أمين العاصي
يزداد التململ والاستياء في المناطق التي يسيطر عليها نظام بشار الأسد في سورية بسبب تردي الحالة المعيشية وانسداد الآفاق أمام أي حلّ سياسي، في ظل العقوبات الدولية المفروضة على النظام. ويُترجم ذلك في طوابير طويلة للمواطنين أمام الأفران ومراكز توزيع الغاز ومحطات الوقود، مع انقطاع الكهرباء، واستمرار انهيار قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأميركي. هذه الأوضاع تطرح تساؤلات عمّا إذا كانت ستدفع النظام ورئيسه لتسهيل مهام الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لإيجاد حلّ لإنقاذ البلاد من التشظي والانهيار، لكن مختلف الترجيحات تشير إلى عدم اكتراث النظام بالسوريين ومعاناتهم.
“لم تعد هناك مقومات حياة في مناطق سيطرة النظام”، وفق ما أكده كاتب مقيم في العاصمة دمشق، التي تشهد أزمة معيشية خانقة بعد تراجع قيمة العملة المحلية أمام الدولار، وما يتبع ذلك من ارتفاع يُوصف بـ”الجنوني” بأسعار المواد الأساسية. وأضاف الكاتب، الذي طلب عدم ذكر اسمه، في حديث لـ”العربي الجديد”: “هناك انقطاع شبه دائم للتيار الكهربائي في بعض أحياء العاصمة وفي الريف، فضلاً عن ارتفاع أسعار الغذاء والدواء، وتعطل الحياة العامة بسبب ندرة المحروقات التي زاد النظام أسعارها منذ أيام”. ولفت إلى أن “الحال تعد أفضل قليلاً في العاصمة، لكن المحافظات السورية الأخرى تشهد أوضاعاً كارثية في مختلف نواحي الحياة”.
ويسيطر النظام السوري إدارياً على الأقل على محافظات: دمشق، ريف دمشق، السويداء، اللاذقية، طرطوس، حماة، حمص، وحلب، والقنيطرة، وأجزاء من محافظة درعا، ودير الزور والرقة. ومنذ خروج منطقة شرقي نهر الفرات التي تضمّ كامل محافظة الحسكة وأجزاء واسعة من محافظتي الرقة ودير الزور، عن سيطرته، تعمّقت أكثر أزمات النظام، إذ تعد هذه المنطقة الأغنى بالثروات الزراعية والبترولية والحيوانية.
ومع دخول الثورة السورية عامها الحادي عشر، لامس الدولار الأميركي الواحد سقف الـ4700 ليرة سورية، في ظلّ مؤشرات على أن تدهور قيمة العملة الوطنية لن يتوقف عند هذا الحد، مع استمرار العقوبات الأميركية المفروضة على النظام بموجب قانون “قيصر”، الذي فُعّل في منتصف العام الماضي رداً على الجرائم التي يرتكبها هذا النظام بحقّ السوريين.
ومنذ سريان مفعول قانون “قيصر”، بدأت الأزمات تتوالى على النظام الذي لا يزال حتى اللحظة يعطل الحلّ السياسي، بل إنه يصر على إجراء انتخابات رئاسية بموجب دستور العام 2012 في منتصف العام الحالي، في تحدٍ واضح للمجتمع الدولي الذي فشلت جهوده في دفع النظام إلى طاولة مفاوضات جدية لكتابة دستور جديد تجري على أساسه الانتخابات.
وأكدت مصادر محلية في دمشق لـ”العربي الجديد”، أن هناك تململاً واستياء شعبياً كبيرين بسبب تردي الحالة المعيشية وانسداد الآفاق أمام أي حلّ سياسي، مشيرة في الوقت ذاته إلى أنه “من الصعوبة بمكان خروج تظاهرات غاضبة، كي لا يتعرض من بقي تحت سيطرة النظام لبطش من الأجهزة الأمنية، من شأنه أن يعمّق المأساة أكثر”. وأضافت المصادر: “لم تعد خافية الطوابير الطويلة أمام الأفران ومراكز توزيع الغاز، ومحطات الوقود. هناك من ينتظر في الشوارع لساعات، كي يتسنى له الصعود في حافلة عامة للوصول إلى منزله في ضواحي دمشق”. وبيّنت المصادر أن الراتب الشهري للعاملين في الدولة لا يكاد يصل اليوم إلى 20 دولاراً أميركياً. وتتصدر سورية البلدان الأكثر فقراً في العالم، وفق معطيات مراكز ومنظمات متخصصة، منها برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، والذي كان قد أكد في سبتمبر/ أيلول الماضي، أن تسعة ملايين و300 ألف شخص في سورية يفتقرون إلى الغذاء الكافي.
ويأمل سوريون في الشارعين الموالي والمعارض بأن تدفع الضغوط الاقتصادية وتردي الحالة المعيشية النظام ورئيسه بشار الأسد إلى تسهيل مهام الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لإيجاد حل سياسي ناجز، يمكن أن يكون مقدمة لإنقاذ البلاد من التشظي، لكن متابعين وباحثين سياسيين لا يرجحون ذلك. وفي هذا الإطار، استبعد الباحث السياسي رضوان زيادة انصياع النظام للقرارات الدولية ذات الصلة، خصوصاً بيان جنيف 1 والقرار 2254 اللذين حدّدا خريطة طريق للحلّ في سورية. وقال زيادة في حديث لـ”العربي الجديد”، إنه “في الواقع، لقد خبرنا النظام وبشار الأسد بشكل كبير خلال السنوات العشر الماضية، فهو لا يكترث لمعاناة الناس أو آلامهم. الحل بالنسبة له التجاهل، ورمي الاتهامات بالفشل على الآخرين ونظرية المؤامرة، وهو ما سيعقد مأساة الشعب السوري، من دون أن تكون هناك أي استجابة”. وأشار الباحث إلى أن النظام “دأب طيلة عشر سنوات على ترديد مقولة إن سورية مرّت بظروف أصعب وتجاوزناها، وبالنسبة له فهذه أزمة أخرى ستمر، وسيبقى هو في الحكم”. ولهذه الأسباب، اعتبر زيادة أنه “يجب ألا نتوقع أي تغيير في سياسة النظام تجاه الحلّ في سورية مهما اشتدت الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها”.
ودفعت الحالة الاقتصادية الصعبة التي تضغط على عموم السوريين القاطنين تحت سيطرة النظام أهالي محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية في جنوب البلاد، للنزول مجدداً إلى الشارع استمراراً لحملة “بدنا نعيش”، التي ظهرت أوائل العام الماضي. وأكدت مصادر محلية لـ”العربي الجديد”، أنه “كان من المقرر تنظيم تظاهرات في مدينة السويداء، أمس الخميس، احتجاجاً على الحالة المعيشية، لكنها أُجّلت لأسباب تنظيمية”. ورجّحت المصادر حدوث حراك شعبي خلال الأيام القليلة المقبلة، شبيه بذاك الذي حدث في العام الماضي واستطاع النظام محاصرته، مؤكدة أن “الاستياء يعمّ المؤيدين والمعارضين للنظام في محافظة السويداء”. ورأت أن “تردي الأحوال لم يعد يُحتمل، ولا بد من الاحتجاج لإيصال رسالة واضحة للنظام”.
وتمتلك محافظة السويداء هامشاً أكبر للتحرك الشعبي بسبب حرص النظام على إبقائها في حالة من الحياد تجاه ما يجري في سورية، لذا لا تعمد أجهزة أمنه للفتك بالمتظاهرين. ومنذ بداية الثورة السورية في ربيع العام 2011، يحاول النظام تصدير صورة للمجتمع الدولي باعتباره الحامي للأقليات المذهبية والدينية والعرقية في سورية. وكانت تظاهرات قد عمّت مدينة السويداء في يناير/ كانون الثاني 2020، استمرت أياماً عدة، بسبب انهيار الليرة السورية وانتشار الفساد في دوائر النظام الحكومية، مستحضرة بعض شعارات الثورة.
بدوره، استبعد المعارض السوري عيسى إبراهيم، في حديث لـ”العربي الجديد”، خروج احتجاجات في الشارع السوري الموالي للنظام. وبحسب قوله، فإن “الجوع دائماً يُمارس كأحد أنماط الإدارة لمزيد من السيطرة، ولا يمكنه مطلقاً أن يؤدي إلى ثورة، خصوصاً في المجتمعات التي هي فقيرة في الأصل”. ورأى إبراهيم أن “لا ضغوط على النظام، بل هي عقوبات قائمة على مظلومية مُحقة للسوريين والسوريات، ولكنها تستخدم لمصلحة الدول على حسابهم”. وأشار إلى أن نظام الأسد “يستخدم هذه العقوبات لمصلحته، ويبرر من خلالها كل فساده العابر وتقاعسه عن معالجة الوضع وتبرير سرقات المال العام، بل يستخدمها لزيادة ثرواته الخاصة”. ولفت المعارض السوري إلى أن التحضيرات لتنظيم انتخابات رئاسية خلال مدة 90 يوماً جارية، مضيفاً أن “الأسد سيترشح مع آخرين سيقومون بالتضحية بسمعتهم مقابل مزايا مالية وغيرها، حتى يُظهر فوزه بشكل ديمقراطي، فيما الدول ليست معنية بحقوق الإنسان، بل تستخدمها في تحقيق مصالحها”.
المصدر: العربي الجديد