أحمد مظهر سعدو
يحتفي السوريون أواسط شهر نيسان/ ابريل من كل عام بعيد جلاء الاستعمار الفرنسي عن أرض الوطن السوري، بينما عيونهم وأفئدتهم مازالت معلقة نحو استقلال لم يتحقق بعد، ووطن ما برح يرزح تحت الاحتلال الاستبدادي الأسدي، وهو أشد وطأة من أي احتلال كولونيالي آخر، وهم الذين لاقوا على أيدي الجلاد والمستبد حافظ الأسد، ثم وريثه وابنه بشار الأسد أعلى أنواع ومراحل العسف والقهر والمقتلة المستمرة منذ 16 تشرين ثاني / ديسمبر 1970 وحتى الآن.
ولا يفصل الإنسان السوري أبدًا بين ما حاول إنجازه بانطلاق ثورته، ثورة الحرية والكرامة في آذار/ مارس 2011، وبين فكرة الحرية والتحرر والاستقلال الناجز بالقوة، والذي يطمح أن يتحقق بالفعل من خلال المنظار الفلسفي للمسألة، وهي حالة لا يبدو أنها قد أضحت قاب قوسين أو أدنى من التحقق، في ظل تغول أسدي وإقليمي من قبل إيران وروسيا على جل الجغرافيا السورية، وإبان صمت دولي غير مبرر، على ما آل إليه الوضع في سورية عبر عشر سنوات مستمرة من القمع والقتل والاعتقال التعسفي والتغييب القسري لمئات الآلاف من خيرة أبناء سورية، وتهجير قسري لما يزيد عن نصف الشعب السوري بين نازح داخلي ولاجئ خارجي.
للاستقلال بواعث وعوامل غير منجزة وغير متحققة في ظل بقاء الاستبداد والطغيان السلطوي الأسدي الذي باع (السيادة الوطنية) السورية للقاصي والداني، وفي وضح النهار، وعلى قارعة الطريق، فأصبح القرار السوري يرتبط بقرارات سياسية وأمنية تأتي من موسكو أو إيران، وأصبحت لقمة العيش للسوريين منهوبة ومباعة لغير شركة أو دولة خارجية، وأضحى الإنسان السوري فاقدًا للوطن، كما سبق وأن سلبت منه مواطنيته، وأصبح الدستور والقانون يتحكم بهما جهاز أمني، وعصابة تشبيحية، وراحت السماء السورية مستباحة من الإسرائيلي والروسي والأميركي، دون همسة أو اعتراض من (حكومة) مازالت تدعي أنها سلطة وطنية سورية.
لكن الاحتلال الإيراني وكذلك الروسي يبقى احتلالًا غير شرعي، وهو استعمار بكل ما للكلمة من معنى، وحتى لو طالت فترته الزمنية، فهناك الكثيرين من الاستراتيجيين يرون أن التغول الإيراني بات قريبًا من الزوال على مستوى المنطقة وليس في سورية فقط.
وحسب “حقب بروديل ” فإن هناك مؤشرات تشير إلى أن الحقبة الخمينية- الخامنئية قد بلغت نهايتها. ولأن المسؤولين الإيرانيين يستشعرون ذلك، ارتموا في أحضان التوتاليتارية الرقمية المتطورة وصاحبة نظام الحزب الواحد الحديدي الذي ابتدع كاميرات لمراقبة تعابير وجوه مواطنيه كي يضبطهم جيدًا ويرصد مشاعرهم.
إنما لن يستطيع اتفاق الإيرانيين مع الصين أن يمد بعمر النظام الإيراني بما سيوفره من أدوات قمع رقمية عالية ترفع جودة قمعه؟ هل سيغيّر وجهه تحت تأثير رغبة الصين بالتنمية الاقتصادية التي تتطلب الأمن؟ ويبقى السؤال: هل سيحتفظ النظام الإيراني عبر ذلك بمشاريعه التوسعية العدوانية في المنطقة؟ أم أن الصين ستفضل عدم الدخول في نزاعات وصراعات دموية لتكمل مسيرة “الحزام والطريق” شمالاً؟ خصوصاً أنها بعثت رسائل طمأنة لدول الخليج التي وقعت معها اتفاقيات اقتصادية. وهل تتغلب المصالح الاقتصادية والهيمنة التجارية فتنعكس على سياسة إيران تجاه العواصم المشرقية الثلاث التي “تحتلها” لجهة التهدئة؟ أم أن الصين لن يعنيها ما يحدث في هذه البلدان؟
يرى الدكتور برهان غليون أن ” هذا الغول الرهيب الذي صارت إليه السلطة في سورية هو أصل الخراب الذي ضرب الجسم الوطني السوري، والذي انتهى بما يشبه يوم القيامة، ومن دون تفكيك هذا المركّب الطفيلي، الذي دمّر المجتمع والدولة معًا وحل محلهما، والذي لا ينتج إلا العنف والفساد، لا يمكن لدولة أن تولد من جديد، ولا لمجتمع أن يستعيد حياته وانسجام أعضائه.” ولا يمكن لاستقلال أن يكون منجزًا بدون زوال هذا الغول والطغيان الذي فاق كل حد، ولسان حال السوريين يقول بالتساوق مع فكرة: الرئيس الصيني دينغ شياو بينغ ” “اخفِ قوتك وانتظر وقتك”. وهو ما يجب أن يفعله السوريون وصولاً إلى وقت يستطيعون فيه وعبره تحقيق الاستقلال الوطني السوري الحقيقي، بلا آل الأسد وبلا ظلم، وبدون احتلالات إيرانية أو روسية أو أميركية. ومازال السوريون يرون ذلك قريبًا، بعد الاعتماد على الله أولًا، وعلى إرادة الشعب السوري العظيم. الذي ضحى ومازال بما يزيد عن مليون شهيد على مذبح الحرية والكرامة والاستقلال الوطني.
المصدر: اشراق