أثارت تصريحات الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، حول عدم إمكانية تغيير رئيس النظام السوري، بشار الأسد، لأن الولايات المتحدة الأمريكية لا تجد بديلًا مناسبًا عنه، تساؤلات حول موقف روسيا من الأسد، وخاصة بعد أن تحدث نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، عن إمكانية إجراء انتخابات رئاسية مبكرة في سوريا بشروط، وذلك بعد أسابيع فقط من مباركة روسيا فوز الأسد بانتخابات الرئاسة السورية لعام 2021.
وانتقد بوتين، في مقابلة له، في 14 من حزيران، مع شبكة “NBC“، الرئيس الأمريكي، جو بايدن، والسياسة الأمريكية في التعاطي مع الصراعات في بلدان كأفغانستان وليبيا وسوريا، موضحًا أنه سأل نظراءه الأمريكيين، “هل تريدون أن يرحل بشار الأسد، ومن سيحل محله، وماذا سيحدث في البلاد عندما يتم استبداله بشخص ما”.
وأضاف بوتين، أنه تلقى إجابة “غريبة”، كان مضمونها “لا أعرف”، معلقًا على الجواب، “إذا كنت لا تعرف ماذا سيحدث بعد ذلك، فلماذا تغير ماسيحدث”.
وربط بوغدانوف، في حديث له في 3 من حزيران الحالي، إجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة، بشرط التوصل إلى اتفاق بين حكومة النظام السوري والمعارضة على دستور جديد، الأمر الذي يجتمع لإنجازه الطرفين منذ شهور طويلة دون إحراز نتائج، ووسط اتهامات للنظام بتعطيل جدول أعمال الاجتماعات.
وكتأكيد على نية روسيا “السليمة”، أكد بوغدانوف، أن الجولة 16 من مسار “أستانة” حول سوريا ستُعقد مع الدول الضامنة (تركيا وروسيا وإيران)، في العاصمة الكازاخية، نور سلطان، قبل نهاية شهر حزيران الحالي، مضيفًا أن الجانب الروسي سيجري اتصالات مع شركائه الإيرانيين والأتراك بشأن هذه المسألة.
روسيا تهتم بتعويم النظام وتدعم تصالحاته
تصريحات نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، لا تنطلق من كون روسيا تملك مباردة جدّية لإجراء انتخابات مبكرة في سوريا، بل تأتي في سياق الحديث العام عن ضرورة دفع مسار الإصلاح الدستوري السوري وعمل اللجنة الدستورية، وهي موجهة بالدرجة الأولى لخلق أجواء إيجابية ليس أكثر من ذلك، بحسب ما يرى الصحفي والخبير في الشأن الروسي، رائد جبر، في حديث إلى عنب بلدي.
واعتبر رائد جبر أن التصريحات الروسية لا تدل على أي تحرك سياسي حقيقي لدى روسيا، ولا تُغير شيئًا على أرض الواقع.
تقوم العناصر الرئيسية للتحرك الروسي في سوريا الآن باتجاه واضح هدفه تعويم النظام السوري ومحاولة حشد تأييد إقليمي ودولي للنظام، الذي يعتبر متوفرًا إلى حد ما لدى بعض الدول الأوروبية والإقليمية، وفقًا للخبير رائد جبر.
وحول مسألة تعويم النظام، تحدث رائد جبر عن قناعة روسية بدأت تتضح الآن، بأن الوضع العام والظروف أصبحت مناسبة أكثر من السابق لإعادة تعويم النظام، وبعد عشر سنوات من الحرب في سوريا بدأ جزء من النظام العربي الإقليمي يبدي توافقًا مع القناعة الروسية.
بالإضافة إلى بعض الدول الأوروبية التي تعبت من الأزمة السورية، وأصبحت ترى أن وجود حل لها أمر ملح بغض النظر عن طبيعة هذا الحل، لتهدئة الموقف والانتقال الى العملية السياسية.
وفي كانون الثاني الماضي، قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إن المملكة العربية السعودية وروسيا تجمع بينهما عدة نقاط بما يخص سوريا، أبرزها عودة النظام إلى جامعة الدول العربية، وذلك خلال مؤتمر صحفي جمعه مع نظيره السعودي، فيصل بن فرحان، في روسيا.
وفي آذار الماضي، قال رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس “الدوما” الروسي، ليونيد سلوتسكي، إن روسيا تبذل جهود سياسية ودبلوماسية كبيرة لإعادة دمشق إلى جامعة الدول العربية.
الثغرات السياسية مفتاح روسيا
لا تتعامل روسيا في سياستها مع الاعتراضات والمواقف الغربية بتقديم تنازلات لها، بحسب ما قال الخبير في الشأن الروسي رائد جبر، مؤكدًا أن سياسة روسيا في سوريا تستند إلى استغلال الثغرات السياسية الرئيسية الموجودة في المنطقة.
وحول تلك الثغرات، أوضح جبر أن أهمها هو موقف الرئيس الأمريكي، جو بايدن، تجاه سوريا الذي لم يتبلور للآن، بالإضافة إلى شعور بعض الدول بالإرهاق من الأزمة السورية وسعيهم إلى الوصول لتسويات أو على الأقل إطلاق عملية سياسية، وهذا ما تفهمه موسكو تمامًا.
روسيا تلتف على القرار “2254” بإعادة الإعمار
أوضح الخبير في الشأن الروسي رائد جبر، أن المشكلة الكبرى التي تعترض روسيا في سوريا ليست فقط في الموضوع الميداني السياسي العسكري، إنما في الموضوع الاقتصادي أيضًا، لذا يبدو أن موسكو جاهزة مع عدد من حلفائها كالصين وبيلاروسيا، للمساهمة في بدء مشروع إعادة الإعمار وتقليص التداعيات الاقتصادية وتمكين النظام للصمود خلال فترات قادمة اقتصاديًا ومعيشيًا.
وقد يكون هذا العنصر مهمًا بالنسبة لدفع العملية السياسية وفقًا للرؤية الروسية والتأويل الروسي للقرار “2254”، والتي قد لا تكون متوافقة مع العملية السياسية التي يتطلع إليها المجتمع الدولي، إذ تنظر روسيا للعملية السياسية بأن الاستحقاق الدستوري هو المرحلة الأولى، لتأتي بعدها مرحلة الإصلاح الدستوري، ليجري بعدها خلق حالة مفاوضات عامة حول الملفات الأخرى، دون أن تصل الأمور إلى درجة الانتقال السياسي الكامل كما ورد في القرار الأممي.
وشهدت العلاقات الاقتصادية السورية الروسية تطورًا كبيرًا بعد التدخل العسكري الروسي في سوريا ودعمها للنظام ما جعلها في مقدمة الدول المنادية بإعادة الإعمار.
وأكدت روسيا على موقفها في برقية تهنئة أرسلها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بعد إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية، مخاطبًا الأسد، قال فيها إن الجانب الروسي سيواصل تقديم الدعم للنظام السوري في “محاربة الإرهاب”، ودفع عملية التسوية السياسية، وإعادة إعمار البلاد بعد انتهاء الصراع.
وكان ممثل “مركز المصالحة الروسي”، صيتنيك فياتشيسلاف بوريسوفيتش، أعلن في كانون الثاني الماضي، خلال المؤتمر الصحفي السوري- الروسي المشترك الذي عُقد في دمشق، عن دراسة مشاريع تتعلق بإعادة الإعمار في سوريا بهدف عودة اللاجئين السوريين.
وأضاف بوريسوفيتش، أن “مركز المصالحة” يعمل بالتعاون مع وزارة الإدارة المحلية والبيئة في حكومة النظام السوري على دراسة إعادة تأهيل البنى التحتية في سوريا.
وكانت روسيا تحدثت في مؤتمر “اللاجئين” الذي عُقد في 11 و12 من تشرين الثاني 2020 برعايتها، عن تخصيصها مليار دولار لإعادة الإعمار في سوريا.
ووقّعت روسيا على هامش المؤتمر، مع وزارة الأشغال العامة والإسكان في حكومة النظام السوري، مذكرة تفاهم لـ”تعزيز التعاون وتبادل المعلومات والخبرات ونتائج البحوث المتعلقة بمهام وإمكانيات الطرفين في مجالات الأشغال العامة والإسكان”.
“أستانة” مستمرة وهدف المعارضة: “سوريا من دون الأسد”
المتحدث الإعلامي لوفد المعارضة إلى “أستانة”، أيمن العاسمي، قال في حديثه إلى عنب بلدي، إن روسيا لا يمكن أن تكون وسيطًا أو جزءًا من الحل السياسي في سوريا، لأنها “تحتل الأراضي السورية”، وتساعد النظام على ارتكاب المزيد من الانتهاكات.
وأوضح العاسمي، أن الجولة المقبلة من “أستانة”، ستجري للتأكيد على رفض المعارضة “للانتخابات الهزلية” التي جرت، ولتوضيح مطالبها حول عدم القبول إلا بهيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات، دون وجود لنظام الأسد، أو الميلشيات الإيرانية التابعة له، للحفاظ على حياة المدنيين في سوريا.
وأضاف العاسمي أن قضية اجتماعات “أستانة”، يجب أن تستمر، لأن نهجها الأساسي عسكري، وما دامت انتهاكات النظام وإيران مستمرة “بصمت روسي” لاتفاقات “أستانة”، فيجب على المعارضة الاستمرار في الحديث عن الأمور العسكرية.
ومنذ نهاية آذار الماضي، يجري التحضير لجولة جديدة من أعمال اللجنة الدستورية السورية، التي تضم ثلاثة وفود (المعارضة والنظام والمجتمع المدني)، بهدف وضع دستور جديد لسوريا وفق قرار الأمم المتحدة “2254”، ولكن حتى الآن لم يتم الاتفاق على موعد محدد لإجراء الجولة السادسة منها.
واختتمت الدول الضامنة لمسار “أستانة”، في شباط الماضي، أعمال الجولة الـ15 من المحادثات التي جرت في مدينة سوتشي الروسية على البحر الأسود، وتضمن البيان الختامي لها، الحفاظ على اتفاق “موسكو” في إدلب شمال غربي سوريا، ورفض مبادرات “الحكم الذاتي”، وهو ذاته ما تضمنته الجولة السابقة في كانون الأول 2019.
المصدر: عنب بلدي