هبة محمد
تعاظمت الهجمات العسكرية للحلف السوري – الروسي من جهة، وميليشيات «قسد» الكردية من جهة أخرى، على مناطق سيطرة المعارضة السورية شمال وشمال غربي سوريا، خلال الشهر الأخير إلى أن وصل ذروته يوم أمس، حيث امتدت الهجمات من جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي وصولاً إلى ريف حلب الشمالي، عبر قصف واسع للمقاتلات الحربية الروسية وسلاح المدفعية التابعة للنظام والميليشيات ووحدات الحماية الكردية، مستهدفين الأحياء السكنية والمنشآت الطبية والعمال الإنسانيين.
وقتل نتيجة التوتر الميداني والقصف الواسع الذي استهدف الأحياء السكنية والمنشآت الطبية 18 مدنياً، 3 منهم قضوا في قصف جوي وبري للنظامين السوري والروسي على إدلب، و15 آخرون قتلوا في مجزرة مروعة داخل مستشفى في مدينة عفرين في ريف حلب.
الدفاع المدني السوري، قال في بيان له أمس، إن مدينة عفرين في ريف حلب الشمالي تعرضت لقصف صاروخي مصدره المناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد وقوات سوريا الديمقراطية في ريف حلب الشمالي، واستهدف القصف الأحياء السكنية. وعندما هرع متطوعو الخوذ البيضاء والعمال الإنسانيون لإنقاذ المدنيين، وبعد وصولهم إلى مشفى الشفاء في المدينة، تجدد الاستهداف لنفس المنطقة وللمشفى التي أسعف إليها الضحايا، ما أدى لمقتل 15 مدنياً بينهم 4 نساء، وطفل، و7 رجال، بينهم اثنان من الكوادر الطبية واثنان من العمال الإنسانيين، فيما أصيب 43 مدنياً بينهم 13 امرأة، و5 أطفال و11 من الكوادر الطبية و 3 من متطوعي الدفاع المدني السوري والباقي من المدنيين.
وأدانت الخارجية التركية «هجوم ميليشيا «قسد» على مشفى عفرين شمالي سوريا» وقالت الوزارة في بيان لها أمس، «إن التنظيم الإرهابي استهدف مبنى وقسم الإسعاف في مشفى الشفاء الممول من الجمعية الطبية السورية – الأمريكية، في مدينة عفرين التابعة لمحافظة حلب. ندين بشدة هذا الهجوم الإرهابي الذي أودى بحياة العديد من المدنيين بينهم كوادر طبية».
نفي «قسد»
وقال متحدث الرئاسة التركية إبراهيم قالن، إن الهجوم الإرهابي لتنظيم «ي ب ك/ بي كا كا» استهدف مستشفى شمالي سوريا وأودى بحياة 13 من نزلائه، معتبراً أن التزام الصمت أمام هذا الهجوم يعني التواطؤ مع الجريمة».
وفي تغريدة عبر تويتر قال قالن «أدين بشدة الهجوم الذي شنه التنظيم الإرهابي على مستشفى في مدينة عفرين، داعيا الله أن يتغمد برحمته الذين فقدوا حياتهم بالهجوم والشفاء العاجل للجرحى، إن ذراع المنظمة الإرهابية (بي كا كا) في سوريا (ي ب ك) أظهر مرة أخرى وجهه الوحشي، وإن التزام الصمت أمام هذا الهجوم يعني التواطؤ في الجريمة».
وأدان متحدث حزب العدالة والتنمية التركي (الحاكم) عمر جليك، استهداف قسد للمستشفى، وقال «ي ب ك/ بي كا كا» أثبت مرة أخرى عبر استهدافه لمستشفى الشفاء في عفرين أنه عدو للإنسانية» وطالب الدول الداعمة لهذا التنظيم بإنهاء دعمها له بحجة قتاله ضد تنظيم الدولة.
مدير المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية فرهاد شامي نفى علاقة ميليشيات «قسد» بمجزرة عفرين، وقال المسؤول الإعلامي لدى «قسد» «نشرت بعض وسائل الإعلام أخباراً غير صحيحة حول عملية استهداف لمركز مدينة عفرين مساء اليوم ونُسبت إلى قواتنا. إننا في قوّات سوريا الديمقراطية نؤكد على أنه ليس لدينا أيّ تواجد في تلك المناطق، وندعو كافة وسائل الإعلام إلى الالتزام بالمصداقية في نشر الأخبار التي تخصّ قواتنا».
إدلب
وأضاف «مع اقتراب لقاء بايدن – بوتين، ولقاء آخر يضم بايدن واردوغان، فإن طباخي الفتن يهمهم الإساءة لمشروع سوريا الديمقراطية، ويهمهم تشويه قوات سوريا الديمقراطية، وهذه المرة جريمتهم كانت باستهداف مشفى في عفرين وارتكاب مجزرة بحق المدنيين الأبرياء، وتسارع وسائل إعلام مغرضة وحاقدة لتبني الخبر، على هؤلاء جاء الرد الهادئ والكافي لكل عاقل أن يفهم أننا نعمل بوضوح الشمس ندافع عن أنفسنا، ولا نستهدف المدنيين، ولا نعتدي ولا ندمر المنشآت المدنية والطبية».
تزامناً، قصفت المقاتلات الحربية الروسية بلدات وقرى كفرلاتة، ومنطف، وسرجة، في ريف إدلب الجنوبي، شمال غربي سوريا، بينما قصفت مدفعية النظام الأحياء السكنية، ما أدى لمقتل 3 مدنيين، وإصابة 18 مدنيا بينهم 5 أطفال وامرأة، وذلك بعد أسبوع متواصل من الهجمات العسكرية للقوات النظامين السوري والروسي على شمال غربي سوريا في تكرار لسيناريو التصعيد قبل أي اجتماع دولي يخص سوريا في مجلس الأمن.
أسباب التصعيد
الدفاع المدني السوري قال في بيان له إن الشمال السوري شهد يوم السبت، تصعيداً خطيراً للهجمات العسكرية، وأضاف «بالتزامن مع القصف الذي تعرضت له مدينة عفرين، كانت الطائرات الحربية الروسية تشن غاراتها على ريف إدلب الجنوبي ومدفعية النظام تستهدف الأحياء السكنية، ما أدى لمقتل 3 مدنيين فيما أصيب 18 مدنياً بينهم 5 أطفال وامرأة، حيث قتل شاب وأصيب 10 مدنيين بينهم طفلان بقصف مدفعي لقوات النظام على قرية كفرلاتة، وقتلت فتاة وأصيبت امرأة حامل وهي بحالة حرجة، وتوفي جنينها، كما أصيب 7 مدنيين بينهم 3 أطفال بغارات جوية روسية على قرية منطف وأصيب رجل بغارة جوية على قرية سرجة».
وشن الطيران الحربي الروسي وقوات النظام السوري، خلال الأسبوع الماضي أكثر من 500 هجوم على عدة مناطق في شمال غرب سوريا، تسببت بمقتل 20 شخصاً بينهم طفلان وامرأة، كما خلف القصف إصابة قرابة ال 100 شخص.
القصف تسبب بموجة نزوح هي الأكبر منذ عشر سنوات وفقاً للدفاع المدني السوري الذي ذكر أنها «ستكون نحو المجهول هذه المرة، فلا مكان آمناً للمدنيين، لأن مخيمات الشمال مهددة بكارثة إنسانية مع اقتراب موعد التصويت في مجلس الأمن حول آلية إيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود واحتمال استخدام روسيا حليفة النظام حق النقض (الفيتو) لإيقاف إدخالها من معبر باب الهوى الحدودي الذي يشكل شريان الحياة الوحيد لمناطق شمال غربي سوريا، ولا سيما أن التجارب السابقة تؤكد أن روسيا والنظام يتعمدان التصعيد الممنهج على الأرض لخلط الأوراق والتفاوض فوق الدماء والاشلاء».
التصعيد الميداني أثار تساؤُلات حول الأسباب التي أدت له، وإمكانية تحول هذا التوتر إلى حملة عسكرية ومواجهات موسعة، رغم ان حملة التصعيد الأخيرة تبدو وفق مدير مركز جسور للدراسات، المستشار السياسي محمد سرميني ذات أهداف تفاوُضية، ومحاولة دفع مسار التفاهمات للأمام عن طريق التلويح بالخيار العسكري، مع إمكانية عودة الهدوء تدريجياً إلى منطقة إدلب بعد أن تتضح الصورة أكثر عقب إجراء القمتين الثنائيتين المرتقبتين.
وحول الأسباب يقول سرميني إن زيادة التوتر الميداني الذي تشهده محافظة إدلب منذ بداية حزيران/ يونيو الجاري، بعد أشهر من الهدوء والخسائر البشرية في صفوف المدنيين وفصائل «الجبهة الوطنية للتحرير» و»هيئة تحرير الشام» يعود إلى جملة من الأسباب، على رأسها استمرار المفاوضات حول ملف المعابر، سواء معبر «باب الهوى» أو المعابر الداخلية التي ترغب روسيا بأن يتم فتحها بين إدلب ومناطق النظام السوري، ويبدو أن الأطراف لم تتوصل إلى نتيجة حولها، مضيفاً «يدور الحديث عن توجُّهات دولية تقودها كلٌّ من واشنطن وأنقرة لاستحداث معابر جديدة، ووضع خطط بديلة في حال تمسُّك روسيا بإيقاف تدفُّق المساعدات عن طريق «باب الهوى» ومن الطبيعي أن يدفع مسار كهذا موسكو للتصعيد بهدف الضغط على الأطراف الدولية، وخاصة تركيا».
كما أن موعد اقتراب قمة بوتين – بايدن، ورغبة روسيا بوضع الملف السوري ضِمن أولويات القمة، بحثاً عن «صفقة» مع الجانب الأمريكي، هي أحد أسباب التصعيد الهامة، مضيفًا «في هذا الإطار يأتي إبداء موسكو استعدادها في الثالث من حزيران/ يونيو الجاري لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة في سوريا، وهو العرض الذي جاء قبل مرور أسبوعين على الانتخابات التي أجراها النظام».
وعلى ما يبدو، فإن سوريا حالياً ليست ضِمن الأولويات التي يرغب بايدن في مناقشتها مع بوتين، ولذا فإنّ موسكو تعمل على تسخين الأجواء سعياً لتركيز الاهتمام على سوريا حسب سرميني.
وأضاف في سلسلة تغريدات له «يبدو أن موسكو تريد الضغط في ملف إدلب من خلال تهديد الاستقرار، بهدف التسبب بقلق لأنقرة، في محاولة لضبط مسارها مع واشنطن» إذ أن من أهم أسباب هذا التصعيد «المحادثات التي تجريها تركيا مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تطورت إلى تقديم أنقرة عروضاً للجانب الأمريكي، تتضمن تجهيز منطقة آمِنة في شمالي سوريا، بالإضافة إلى البحث عن تطمينات لتقديمها لواشنطن بخصوص قضية صواريخ إس 400، مقابل الاستمرار في إنتاج طائرة F35».
ورغم ارتفاع وتيرة القصف جنوب إدلب، لكن تبقى احتمالية الانزلاق إلى مواجهة واسعة هي احتمالية محدودة؛ وفق رؤية مدير مركز جسور للدراسات، الذي عزا السبب إلى أن «أي حملة عسكرية كاملة دون تفاهُم مسبق بين روسيا وتركيا، سيعني الصدام المباشر مع الجيش التركي على الأرض، بالإضافة إلى دفع أنقرة للتقارب أكثر مع واشنطن من أجل تعزيز موقفها خلال المواجهة في إدلب، وهو ما يضر بالمصالح الروسية».
قصف تركي للوحدات الكردية
وذكرت وكالة الأناضول الحكومية للأنباء أمس الأحد أن الجيش التركي قصف أهدافًا في بلدة تل رفعت بشمال سوريا ردًا على هجمات بالمدفعية أسفرت عن مقتل 14 وإصابة آخرين في بلدة عفرين القريبة.
واتهمت أنقرة وحدات حماية الشعب الكردية السورية بالمسؤولية عن الهجمات التي وقعت السبت وشملت هجوما على مستشفى. ونفت قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة والتي تعمل تحت قيادة وحدات حماية الشعب الكردية مسؤوليتها عن تلك الهجمات. وقالت وكالة الأناضول إن القوات المسلحة التركية، التي لها تواجد كبير في شمال سوريا، قصفت «أهدافاً إرهابية» في البلدة.
وكان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان قد قال في مؤتمر صحافي عقده في وقت سابق «سنحاسب هؤلاء الجبناء عن كل قطرة دم يريقونها». وتعتبر تركيا وحدات حماية الشعب الكردية جماعة إرهابية ذات صلة بحزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا، ونفذت عمليات توغل في سوريا لدعم المعارضة السورية المسلحة لإبعادها عن الحدود التركية.
المصدر: «القدس العربي»