د- عبد الناصر سكرية
هيهات منا ذكريات محزنات
دمرت بيوتنا طائرات
والبراميل بالحقد أشلاء
وفتات
من تل الزعتر يقتات
برائحة الأموات
وقائع التسليم في الجولان
ومخيم اليرموك والركبان
والخيانات
وقضية عصية منسية
والحكم الذي صار القضية
شعارها ألابد
تحرقنا وتحرق فوقنا البلد
ووالد وما ولد
الفاجر المعتوه حمال الحطب
سيد العهر أفاق المجون
تراكمت أحزان دهر
وفجائع الظلم كالطوفان
تعفنت أروقة السجون
وتكدس النازحون ..
هناك أمي لم تنم.
عويل امطار
ومسرى وحول في الخيم
توشحت أهداب ثلج بالسواد
بآلاف صرخات الألم
وإخوتي صغار كأطفال عراة
أكوام حجارة حصائد الأسرار
تفيض الريح قهرا ثم تبكي
فتسكب الدمع العيون
تملأ ساريات العدم
حياة تلهو على وريقات
تشبه ما في الحياة
وما في الممات.
وأمي لم تنم
لكنها تغفو كؤوس الذمم
فينطفئ النور في الوجنات
وأطفال حفاة ثائرون
والزحف والارض والعجم.
الفرس والروس وكل الأمم.
وأمي لم تزل لما تنم
هناك حيث الوطن
والأرض والشمل وذكريات المحن
تضاءلت فصارت خيم
أمي التي حيث نحن السائرون
ارض المقامات وصيحات الكرم.
منابتي ذكرياتي وأمي لم تنم.
وابي فوق أضلاع الحفاة
قبل يومين مات.
فاض في قلب أمي
نوبة من الحسرات
فأبي أبيُ لا يعرف الضيم
أرضه تبكيه ولا يمطر الغيم
من يحرث الحقل
من يزرع الأمل
من يجني خزازين الأضحيات
من يفرغ من عذاباتي الندم.
فأمي لم تزل مسكونة
مهجورة منزوحة دون الهمم
وأبي لما يزل منذ أن مات
ومات
سليل أحفاد العروبة والقيم.
لكنها امي التي تسقي الألم
وأبي على ابواب الأسى ثارات
ذاك الذي في العز والخيرات
وفي أكوام النعم
يموت اليوم عند أعتاب الشجن
لم يعد يقوى و أفواج التعب
جرفته امواج الغضب
حيث أمي لم تنم
هناك أبي قبل يومين مات..
ثوب أمي تطرز في اليمن.
لونته بلقيس فغدا كالشمم
في مغرب تزنر بالجمال وبالسوار
وفي بغداد غنت له الماجدات
في الشام تكحل بالياسمين
وتوشح العنفوان في الأبيات
في القدس في بيت لحم
في بيسان في غزة والأغوار.
ثوب أمي عربي المدى
عروبي الهوى
لكن أمي لم تزل
جائلة على سفوح الخيم.
عويل أمطار
وثلج توشح بالخضاب
فاسود من هول المصاب.
حيث أمي لم تقل
عار حياتي في الخيم
والمجد والسيف والقلم
عربي المدى والهوى
عروبية كل التحايا والقضايا والنعم..
لكن امي لم تزل
تذاكر أحلام أبي في الخيم.
وأبي هناك مات
عند جفنات المذلة في الخيم..
حيث أمي لم تنم..