بعد سبع سنوات على انطلاق ثورة الحرية والكرامة، وكل هذا الدمار والقتل الذي أحدثه النظام السوري ومن معه من إيرانيين وروس وميليشيات طائفية، وهذا التراجع في المساحات التي كانت تسيطر عليها المعارضة وقوى الثورة، وضمن مفاعيل الثورة السورية المتلاحقة والكثيرة، خاصة ونحن ندخل العام الثامن من هذه الثورة، كان لابد من الوقوف موضوعيًا مع بعض الباحثين السوريين، لنرى معهم أين أصبحت الثورة السورية، وماهي مآلاتها، وماذا بقي من ثورة الحرية والكرامة؟ وهل مازالت مستقبلية؟ وكيف يمكن أن تكون مستمرة، دون أن تتراجع بعد الكثير من هذه المياه التي جرت تحت الجسر.
خضر زكريا أستاذ علم الاجتماع في جامعات الدوحة تحدث لجيرون قائلاً ” الثورة السورية مازالت مستمرة، وهي من أعظم الثورات في التاريخ المعاصر، على الرغم من كل المجازر التي ارتكبها نظام الأسد وحلفاؤه، ومن ركوب المتطرفين الإسلاميين مثل داعش والنصرة وأمثالهما موجة الثورة، وعلى الرغم مما يبدو اليوم من السيطرة العسكرية للنظام وحلفائه من الروس والإيرانيين على مساحات واسعة من الأرض السورية، مما جعل كثيرين يشككون في مآل الثورة. فقد حدث مثل هذا في الثورات الكبرى في التاريخ. تتعدد المواقف ووجهات النظر، وتتصارع الجماعات المختلفة. لكن الثورة في النهاية تنتصر. وفي سيرورة انتصارها يتم الفرز بين الغث والسمين، بين الثوار الحقيقيين ومن يحاول ركوب الموجة. والثورة ستذيب الجميع في بوتقتها، وتلفظ منها ما لا ينسجم مع مسيرتها الظافرة. والثورات العظيمة لا تحقق أهدافها بين يوم وليلة، ولا في سنوات قليلة. فالتاريخ الحديث والمعاصر عرف ثورات دامت عقودًا حتى آتت أكلها. الثورات صيرورات متواصلة تحتاج سنوات طويلة لتتبلور، عبر كثير من المطبات والتراجعات والإخفاقات فضلًا عن النجاحات. فكيف إذا جاءت في منطقة تتكالب عليها دول العالم الكبرى ودول الإقليم، وتستخدم فيها كل الأسلحة والوسائل لإفشالها”. ثم أكد قائلًا ” الشعارات التي طرحتها الثورة السورية، منذ انطلاقتها، تدل على عمقها وأصالتها. (الشعب السوري ما بنذل) (سورية بدها حرية) (الشعب السوري واحد) هذه الشعارات عبرت عن أهداف لا يمكن أن تكون أقل من أهداف ثورة عظيمة. شعارات الكرامة والحرية ونبذ الطائفية والانقسام والتشرذم، في وجه نظام أهدر كرامة الناس وقمع أبسط حرياتهم وكرس النزعات الطائفية والولاءات المناطقية والشخصية. وعلى الرغم من اكتشاف الثوار، منذ البدايات، أن كل من دعم الثوار بالمال أو السلاح، أو لنقل معظمهم على الأقل، كان يفعل ذلك لمصلحته وتأكيد نفوذه (وهذا هو بالذات ما لعب دوراً حاسماً في تشتت قوى الثورة وتشرذمها، وتحول بعض قادة الجماعات المسلحة إلى أمراء حرب، يستغلون الثورة للإثراء على حساب دماء الثوار والمدنيين)، فإن أهداف الثورة صارت متجذرة في قلوب السوريين، ولن يقبلوا بأي حال الخضوع ثانية لأي شكل من أشكال الاستبداد وإلغاء الكرامة” ثم انتهى إلى القول ” لقد حُطم جدار الخوف، وعادت السياسة إلى المجتمع بعد أن وُضع الجميع على الرف خلال العقود الماضية. هناك تنظيمات سياسية تنشأ، وحوارات حول أهم قضايا المجتمع تدور في كل مكان. الثورة بدأت. وهي مستمرة وستنتصر”.
أما هدى زين أستاذة علم الاجتماع في جامعات ألمانيا قالت لجيرون ” بات واضحًا للجميع أن الحالة السورية قد بلغت مستويات قصوى من التعقيد وصراع المصالح الاقليمية والدولية عليها. وأمام الواقع المفجع للدمار والتدمير وسياسة الإبادة الجماعية بكل الوسائل الوحشية الممكنة وكذلك أمام واقع الاحتلالات الأجنبية المتعددة، لا يمكننا اليوم الحديث عن مرحلة مزدهرة أو بناءة للثورة. نحن نعيش اليوم مرحلة انتكاسية في صيرورة الثورة وحالة انهزامية للوجدان الجمعي الثوري. ولكن كل هذا لا يعني بأي حال من الأحوال بأن الثورة خمدت شعلتها وانتهت إلى غير رجعة. فالثورات لا تنجح تاريخيًا في مراحلها الأولى لأن كل أعداءها، وخاصة السلطة الطاغية التي قامت الثورة لقلعها من جذورها، كل أعداء الثورة أقوى عسكريًا وعنفيًا من الطبقات الشعبية التي فجرت الثورة، وبالتالي من الصعب أن تبلغ مآربها بالمراحل أو السنين الأولى. فما بالنا بالثورة السورية التي اجتمعت كل مصالح الدول على خنقها” وأضافت زين “الأسد لم يعد فقط طاغية فاشي وإنما أصبح عميلًا وجنديًا وضيعًا لدى الروس والإيرانيين، وهاتين الدولتين لهما مصالح تختلف عن الأسد، والدول المتدخلة الأخرى لها مصالح مختلفة عن تلك أيضًا وكلهم يشنون حرب إبادة ضد الثورة والشعب، عبر أحدث تقنيات القتل والإجرام، هذا أدى إلى كوارث كثيرة منها التهجير والفقر وبالتالي إلى افتقاد الحد الأدنى من مقومات المجتمع.” ثم أشارت زين إلى أنه ” أمام عالمية التوحش ضد الثورة السورية سيكون من السذاجة بمكان أن لانقرأ مرحلة الانهزام التي تمر بها الثورة، ولكن وفي الوقت ذاته أمام صمود ومقاومة وإرادة الشعب السوري، وبحسب منطق التاريخ سيكون من الجهل الاعتقاد أن الثورة انتهت، وهذه هي نهاية الطريق. الثورة لم ولن تنته لأن سورية اليوم محتلة ولأن نظام الأسد لن يكون أبدًا قادرًا على قيادة اقتصاد البلد بعد انتصارات مؤقتة، وبالتالي سيظل الشعب تواقًا للحرية والعدالة وستخلق القوى الوطنية التي مازالت مؤمنة بالثورة خلايا وأجسامًا وطنية جديدة تستوعب مهامها وتحدياتها العظيمة وتؤمن بالعمل المستقل والنضال طويل الأمد وتقدم مصلحة الوطن والمجتمع على المصالح النفعية البائسة. أنا أؤمن بعدالة قضيتي التي هي القضية السورية، وأؤمن بمقدرات طبقات الشعب السوري وخاصة الفقراء منهم وأرى أن التاريخ يسير باتجاه التغيير، ولكن بأثمان فظيعة غير متخيلة، يدفعها الشعب السوري كل يوم، وهي أثمان لا يتحمل مسؤوليتها حلف الفاشية المعاصر لوحده، أي الأسد والروس والإيرانيين، وإنما أيضًا كل الدول النافذة العربية وغير العربية المتدخلة في سورية، والمتواطئة على سورية وعلى إرادة الشعوب.”
الباحث السوري علاء الدين زيات والمدير التنفيذي في إحدى منظمات المجتمع المدني كان له رأي مختلف حيث أكد لجيرون ” لا يمكنني مشاهدة الموقف بعين مفتوحة وأتغاضى عن أدوار عابثين ومحتلين آخرين وربما ٧٠ % من دمار الرقة تم بطيران التحالف ولم يكن فعلًا ثوريًا تحريريًا، ولقد كان علي عام ٢٠١٣ تحمل الكثير من نقد ما كنت أسميهم حراس الثورة بسبب استخدامي تعبير انتصار الثورة المضادة في سورية، وفشل برنامج التغيير الثوري، وذلك بالنظر لطبيعة القوى التي استلمت ادارة المناطق ( المحررة ) ولطبيعة مسار الصراع الذي اتخذ جانبًا بعيدًا كل البعد عن مبادئ ٢٠١١ ٠ علي القول أن الثورات كائنات حية تولد وتكبر وتتعاظم ولكن أحيانًا تفشل وتموت وتترك بذور التغيير لمراحل لاحقة، يحلو للبعض من بوابة الشعار الهتاف الثورة باقية، نعم كتعبير مجازي عاطفي يمكن قبول ذلك، وأنا أدرك الكم الهائل من التحولات التي زرعت بذورها السنوات السبع في المجتمع والسياسة والاقتصاد بسلبياتها وإيجابياتها”. لكنه أكد كذلك على أن ” الحديث عن استمرار ماكينة مشروع التغيير بالعمل يجب أن ينطلق من منصة النقد لا من منصة الايمان المطلق، عندها يمكن الحديث عن تجارب مستفادة، وعن تعديل موازين القوى وعن فرز الحلفاء من الأعداء. الثورة أكلت أبناءها هو ما قلته منذ يومين عن علاقة الثورة بالشباب هم حملتها ومشاعلها ووقودها، وكانوا في النهاية حطب مدافئها لأن الساسة أبقوا الشباب خارج دوائر صنع القرار وكانوا مشردين بين الهجرة والمنافي والسجون والغياب والموت، لقد كانت التجربة الأقسى لجيل كامل لم يعترك السياسة بل كرهوها، وكان مطلوبًا منه فعلًا سياسيًا خلاقًا في لحظة غفلة ، كانت مصادفة سيئة بالتوقيت والكلفة، أخيرًا المجتمعات لا تموت، تغرق وتتعب وتقاوم وتعيد إنتاج أدوات الحياة، من هنا يبدو مشروع التغيير يمتلك محركات فعل جديدة وعلينا المساعدة على ذلك، ولكن بأدوات أفترض أنها شحذت أفضل في هذا المعترك المصيري للسوريين”.
المصدر : جيرون