بات ملف العلاقات التركية-الإيرانية على رأس اهتمامات المعارضة السورية، بعد تطورات أخيرة دفعت للاعتقاد بدخول هذه العلاقات مرحلة جديدة عنوانها “الابتعاد التركي عن إيران” بناء على متغيرات إقليمية عديدة.
ورغم عدم الكشف عن تفاصيل الزيارة التي أجراها وزير خارجية إيران جواد ظريف إلى أنقرة الجمعة، واللقاء الذي عقده مع نظيره التركي مولود جاووش أوغلو، إلا أن التوقعات تشير إلى أن الملفين السوري واليمني كانا أبرز ما تركزت عليه المباحثات.
زيارة ظريف إلى تركيا جاءت بعد يوم واحد من قصف صاروخي استهدف مدينة كيليس الحدودية مع سوريا الخميس، وقالت أنقرة إن مصدر القصف كان قوات النظام، بينما توعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بردٍ قوي.
سبق ذلك هجوم حاد شنّته صحيفة “كيهان” الإيرانية التي تمثل التيار المحافظ، على تركيا، بسبب معلومات عن اقتراب أنقرة من عقد صفقة مع السعودية، لتزويدها بطائرات مسيرة من طراز “بيرقدار” التي استخدمها الجيش التركي في سوريا وأثبتت فعالية كبيرة مطلع العام 2020، حيث هددت الصحيفة الإيرانية في مقال لها، بأن تركيا ستدفع ثمن ذلك هجمات تطاول أراضيها.
وعلى الرغم من إعلان طهران دعم لقاء الدوحة الثلاثي حول سوريا الذي ضمّ روسيا وتركيا بالإضافة إلى قطر وعُقد الاسبوع الماضي، إلا أن طيفاً واسعاً من المعارضة السورية رأى في استثناء إيران من هذا الاجتماع أول مؤشرات السعي إلى تقليص دورها في سوريا، بل وربما يعني بدء تغيّر في التحالفات واستراتيجيات العمل في المنطقة، لصالح تقارب تركي-سعودي-مصري بدأت تتزايد المؤشرات عليه بشكل متسارع.
ويرى المعارض السوري بسام حجي مصطفى أن التحول التركي في الموقف تجاه إيران بات أمراً محسوماً، والعلاقات الاستراتيجية التي كانت تربط الطرفين رغم خلافاتهما في عدد من الملفات لن تبقى كذلك بعد اليوم، لأن أنقرة فهمت بوضوح على ما يبدو أن الجميع حسم أمره بحجم دور إيران ونفوذها في المنطقة، إضافة إلى ازدياد حجم التناقض بالمصالح التركية-الايرانية في منطقة عادت تركيا لتعتبرها مساحة لنفوذها أيضاً، بعد عقود من الإهمال الاضطراري لها، وخاصة في سوريا والعراق ولبنان والخليج.
ويضيف ل”المدن”، أنه “على الرغم من تصريحات واشنطن الأخيرة التي تظهر مرونة تجاه إيران، إلا أن استراتيجية الإدارة الأميركية الجديدة تقوم بوضوح على مواجهة التحديات التي فرضها خصومها الدوليون خلال السنوات ال8 الماضية في مناطق مختلفة من العالم”.
ويقول: “إذا كان الرئيس الأميركي جو بايدن قد عبّر بوضوح عن ذلك تجاه روسيا بالدرجة الأولى والصين كذلك، إلا أن الموقف من التمدد الإيراني في الشرق الأوسط سيكون من أولويات واشنطن، بعد أن استُنفذ هذا التمدد الذي غضّت الولايات المتحدة الطرف عنها طيلة العقدين الماضيين، بل وربما سهّلته، حيث أسهم في إضعاف بعض الدول ودفع بعضها الأخر للتطبيع مع إسرائيل تحت هاجس الخوف من إيران، ولعل تركيا أكثر من يستطيع التقاط هذه المؤشرات، وبالتالي فإنها لن تستمر في الرهان على حصان إيران الذي سيكون خاسراً في المرحلة القادمة”.
وكانت معلومات قد تم تداولها عن إطلاق بعض فصائل الجيش الوطني السوري المعارض المتحالفة مع تركيا في ريف حلب، حملة لتجنيد عناصر للقتال إلى جانب قوات التحالف العربي في اليمن، وهو ما أكدته مصادر متطابقة في شمال سوريا.
المصادر التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، أخبرت “المدن”، أن أحد الفصائل التركمانية بدأ باستقطاب مقاتلين سوريين للتعاقد معهم من أجل التوجه إلى اليمن، وأن العرض الذي قدّمته شركة أمنية تركية خاصة، يتضمن العمل كحرس للحدود والمنشآت الحيوية مقابل راتب شهري كبير، يبلغ أضعاف الذي حصل عليه المقاتلون الذي أُرسلوا سابقاً إلى ليبيا وأذربيجان، لكن هذه المصادر أكدت أنه حتى الآن لم يتم تجميع العناصر الذين أبدوا موافقتهم على العرض، حيث جرت العادة أن يتم إخضاع المقاتلين الذين يوقعون عقوداً للقتال في الخارج إلى معسكرات تدريبية قصيرة قبل السفر.
ويرى البعض أنه حتى في حال أوقفت الحكومة التركية هذه العملية، إلا أن الرسائل السياسية من ورائها تبدو شديدة الوضوح، ولذلك فإن المباحثات التي أجراها ظريف في أنقرة الجمعة، كانت على درجة كبيرة من الأهمية بالنظر إلى مجمل التطورات التي سبقتها أو تزامنت معها.
لكن المحلل السياسي غسان ياسين يستبعد أن تتخلى تركيا عن علاقاتها الاستراتيجية مع إيران، ويقول في تصريح ل”المدن”، إنه “لا يعتقد بأن تحولاً كبيراً يمكن أن يطرأ على العلاقات التركية-الإيرانية، فهي علاقات قديمة واستراتيجية، وحتى مع اشتداد العقوبات الاقتصادية على طهران، ظلت تركيا المنفذ الوحيد بالنسبة لها”.
ويضيف “صحيح أن الطرفين يتصارعان في عديد من الملفات، وبينها الملف السوري، وأيضاً قد نشهد أنخراطاً تركياً في الملف اليمني إلى جانب السعودية قريباً، لكن هذا لا يرقى إلى توقع القطيعة أو المواجهة بين تركيا وإيران، وحتى مع الحديث عن حلف جديد يجري الترتيب له في المنطقة لمواجهة إيران، ويضم بعض دول الخليج ومصر بالإضافة إلى اسرائيل”، مستبعداً أن تنخرط أنقرة فيه، وأكثر ما يمكن أن يحصل هو دخول أنقرة إلى الملف اليمني بجانب الرياض، لكن من دون أن يعني ذلك الاصطفاف الكامل ضد إيران أو التخلي عن العلاقات الاستراتيجية معها.
بين الأمل والرغبة في حدوث تحولات كبيرة تصبّ في صالحها، تحاول المعارضة السورية فهم التطورات في العلاقات بين الدول والمحاور، وانعكاساتها على الملف السوري، وفي مقدمة ذلك العلاقات التركية-الإيرانية التي تبدو معقدة بالفعل، لاسيما وأن سوريا ستظل ميدان تنافس بالنسبة لكلا الطرفين.
المصدر: المدن