو شرقية، فعلت فعلها من خلال احتلال روسي وإيراني، حيث بات الجوع مع نظام الأسد يهدد 60 في المئة من السوريين وخاصة القاطنين في المخيمات شمال غربي سورية بحسب الأمم المتحدة، كما ناشدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” المجتمع الدولي بتمويل قدره 1.4 مليار لتأمين الاحتياجات الإنسانية للأطفال السوريين.
واقع مر لا شك في ذلك، ومعارضة سورية متشظية ومفتتة، وعسكريتاريا متغوِّلة على ما بقي من سورية خارج سيطرة النظام، وواقع سياسي متلاطم الأمواج، وما يجري من محاولات في الدوحة لإعادة إنتاج منصات جديدة، لا يبدو أنها جدية في الخروج من عنق الزجاجة، خاصة وأنها تأتي عبر الوسيط والمحتل الروسي، ويتبين أن ذلك له علاقة بحالة الانسداد السياسي الإقليمي والدولي في الملف السوري، حيث يريد الروس الخروج منها في غياب حقيقي من قبل الأميركان والاكتفاء بالتصريحات التي لا تثمن ولا تغني عن جوع.
ورغم حالة (الستاتيك) في المسألة السورية التي يحاولون تحريكها، ورغم الموت الذي يلاحق السوريين إلا أنهم اليوم وفي الذكرى العاشرة لثورتهم ما يزالون أكثر تصميمًا على إنجاز مهام الثورة السورية، مهما علاها من صدأ ومهما فشلت معارضتها المتنطعة للعمل السياسي في بؤسها ولا فاعليتها، عسكريًا وسياسيًا.
ومازال البوعزيزي السوري أكثر تصميما على المضي في ثورته حتى نهاياتها المأمولة بكنس الطغاة وإزاحة الاستبداد، لتكون سورية الوطن والمواطنة تحت سقف القانون وفي إطار دستور وطني ينتج من العقل الجمعي السوري بلا تغولات من أي جهة كانت، يحافظ على كل الأثنيات والطوائف، دون تمييز، ويبني الوطن عبر إعادة إحياء الوطنية السورية من جديد، والهوية الوطنية السورية المنتمية إلى واقعها أولاً، والمرتبطة بالضرورة بأمتها العربية، وفق محددات حضارة عربية إسلامية، مازالت ماثلة أمام الواقع السوري وليس خلفه.
المصدر: موقع (الحرية أولاً)