سمير صالحة
قال المعارض المصري أيمن نور، رئيس مجلس إدارة قناة “الشرق” التي تبث من إسطنبول إن مسؤولين أتراكاً أعلموه “برغبة أنقرة في تخفيف حدة نبرة وسائل الإعلام المصري المعارض الموجودة فوق الأراضي التركية”. الواضح تماما أن هذه القنوات ستحترم الرغبة التركية لأنها خطوة أولى باتجاه حسن النوايا تقدمها تركيا للجانب المصري طالما أنها هي التي عبرت أكثر من مرة عن رغبتها بالمصالحة مع مصر.
بعد ساعات على هذا التحرك المفاجئ وصف وزير الدولة لشؤون الإعلام في مصر أسامة هيكل هذه الخطوة التركية بالبادرة الجيدة التي “يمكن أن تخلق مناخا مشجعا للحوار بين البلدين وحلّ المشاكل العالقة بينهما منذ سنوات”. في اليوم نفسه دخلت “مصادر” على الخط لتقول لوسائل إعلام عربية إن المسألة أكبر من ذلك بكثير وإن “تركيا طلبت من قنوات الإخوان في أراضيها وقف استهداف مصر والخليج” وإن “أنقرة وضعت عددا من قيادات الإخوان قيد الإقامة الجبرية وتم تجميد طلبات التجنيس لعدد من القيادات، مشيرة إلى أن “الاستخبارات التركية طالبت بتقييد تحويلات مالية لقيادات الإخوان، كما تدرس ترحيلهم إلى دولهم الأصلية”.
ما زلنا في بداية الطريق تركيّاً ومصريّاً وسنرى الكثير من عمليات الشد والجذب والمسألة أبعد من نجاح الإعلام المصري المعارض في اختراق جدار الإعلام الرسمي المصري أو تفوقه عليه، فموضوع الإخوان ونشاطاتهم في تركيا سيكون في قلب المشهد والمسألة لن تتوقف عند تحركات المؤسسات الإعلامية المعارضة بل ستصل إلى الأسماء والأشخاص والقيادات وكلا الطرفين يستعد لذلك. النقطة المهمة أيضا هنا هي معرفة كيف يستعد الآلاف من المعارضين المصريين المقيمين في تركيا لهذا المسار بكل ما قد يقدمه من سلبيات وإيجابيات.
فتحت تركيا أبوابها أمام المعارضة المصرية بكل ميولها وتوجهاتها منذ 8 سنوات وهي لن ترضى ولا يمكن أساسا أن تكون المصالحة مع القاهرة على حساب من تستضيفهم من قيادات وكوادر وبما يتعارض مع القوانين والشرائع المعمول بها والمتعارف عليها دوليا. إرضاء القاهرة لا يمكن أن يكون على شكل أكباش فداء وقرابين تقدم للمقصلة. من دون تفاهمات مصرية مصرية حول المسار والمرحلة المقبلة لا يمكن أن يتقدم الحوار التركي المصري لأن المسألة تعتبر بمنزلة امتحان لأنقرة في علاقاتها مع العديد من الرموز والشخصيات المعارضة التي استقبلتها من دول وبلدان أخرى باسم حرية الرأي والملجأ الأمن وحق الممارسة الديمقراطية.
إرضاء القاهرة لا يمكن أن يتم على حساب عشرات الآلاف من المعارضين وأسرهم، والقنوات المصرية العاملة في إسطنبول جزئية في حوار تركي مصري طويل حول الكثير من الملفات الشائكة والمتداخلة. الامتحان في العلن هو بين القاهرة وأنقرة لكن الشركاء والأطراف المحليين والإقليميين كثر. رصد ومتابعة طريقة تعامل الإعلام العربي والغربي مثلا مطلوب في هذه الآونة لأنه سيساعدنا على معرفة من هو مع المصالحة التركية المصرية ومن هو ضدها. من الذي يحاول صب الزيت فوق النار ومن يتجاهل الحدث وإبطاله ومن الذي بدأ يعدل من لغته وأسلوبه ويساعد على دفع الأمور نحو التهدئة.
يقول سامح شكري وزير الخارجية المصري “علاقتنا بتركيا مرهونة باتساق سياستها مع توجهاتها”. قيادات حزب العدالة والتنمية أعلنت أنها بدأت مراجعة الكثير من السياسات والأساليب في التعامل مع قضايا داخلية وخارجية. تركيا هي التي تصر على المصالحة مع مصر لكن تحويل ذلك إلى “استجداء وتركيع أو تعال أو هزيمة” لطرف على حساب طرف آخر لن يخدم كثيرا أسلوب ولغة الحوار وتحقيق المصالح المشتركة الثنائية والإقليمية للبلدين. إشراك بعض اللاعبين الإقليميين في التحرك قد يكون مفيدا أيضا لأن النقاشات ستتطور وتتمدد إلى أكثر من ملف يعني الكثيرين. العقبة ستكون أميركية فرنسية أمام ما يجري لأن التنسيق التركي المصري سيقلب الكثير من المعادلات والتوازنات. الرياض والدوحة هنا في وضعية “الخطابة” اليوم وبيضة القبان ربما في دفع المسار الجديد نحو التهدئة وبناء الأرضية المناسبة لتفاهمات عربية تركية إقليمية أوسع بعدما تمت المصالحة الخليجية الخليجية وتجاوزت تركيا ومصر عقبة الملف الليبي الامتحان الأصعب قبل أشهر.
نجحت القيادات المصرية في دفع أنقرة نحو الإقدام على الخطوة العملية الانفتاحية الأولى. هدنة إعلامية في صفوف القنوات المعارضة. لكن القيادات المصرية لا تقود جمعية خيرية تتعاطف مع الإصرار والعناد التركي فمصالح ومتطلبات المرحلة هي التي ستحرك آلية الحوار وتفعله. خطوة إلى الوراء عند الضرورة وخطوة أخرى إلى الأمام عند اللزوم هذه هي أبسط قواعد اللعبة الدبلوماسية.
يستعد وفد من حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض للقيام بزيارة صداقة للقاهرة. خطوة لن تغضب قيادات الحزب الحاكم في مثل هذه الظروف التي يحتاجها كلا الطرفين. بقدر ما تحتاج تركيا إلى التفاهم والمصالحة مع مصر فإن الجانب المصري يعرف تماما حجم حاجته إلى الانفتاح والحوار مع أنقرة.
تابعنا جميعا قبل أشهر تصريحات كبار المسؤولين في اتحاد الكرة المصري ودعوتهم بعض نجوم الكرة لعدم التوجه إلى تركيا للعب هناك. أغنية “أنا بحبك يا مصطفى” الشهيرة هي التي تبث في صفوف 30 مليون مشجع لفريق “غلاطه سراي” احتفاء بمصطفى محمد وبما يقدمه من أداء وعروض وأهداف يسجلها في أحرج الأوقات.
التطبيع لا بد أن يسبقه مصالحة تخرج من سلة التفاهمات التي ستأتي بعد جلسات الحوار. قالت يا ولدي لا تحزن “فالصبر” عليك هو المكتوب.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا