يوسف بدر
أصبحت العودة الى الاتفاق النووي وتفعيله من جديد بين إيران والمجموعة الدولية التي وقعت عليه عام 2015 – 5+1 (الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وهي الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، روسيا، والصين بالإضافة إلى ألمانيا)؛ بمثابة المعضلة الكبرى بين إيران والدول الغربية بما فيها الولايات المتحدة؛ ليس لرفض أحد الطرفين العودة إلى الاتفاق، أو للخلاف على من سيخطو الخطوة الأولى أولاً. ولكن، لأن واشنطن والأوروبيين يريدون أن تكون العودة بمثابة خطوة أولى لاتفاق أشمل يسع قضايا البرنامج الصاروخي الإيراني والتهديدات الإقليمية إلى جانب البرنامج النووي الإيراني.
ولذلك، تسعى واشنطن الى انتهاج سياسة ابتدعتها طهران من قبل، وهي “خطوة تقابلها خطوة”؛ فلا رفع للعقوبات قبل أن تُقدم طهران شيئاً يثبت جدية رغبتها في تفعيل الاتفاق النووي والتراجع عن سياسة خفض الالتزام النووي.
أما بالنسبة الى الجمهورية الإسلامية الإيرانية فالأمر مختلف، وينقسم هذا الاختلاف بانقسام دوائر الحكم في إيران؛ فالحكومة المتمثلة بالرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني وفريق إدارته؛ تريد عودة غير مشروطة وتطبيقاً كاملاً للاتفاق النووي بما يضمن دعم الاقتصاد الإيراني ويضخ العملة الأجنبية للخزانة الإيرانية ويعيد الثقة للساسة الإصلاحيين والمعتدلين بعدما فقدوا شعبيتهم في الشارع الإيراني بسبب هذا الفشل الاقتصادي، وبما يدعم موقفهم في الانتخابات الرئاسية المقبلة، بخاصة أن ظهور وباء “كورونا” أضعف الخزانة والاقتصاد الإيراني في عهدهم.
أما بالنسبة الى الساسة المحافظين والقادة العسكريين ومؤسسة المرشد الأعلى – وهم يمثلون الدائرة الأوسع وحكومة الظل الفعلية في إيران – فهم يسعون إلى عودة الى الاتفاق النووي تعزز من النظام الحاكم في إيران من دون أي خسارة لمكاسبه الخارجية التي امتدت من العراق حتى اليمن؛ بل وصلت طموحات هذا الفريق في الوصول إلى مقعد الرئاسة؛ حتى تتم عملية تفاوض الغرب معهم بدلاً من الإصلاحيين.
وهذا الطموح من جانب المتشددين الذين يسيطرون على السلطة العليا في إيران؛ جعل من الصعب مناقشة موضوع إحياء الاتفاق النووي قبل إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة في حزيران (يونيو) 2021.
شعار العام الجديد
كعادته، يضع المرشد الأعلى في إيران، علي خامنئي، شعاراً جديداً على رأس كل عام فارسي جديد (21 آذار/مارس). وفي خطابه هذه المرة، رفع خامنئي شعار “الانتاج، الدعم، إزالة الموانع”، مُركزاً على النقاط التالية:
– التأكيد على الإنتاج المحلي وتطويره وازدهاره؛ وهو بذلك يريد عدم الرهان على مكاسب الاتفاق النووي.
– التأكيد على وجود حكومة قادرة على دعم الإنتاج؛ وهو بذلك يريد حكومة لا تنتظر التفاوض مع الغرب.
– التأكيد على ضرورة التعاون بين الحكومة والبرلمان من أجل إزالة كل الموانع التشريعية والتنفيذية لتطبيق شعار الإنتاج وتقويض مفعول العقوبات. وهذا بلا شك لن يتحقق إلا إذا جاءت حكومة محافظة من المتشددين أو العسكريين، تتشابه مع طبيعة البرلمان الحالي الذي يسيطر عليه المحافظون، الذين لطالما يتربصون لإفشال حكومة روحاني المعتدلة وعرقلتها.
وفي كلمته أيضاً، حذر خامنئي الإدارة الأميركية بقيادة الرئيس جو بايدن، من استمرار سياسة “أقصى ضغط” التي بدأت مع عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، ضد إيران؛ لاجبارها على التفاوض. وبالنسبة الى العودة الى الإتفاق النووي أكد خامنئي:
– العودة إلى الاتفاق النووي لن تتم إلا بعد رفع العقوبات بشكل كامل والتحقق من ذلك.
– إيران لا تستعجل العودة إلى هذا الاتفاق (على عكس رغبة الإصلاحيين في إيران).
– إثبات إيران قدرتها على تحمل الضغوط القصوى من العقوبات في عهد ترامب، واستمرار نفوذها الخارجي من العراق إلى اليمن، واستمرارها لتطوير برنامجيها النووي والصاروخي؛ يضع إيران في موقع قوة، وهو ما يجعلها صاحبة الشروط ورسم صورة الاتفاق الشامل، وليست الولايات المتحدة الأميركية.
والرسالة من خطاب خامنئي؛ أن الحكومة الإيرانية الجديدة يجب أن تعمل على دعم الاقتصاد الإيراني بعيداً من الرهان على الغرب ومسألة رفع العقوبات. وأن عملية التفاوض مستقبلاً مع واشنطن، يجب أن تكون في مصلحة النظام الإيراني وتعزيزه؛ وليس من أجل انكماشه وإضعافه.
الاتفاقية مع الصين
يحمل التوقيع على الاتفاقية الاستراتيجية بين إيران والصين، يوم السبت 27 آذار (مارس) في العاصمة الإيرانية طهران، دلالات عدة؛ بخاصة أن هذه الاتفاقية جاءت عقب إطلاق شعار خامنئي للعام الفارسي الجديد، منها:
– إن الإتفاقية تأتي في إطار دعم شعار العام الفارسي الجديد، الذي أكد على دعم الإنتاج المحلي وتخطي موانع العقوبات.
– إن المرشد الأعلى، يدعم هذه الإتفاقية ويساندها، وهو ما كشفه موقع “جماران” الاخباري. وأن تكليف رئيس البرلمان السابق علي لاريجاني كمبعوث إيراني خاص ومسؤول عن هذه الإتفاقية؛ يدل على الإهتمام الخاص من جانب المرشد الأعلى بإنجاح هذه الإتفاقية.
– الحديث عن هذه الاتفاقية تكرر من قبل؛ ولكن التوقيع عليها جاء بعد وصول الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض؛ اذ انتظرت طهران ما ستفعله الإدارة الجديدة تجاهها، ومن ثم قررت الاتجاه نحو الصين؛ كعقوبة للولايات المتحدة التي لم تسارع للاستجابة للمطالب الإيرانية لرفع العقوبات.
– دعم خامنئي هذه الاتفاقية، يدل على دعمه المحافظين والعسكريين في الانتخابات الرئاسية المقبلة؛ اذ يميل هذا الفريق للتوجه شرقاً ولا يهتم بالتواصل مع الغربيين. إلى جانب أنه سيكون من السهل تمرير هذه الاتفاقية والتصديق عليها في ظل وجود حكومة وبرلمان يسيطر عليهما المحافظون.
– في حالة فوز المحافظين أو العسكريين بالرئاسة في إيران؛ فإن السياسة الخارجية لإيران ستهتم بمحور “أوراسيا” الذي تمثل كل من الصين وروسيا جزءاً رئيساً فيه؛ وهو محور عصبه التعاون الاقتصادي في إطار التكامل، وهو ما كشف عنه رئيس البرلمان الإيراني المحافظ ذي الخلفية العسكرية، محمد باقر قاليباف الذي قال في تغريدة له: “إن توقيع الوثيقة الاستراتيجية مع الصين عنصر مهم لإنتاج القدرة في إطار النظرة إلى آسيا وأوراسيا وفق نهج السياسة الخارجية المتوازنة والمتمحورة حول الاقتصاد”.
– إن الاهتمام بالمحور الأوراسي يستلزم توقيع إتفاقية أخرى مماثلة مع القوى الثانية في إدارة هذا المحور، وهي روسيا، وهو ما تكرر على لسان لاريجاني الذي قال: “أعتقد أنه يجب علينا إبرام وثيقة مماثلة طويلة الأجل عمرها 25 عاماً مع روسيا والهند حتى تدرك الولايات المتحدة أن العالم ليس صغيراً جداً حتى تحكمه”. وأيضاً على لسان رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، مجتبى ذو النوري، الذي قال: “طهران وبعد توقيعها اتفاقيتها مع بكين تفكر في إبرام اتفاقية مشابهة مع روسيا”.
– إن شروط واشنطن للعودة الى الاتفاق النووي تستلزم سحب طهران تهديداتها من المنطقة وإنهاء دعمها الميليشيات الموالية، وطمأنة القوى الإقليمية الى طبيعة أنشطة إيران النووية والصاروخية. وأمام الرفض الإقليمي لمبادرات إيران للحوار التي جاءت في صورة “مبادرة هرمز للسلام” و”اتفاقية عدم الاعتداء”. وكذلك، إدراكاً من إيران للرغبة الأميركية في الخروج المنطقة والتوجه نحو آسيا لكبح الصين. ودخول إسرائيل كقوة داعمة للموقف الخليجي تجاه إيران؛ كل هذا شجع النظام في إيران على التوجه نحو الصين وروسيا من أجل استجلابهما إلى المنطقة كقوة توازن مساندة إلى جانب طهران أمام التحولات التي طرأت.
– بالنظر إلى رؤية إيران الإستراتيجية للتنمية 2025؛ فإنها مرتبطة بمسارات مشروع الصين الإستراتيجي “الحزام والطريق”، الذي يمضي عبر دول عدة لدعم الإقتصاد والتجارة من وإلى الصين؛ ولذلك، تكون رؤية النظام الإيراني من الإنضمام إلى هذه الاتفاقية، دعم إستراتيجية البلاد التنموية والإسراع في تنفيذها.
المحصلة:
– إن هناك رؤية عدائية مشتركة بين إيران والصين تجاه الولايات المتحدة، وهو ما شجعهما على التوقيع على الإتفاقية الاستراتيجية.
– إن قوة فرصة المحافظين في الفوز بالانتخابات الرئاسية المقبلة، أمام ضعف الإصلاحيين وضعف مشاركة الشارع الإيراني؛ دفعت المرشد الأعلى إلى عدم التعجل في التفاوض مع الولايات المتحدة، والتوجه إلى الصين، التي هي جزء من المحور الذي يميل إليه المحافظون والعسكريون في العلاقات الخارجية.
– إن رغبة النظام الحاكم في إيران، في حماية كيانه ومصالحه؛ دفعته للتوجه نحو الصين؛ خشية الدخول في مفاوضات مع الولايات المتحدة قد تقضي على هذا النظام أو تقلم أظافره ونفوذه الداخلي والخارجي.
– إذا ما نجح النظام الإيراني في تخطي العقوبات الأميركية وأثارها؛ فإن هذا سيصعب من عملية العودة للتفاوض من جديد، وربما يقضي على الاتفاق النووي.
– اهتمام أعلى سلطة في إيران المتمثلة في المرشد الأعلى، بالانضمام إلى الاتفاقيات الاستراتيجية مع الصين وروسيا؛ يدل على أن رهان إدارة بايدن على التريث حتى مجيء حكومة إيرانية جديدة يكون المحافظون على رأسها – من أجل التوصل إلى اتفاق شامل ومستقر، بمباركة المرشد الأعلى – هو ضرب من الأحلام.
– سيظل أمر السياسة الخارجية والتقرب من الغرب أو من الشرق داخل إيران؛ مرتبطاً بالمرشد الأعلى وبموقع المحافظين والإصلاحيين في السلطة.
المصدر: النهار العربي