أيام قليلة تفصلنا عن واحدة من أكبر عمليات تزوير إرادات الشعوب، فضلًا عن اغتصابها العلني لما يزيد على نصف قرن مضى، وبدعم دولي وتواطؤ إقليمي كبيرين، ولا نقول مطلق.
عمليًا مع قراءة (رأي الملتقى) تكون قد انطلقت العملية (الانتخابية) بتصويت السوريين في الخارج، التي قوبلت بتحرك شعبي واسع للجاليات السورية رفضًا لها، يوم 20_ 05، في بلاد المهجر والشتات، في مسعى ومحاولة فاشلة، للنظام، لإعطاء صورة وانطباع غير حقيقيين عن قيمة وأهمية صوت المواطن السوري، وعن مشاركة السوريين المعنيين بمستقبلهم من خلال هذه العملية، الحريصين كل الحرص على نجاحها، وهو مايتم في الحقيقة والواقع لقطاعات محدودة منهم بالغواية، أو التهديد والابتزاز، أو بالخوف الذي يتحول نفاقًا، وهو الذي هجرهم وشردهم في السنوات الأخيرة، غير عابىء بهم، بل متخلصًا منهم ضمن مفهومه (الحداثي) عن سورية المفيدة.!
هذا عدا من دفعهم للهجرة، منذ أن وجد وأرسى دعائم نظامه على الفساد والتمييز، وقبل الثورة السورية العظيمة بكثير، لأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية يطول الحديث عنها.
هنا لا بد لنا من الثناء على موقف الدول التي رفضت أن يجري على أراضيها هذا العرض المسرحي السخيف والتافه، الذي نعتبره، بالقدر الذي يعد انحيازًا لمطالب الشعبي السوري، تعبيرًا عن احترام هذه الدول لقيمها الديمقراطية، وانسجامًا مع سياساتها الرشيدة في تعزيز قيم حقوق الإنسان العالمية، التي أصبحت معيارًا في تقييم الدول والجماعات والأفراد.
في هذا المكان تحديداً بتاريخ 23 يناير/ كانون الثاني، الماضي، دعونا إلى حملة وطنية لمقاطعة مايسمى بالانتخابات السورية، تحت عنوان (نحو رفض وطني واسع لبقاء الأسد) ولعله من المفيد مرة أخرى التشديد والتأكيد على هذه الدعوة المحقة قبل أيام من إجرائها، في الداخل السوري المحتل، والشد على أيادي من دعوا لمقاطعتها، أفرادًا وجماعات، وهم تحت سلطة بطشه وقمعه، ليس لأنها تفتقد للنزاهة والمصداقية، وليس لأن بطلها المتوج سلفًا مجرم دولي مكانه قفص محكمة العدل الدولية وليس قصر الشعب، وليس لأن الأمر تجاوز على أصول أنظمة الحكم الديمقراطية، وهو الذي سيحكمنا لولاية رابعة، فيما لو ساعدته الظروف والعوامل الإقليمية والدولية، ليس لكل ذلك على أهميته ومنطقيته، بل لأن سورية دولة محتلة، وتحديدًا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، والبداهة والمنطق تلغيان أي معنىً لهذه المهزلة، ولعله من المفيد وطنياً ومن أولى الأولويات الدعوة لتحريرها من مغتصبيها القدامى (عائلة الأسد وزمرتهم) ومن محتليها الجدد (الروس والفرس والمليشيات التابعة لهم، وغيرهم من محتلين وقوى الأمر الواقع)، في ظل الدعوات المحمومة للنظام وأعوانه للمشاركة، والرفض والمقاطعة عبر الحراك السياسي والشعبي.
من الهذر الحديث عن انتخابات حرة ونزيهة، تتمتع بالشفافية والمصداقية، وتوافق المعايير الدولية لأصول أنظمة الحكم، حتى لو وجد له من يرضى على نفسه لعب دور الكومبارس بوضاعة لاحدود لها تجد الأسد نفسه أفضل منها، وأكثر أهلية، هذا كله في ظل تحالف من المحتلين والقتلة والمجرمين العالميين، من بوتين إلى خامنئي، الذين يتحكمون بسورية ومصير أهلها ويسيرون النظام/ الألعوبة بحسب مصالحهم وغاياتهم.
لقد كنا نتمنى كما كافة أبناء الشعب السوري وقواه الثورية، والوطنية الحية، أن يتحول موقف بعض الدول الرافضة لإجراء الانتخابات على أراضيها، وعدم الاعتراف بشرعيتها لمخالفتها القرارات الدولية المتعلقة بالوضع السوري، بحسب تفسيرهم ومنطقهم، إلى موقف دولي واضح وحاسم من هذه المسخرة الكونية، لا أن تكتفي بموقف مائع يعبر عن عدم الاعتراف بنتائجها، المتوقعة والمحسومة، كما يعرف القاصي والداني، والعالم كله، خصوصًا الإدارة الأميركية الجديدة الساعية لاتفاق جديد مع طهران سيصب في النهاية في مصلحة الأسد، وتخفيف الضغط عليه.
إن إدارة بايدن، التي لم تتضح معالم موقفها بشكل واضح من القضية السورية، والمزمع الإفصاح عنه في نهاية الشهر الحالي، هو موقف لا يتوقع أن يحدث فارقًا عن الإدارات السابقة، بل ربما سيكون أكثر تطابقًا مع ماعرفناه بعهد الرئيس السابق أوباما، ومن هنا يصبح من الأهمية بمكان عدم التعويل كثيرًا على الموقف الدولي مالم تستطع القوى الوطنية السياسية، والنخب الثورية، إعادة ترتيب أوراقها وأولوياتها بما يحدث فارقًا نوعيًا يعيد لفت الأنظار إلى أنبل قضايا العصر الراهن.
هنا لابد لنا من تكرار الإشادة بالموقف الشعبي وحراكه الذي يعبر عن نفسه في حملة “لا شرعية للأسد وانتخاباته”، وهو موقف وطني يعبر عن جوهر مطالب الشعبي السوري ويختزل نضاله المرير لعقود سلفت، كما يجسد بهاء ونقاء الحراك السوري بعيدًا عن ما أصابه، أو لحق به، من تشوهات خلال السنوات الماضية.
ليست المرة الأولى التي تجري فيها هذه الكوميديا السوداء في عمر نظام القتل والإجرام والطغيان الكوني، ولكنها المرة الأولى التي تواجه في هذا السيل من المواقف الواضحة والصريحة التي تحاول التعمية عليها قوى النفوذ والهيمنة العالمية، في تناقض صارخ بين ادعاءاتها وممارساتها، بل وشراكتها في كل فعل قبيح وشائن ومضلل.
نحن نثق بأن مسرحية الأيام القادمة، ودعوتنا قبل أشهر لحملة دولية لمقاطعتها، مع آخرين، آتت أكلها، وأثمرت نتائج طيبة ومرجوة، وهي بالأصل لم تكن إلا تعبيرًا دقيقًا وصادقًا عن إرادة السوريين، جميعًا، وقراءة دقيقة لمواقفهم وبوصلة تؤشر لاتجاهات رأيهم العفوي دون إملاء أو مواربة.
لن تغير الانتخابات، أو إعادة تنصيب الأسد شيئًا، في ما لو قرر العالم الإنصات لصوت الضمير الانساني، ولن تكون عائقًا أمام أي حل سياسي يُفضي إلى تنفيذ القرارات الدولية وأهمها بيان جنيف 1 والقرار 2254 ، ولن تكون حائلًا عن استعادة السوريين لارادتهم واسترداد زمام المبادرة، ولن تمحو جرائم الأسد أو تسقطها بالتقادم، ولن تطمس معالمها الموثقة بالشهادات الدولية والتقارير الحقوقية. كل ذلك لاقيمة له، ولاوزن، عندما تحين ساعة كنس هذا النظام ورميه إلى مزابل التاريخ. لا شرعية للأسد وانتخاباته..لا شرعية لكل الإحتلالات..لا شرعية إلا لصوت السوريين والذي يعلو فوق كل صوت.
المصدر: موقع ملتقى العروبيين