محمد عمر كرداس
بانتهاء الحرب العالمية الأولى و(سفر برلك) تبدلت جغرافية كثير من دول العالم فقد فرض المنتصرون إرادتهم على الدول التي خسرت الحرب، وكان نصيب العرب هو الأكبر من الاقتطاع والتقسيم والاحتلال، فمع بداية الحرب تحالف شريف مكة مع الإنكليز على وعد باستقلال المنطقة العربية الممتدة من بحر العرب إلى البحر الأبيض المتوسط ليحكمها هو وأبناءه. إلاّ أن الإنكليز المنتصرون أبرموا اتفاقية سرية مع فرنسا وروسيا لتقاسم هذه المنطقة واستعمارها بخيانة واضحة لمن حالفهم وبدأ ما سمي الثورة العربية الكبرى ضد العثمانيين الذي أعلنها من نافذة قصره في مكة. بعد الثورة البلشفية في روسيا، انسحبت روسيا من الاتفاق ونشرت بنوده السرية عام 1917 قبل نهاية الحرب، ومع ذلك ففي عام 1918 دخل الأمير فيصل بن الحسين على رأس الجيش العربي إلى دمشق معلنًا تحريرها وخروج جيش جمال باشا نهائيًا، وتوج السوريون فيصل ملكًا على المملكة السورية بحدودها الطبيعة والتي تشمل الأردن وفلسطين ولبنان، وعقد مؤتمر سوري من شخصيات وطنية شملت كل مناطق سورية واعتبر هذا المؤتمر برلمانًا وشارك في مؤتمر الصلح كما وضع دستورًا للمملكة السورية وأعلن استقلالها مما أزعج الفرنسيين وطالبوا الإنكليز بتنفيذ الاتفاق السري الذي سمي “سايكس بيكو” على اسم وزيري خارجية فرنسا وبريطانيا اللذان أبرما الاتفاق. وأرسلوا جيشًا ودخلت الجيوش الفرنسية دمشق معلنة احتلالها ووضعها تحت الانتداب أول عمل قام به التحالف الغربي هو فصل فلسطين وشرق نهر الأردن عن الساحل السوري وتمركزت قيادته في بيروت، وكانت نتيجة المراسلات والتهديدات للمملكة السورية أن تم احتلال دمشق في 24 تموز 1920 وطرد الملك فيصل واستشهاد وزير الدفاع السوري الشهيد يوسف العظمة في معركة غير متكافئة في ميسلون، كان أول ما قام به التحالف الغربي الاستعماري هو فصل فلسطين وشرقي نهر الأردن عن سورية الطبيعية ووضعها تحت الانتداب البريطاني، ثم قام الفرنسيون باقتطاع مناطق من سورية الخالية وضمها إلى متصرفية لبنان وإطلاق اسم لبنان الكبير عليه وفصله عن الإدارة السورية.
حاول الفرنسيون تقسيم ما قسموه في سورية بإنشاء خمس دويلات على أسس طائفية في الساحل والجنوب وحلب ودمشق، ولكن رفض السوريين ونضالهم ضد الفرنسيين بانطلاق الثورة السورية الكبرى عام 1925، أفشل مخطط الاستعماريين، وتحت قوة النضال المسلح ومن بعده النضال السلمي، اضطرت فرنسا للخروج من سورية ونالت الدولة السورية بحدودها الحالية الاستقلال في 17 نيسان/ابريل 1946. لتشارك في تأسيس الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، ولتكون الدولة العربية الأولى التي تنال استقلالها الكامل. وسادت أجواء ديمقراطية من انتخابات وتشكيل مجالس منتخبة ولكن ذلك لم يدم طويلًا، ففي عام 1949، قام رئيس أركان الجيش بعد تورطه بفضيحة فساد “حسب مذكرات خالد العظم “رئيس وزراء سوري “بانقلاب عسكري أطاح به بالهياكل المؤسساتية من رئاسة وبرلمان ووزارة، ولينصب نفسه حاكمًا عسكريًا دكتاتورًا، فاتحًا بذلك عهد الانقلابات العسكرية التي توالدت واستمرت حتى عام 1954 عندما أطاح تمرد للجيش بأديب الشيشكلي، وليسلم الحكم للمدنيين.
عادت الانقلابات العسكرية إلى سورية في 28 أيلول 1961 في انقلاب على الوحدة الرائدة التي قامت بين سورية ومصر بإرادة شعبية في 22 شباط/فبراير 1958، ثم ليأتي انقلاب 8 آذار/مارس 1963، وباستيلاء البعث عليه بدء حكم البعث المستمر إلى الآن بإرادات دولية وإقليمية ليتحول إلى استبداد مطلق ضد إرادة الشعب ومع قمع دموي لجميع الانتفاضات والاحتجاجات منذ 18 تموز/ يوليو 1963، إلى انتفاضات دمشق وحلب عام 1964، ثم لتكون المجزرة الكبرى في الثمانينات ضد عدد من المحافظات السورية على رأسها مدينة حماة.
مع انطلاق ثورات الربيع العربي قام الشعب السوري بثورته في 18 آذار/مارس 2011 المستمرة إلى الآن نتيجة تراكمات من القمع والتهميش استمرت أكثر من أربعين عامًا حيث كان المواطن يشعر بأن من يحكمه تشكيل عصابي غريب عنه أفقده استقلاله ولم يعد لجلاء المستعمر أي معنى، تقول إحصائيات لم نتأكد من صحتها أن ربع قرن من الاستعمار الفرنسي فقد الشعب السوري 800 شهيد، وبالمقارنة مع حكم البعث التي تقول الإحصائيات أيضًا أن الشعب فقد خلاله بحدود 800 ألف شهيد أي ألف ضعف عما فقده أيام الاستعمار ،عدا عن التدمير والتهجير واستجلاب شذاذ آفاق لدعم النظام في حربه ضد الشعب. فأين منا الجلاء الذي كان رمزًا لنضال وتضحيات الشعب بكل فئاته.
إننا بحاجة لجلاء جديد نتخلص فيه من طغمة حاكمة غاشمة دمرت وشردت ونهبت أضعاف أضعاف الاستعمار الوحشي الغربي وإننا مصممون كشعب للوصول إلى هذا الهدف مهما طال الزمن وكثرت التضحيات.
المصدر: اشراق