محمد كساح
يسعى النظام في سورية من خلال سلسلة من القرارات الاقتصادية التي أصدرها قبيل وبعد انتخابات الرئاسة إلى التمهيد لاستحواذ شخصيات اقتصادية كبيرة موالية له على قطاعات مختلفة أهمها العقارات والاتصالات والتجارة الخارجية.
وفرض المصرف المركزي مؤخراً التعامل نقداً مع 5 مؤسسات حكومية وهي مديرية الجمارك، المؤسسة العامة للتبغ، المؤسسة العامة للتجارة الداخلية لمعادن ومواد البناء – عمران، الشركة العامة للمنتجات الحديدية والفولاذية، والمؤسسة العامة للأعلاف.
وقبلها قام بإصدار قانون البيوع العقارية الذي يحدد الضريبة على العقارات استناداً لقيمتها الفعلية الرائجة التي ستحددها لجان مختصة.
كما أصدرت وزارة النقل قراراً بأفضلية الشاحنات السورية في نقل البضائع المصدرة خارج القطر، وفي حال عدم توفرها يتم السماح للشاحنات العربية والأجنبية بالنقل عبر مكاتب تنظيم البضائع في جميع المحافظات.
في حين ذكرت وسائل إعلام موالية موافقة حكومة الأسد على تأسيس شركة اتصالات خلوية جديدة، برأسمال 10 مليارات ليرة سورية، وتحمل اسم “وفا تيليكوم”، وهي بحاجة إلى ترخيص من “الهيئة الناظمة للاتصالات” حتى تبدأ عملها.
خلفاء مخلوف
تأتي هذه القرارات وسواها في سياق إعادة النظام تشكيل طبقة رجال الأعمال، وهيكلية الاقتصاد السوري، بحسب أيمن الدسوقي الباحث في مركز عمران للدراسات، وفيما كان النظام يعتمد سابقا على شخصية اقتصادية تسيطر على الحصة الأكبر من الاقتصاد السوري وهو رامي مخلوف باتت شخصيات مثل وسيم قطان، سامر الفوز، سامر الدبس، يسار إبراهيم، خضر علي طاهر، رئيف قوتلي، آل القاطرجي، هم خلفاء رامي مخلوف بعد القضاء على نفوذه في الدولة.
ويقول الدسوقي لـ موقع تلفزيون سوريا إن معظم الإجراءات التي يتخذها النظام تتيح توليد موارد مالية جديدة في ظل تراجع إيرادات الخزينة العامة الرسمية، وإتاحة المجال لإدماج رساميل أمراء الحرب في الاقتصاد السوري الرسمي، فضلاً عن خلق مصادر للريع واستخدامها في مكافأة رجال الأعمال والمتنفذين بالنظام.
وفي هذا السياق، يمكن تفسير تنامي حيازة شخصيات من رجال أعمال صاعدين وأمراء حرب مرتبطين بالنظام على فرص اقتصادية في قطاعات اقتصادية كالاتصالات والعقارات، ومثال ذلك شركة “وفاتيل” للاتصالات المشغل الثالث لشبكة الاتصالات كما يروج، التي يمتلك يسار إبراهيم المقرب من أسماء الأسد حصصا داخلها.
ويضيف الدسوقي “آل القاطرجي أخذوا عقد ميناء طرطوس، والفوز أخذ تسهيلات لمعمل سكر، وقطان أخذ المولات، ويسار إبراهيم في قطاع الاتصالات، ورئيف قوتلي في مجال تجارة الدخان والسلع المهربة”.
قرارات على المقاس
يتفق الخبراء الذين تحدث إليهم موقع تلفزيون سوريا على أن النظام يسعى خلال المرحلة المقبلة على التركيز على شخصيات تلعب إلى حد ما الدور الذي لعبه رامي مخلوف سابقا والذي كان يعد مدير أموال عائلة الأسد.
وفي هذا السياق، يعتبر الباحث الاقتصادي سمير طويل أن النظام يفصل كل القرارات الاقتصادية وغيرها على مقاسه أو مقاس رجاله الموالين والشخصيات المتتفذة أو بما يناسب مصالح حلفائه، ويسعى النظام وفقا لـ “الطويل” إلى تكرار تجربة ما قبل العام 2011 حيث كانت القرارات تفصل على مقاس رامي مخلوف الذي كان وقتها “حوت الاقتصاد السوري” بنسبة سيطرة على الاقتصاد تبلغ 60 بالمئة.
بشكل عام وبما أن النظام يعمل على عقلية استباحة سوريا ومقدراتها يمكننا التعميم على أن أي قرار صادر عنه يصب في هذا السياق، حيث يسعى النظام لامتلاك أكبر حصة من الاقتصاد السوري سواء لعائلة الأسد أو للموالين للنظام أو حلفائه مثل إيران وروسيا.
غربلة
ظاهرياً، تبدو القرارات التي يصدرها النظام غير مبررة وأحيانا غير مسبوقة، لكنها تصب في إطار تنفيذ فكرة الاستحواذ على الاقتصاد وإرضاء مواليه وحلفائه، بغض النظر عن المجاعة التي تضرب مناطق سيطرته بالتزامن مع تدنٍ غير مسبوق في الخدمات ووجود أزمات مستفحلة في القطاعات الصحية والتعليمية والنقل.
على سبيل المثال: يمكن تفسير قيام النظام بفرض التعامل النقدي مع 5 مؤسسات حكومية بالسعي لغربلة أصحاب الرساميل الصغيرة تمهيدا لاستحواذ شخصيات أكبر.
يقول خالد التركاوي الباحث في مركز جسور للدراسات إن التعميم الذي يفرض التعامل بالكاش مع إدارة كالجمارك يهدف لأن يكون لدى المستوردين ملاءة مالية من نوع معين وأن لا تعتمد في عمليات الاستيراد على القروض من المصارف أي أنها تطمح لخلق سيولة جديدة في البنوك بعد أن عزف كثير من التجار على التعامل عبرها.
هذه الخطوة يمكن قراءتها في سياق أعم، وهو محاولة إعادة ترميم المنظومة المالية وضبط التعاملات الخاصة بالتجارة الخارجية ويضيف التركاوي بأن “التجارة الخارجية في السابق دخلها تجار صغار، والنظام يريد إعادة التركيز على أمثال مخلوف لأن الشروط الجديدة المتعلقة بالكاش سوف تغربل التجار الصغار لصالح أشخاص أكبر”.
المصدر: تلفزيون سوريا