منير الربيع
يعيش لبنان مسلسلاً سياسياً لا طعم له ولا معنى، لكنه مُكْلف في ما يسببه من انهيارات. يوم بعد آخر، وأسبوع بعد أسبوع، هناك حدث سياسي-إعلامي يشغل اللبنانيين ويلهيهم، ويؤدي إلى انكسار شعبي هائل، يحول الناس أسرى ترتيب أمورهم البسيطة: توفير مادة البنزين أو المازوت أو الدواء.. فينحصر اهتمامهم بحاجياتهم الحياتية، التي تجعل أوقات ترفيهم الوحيدة مراقبة الاشتباكات الكلامية التي تفتعلها القوى السياسية في ما بينها، فتستنفر العصبية التي يمكن أن تعوض عن حال الاستسلام السياسي التي يعيشها الجميع.
تحطيم السياسة الشعبية
ماذا لو كانت السلطة متماسكة، وهناك حكومة يشارك فيها الجميع بموازاة هذا الانهيار والأزمات المتراكمة والمتلاحقة؟ ربما كان الانقسام البديهي هو بين السلطة والشعب، على غرار تجربة 17 تشرين. فالخلافات القائمة حالياً حاجة حيوية لأركان السلطة، ليبقى الجمهور مشدوداً للعبة التي يديرونها من دون دخول أي طرف إلى ملاعبهم.
وهكذا تصبح لهذه الخلافات كلها وظيفة أساسية: ملء الفراغ بنزاعات وصراعات مستمرة على أسس سياسية، مذهبية وطائفية وما شابه. وبذلك بدلاً من أن يكون النقاش والخلاف والسجال بين حكومة وشعب، يصبح بين: رئيس مجلس نواب ورئيس جمهورية، ورئيس حكومة مكلف ورئيس جمهورية، وحزب الله والتيار العوني وتيار المستقبل.. وغيرها من قوى وجهات خَبِر اللبنانيون آليات منازعاتها كثيراً. وتجيد القوى السياسية كيفية الاستثمار فيها سياسياً وانتخابياً. وهكذا تظل قواعد اللعبة محفوظة وفق توجهات هذه القوى.
الداخل والخارج
ومن الأسئلة المطروحة عما يجري: هل هو انقسام مسلم-مسيحي، أم أنه تحالف بين قوى الطائف والقوى المعارضة لهذا الاتفاق؟ وفي الحالين، تكون المواجهة الأساسية بين هذين الطرفين. فحزب الله لم يكن شريكاً في الطائف مباشرة، فطلب منه العوني جبران باسيل (الذي استبعده الطائف) أن يكون الحكم، كما طلب (باسيل) من سمير جعجع، الذي ظُلم في التطبيق السوري للطائف، اتخاذ موقف.
وهذه الوقائع تقود إلى استمرار أفق التصعيد. وهناك من يحاول تصوير نبيه برّي وسعد الحريري بأنهما يحاولان الدفاع عن مصالحهما، في مواجهة التيار العوني لانتزاع مصالحهما، بمناشدتهما حزب الله.
وهكذا يندفع لبنان إلى الغرق في الأزمة الأكبر، والتي لن يعود أي تطور خارجي قادر على حلّها. وحتى الرهان على الاتفاق النووي ليكون مدخلاً للحلّ، لا يعود واقعياً، لأن المعركة تصبح حينذاك على هوية البلد وشكله وانتظام العمل فيه. أي أن انتظار التطورات الدولية لن يؤدي إلى حلّ الأزمة. لأن ما يجري هو صراع داخلي على المصالح والنفوذ وتوازن القوى، وتستخدم فيه الأسباب الخارجية ذرائع واهية فقط.
الشيعة بين الدولة المقاومة
الصراع حتمي. أما تأجيله بالانتخابات أو سواها، فيقود إلى فراغات دستورية كبيرة، ليترافق الانهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي مع انهيار الاستقرار وموازين القوى، سعياً إلى التغيير، ومحاولة كل طرف لتعزيز أوراقه وتمكين نفسه في بنية النظام.
لكن حزب الله لا يريد الدخول في أي نقاش حول الصيغة والنظام. فهو لا يريد الإجابة على سؤال أساسي، قبل الوصول إلى تلك المرحلة: هل يريد تمثيل “شيعة الدولة” أم الاستمرار في تمثيل “شيعة المقاومة”.
حتى الآن لم يحسم حزب الله خياره ووجهته. وهذا ما يضعه في ازدواجية تدمج بين شيعة الدولة وشيعة المقاومة. وهو يؤجل هذه الاستحقاقات إلى أمد طويل. وهذا المسار لا يقود إلا إلى خيارات انتحارية، لا بد أن تؤدي إلى انفجارات متتالية لن يتمكن أحد من ضبطها.
المصدر: المدن