مالك الحافظ
تبتعد الواقعية عن التقارير القائلة بتحضير أوراق ملف التطبيع العربي مع دمشق خلال الاجتماع الدولي المتعلق بسوريا في مدينة روما الإيطالية بموازاة اجتماع أعضاء “التحالف الدولي” الذي دعت إليه الولايات المتحدة.
لم تدلل قمة جنيف الثنائية بين الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، أن بحث الملف السوري بينهما كان واسع التناول وإيجابي الرؤى المشتركة، ولا سيما أن الرؤية الأميركية غير الواضحة في سوريا لا يمكن أن تنقلب في غضون وقت قصير، فأي استراتيجية كانت تبنيها واشنطن خلال الأشهر الستة الماضية منذ تولي بايدن رئاسة البيت الأبيض؟ حتى تذهب للتباحث في روما بإمكانية تطبيع عربي مع دمشق مقابل تعاطٍ إيجابي لموسكو بزيادة عدد معابر المساعدات الإنسانية في سوريا. مع التنويه هنا بأن بايدن عاد للتلويح مجددا بفرض عقوبات جديدة على دمشق ضمن إطار “قانون قيصر” خلال لقائه بوتين.
تملك واشنطن عدة أوراق بيدها قبل الاستعجال بتطبيع عربي مع دمشق قد يكون أولى محطات مرحلة إعادة الإعمار ضمن الرؤية الروسية. فبدلا من التعجل بضوء أخضر لتطبيع سياسي يقضي على مفاعيل “قيصر”، يمكن لواشنطن المضي نحو تخيير دمشق وموسكو بتجميد مؤقت لعقوبات “قيصر” مقابل انفتاح أكبر على ملف المساعدات الإنسانية والابتعاد عن تسييسها، ليكون ذلك بمنزلة أولى الخطوات الواقعية التي تؤسس لبناء الثقة بين الطرفين.
قد يُفسر التناقض الحاصل في نقل بعض التقارير الصحفية عن رغبة واشنطن بتطبيع عربي مع دمشق، بطبيعة النوايا لدى بعض الدول العربية والتي تريد العودة إلى دمشق كعمق عربي مناوئ لإيران، وهو في هذا المقام ما قد لا تريده أيضاً واشنطن ولا سيما إذا ما تم اعتباره عاملاً سلبياً يؤثر على استراتيجية واشنطن القصيرة الأمد في ملف الاتفاق النووي الإيراني والمفاوضات غير المباشرة مع طهران حيال ذلك.
خطوة مقابل خطوة، هي السياسة التي ستعتمدها واشنطن في الملف السوري، وما يمكن أن يقدمه الجانب الأميركي للروس بعد تمديد آلية إدخال المساعدات عبر الحدود من خلال أكثر من معبر، هو استمرار وقف التصعيد الدبلوماسي عبر عقوبات “قيصر”، وأما الخطوة التي تليها هي مراقبة النهج العسكري للروس في الشمال السوري والضغط لإيقافه من أجل البدء بمباحثات التسوية في سوريا، ولا سيما أن بايدن حدد مهلة 6 أشهر كحد أدنى لاختبار جدية بوتين في سوريا وبحث إمكانية تحقيق حوار استراتيجي بين الطرفين.
إذاً مرحلة اختبار بايدن النصف سنوية، وتصريحات الخارجية الأميركية خلال اليومين الماضيين التي تم التأكيد خلالها بمنع إقامة أية علاقات دبلوماسية/سياسية مع دمشق، يلغي أية تأويلات وادعاءات بأن اجتماع روما يحمل معه تغييراً جذرياً في علاقات المحيط الإقليمي مع دمشق، عبر توجيهات أميركية.
مباحثات الاجتماع الخاص بسوريا، تأتي للتركيز أكثر على خصوصية الوضع في سوريا من ناحية وجود عشرة آلاف مقاتل داعشي محتجز هناك، إضافة إلى أعداد كبيرة من عائلاتهم في مخيمات الشمال الشرقي، وكذلك تركز على سياسة المرحلة المقبلة للتحالف الدولي في سوريا انطلاقا من تجديد واشنطن لبقاء قواتها العسكرية في سوريا وحتى احتمالية زيادة عناصرها خلال الفترة المقبلة.
سياسة الدعم المالي المقدم لسوريا عسكريا للتحالف وإنسانيا عبر مظلة الدول المانحة، من الملفات المبحوثة في روما، ولا سيما أن دول التحالف وممثلي الدول المجتمعة يتوافقون في دعم المسار الإنساني، إلى جانب إيقاف كل النشاطات الإرهابية في سوريا لتأمين الاستقرار هناك.
لا يعني عدم بحث التطبيع العربي أو الأوروبي مع دمشق خلال اجتماع روما، أن هذا الملف لا يمكن أن يكون مثار التفاوض بين واشنطن وموسكو خلال فترة لاحقة -قريبة كانت أم بعيدة- حيث يبقى هذا الملف يهم كلّاً من الولايات المتحدة وروسيا كل بحسب رؤيته في سوريا، إلا أن حضوره في هذا الوقت يبقى بعيدا عن الحدوث، ويبقى مجالا مناسبا للتأويل ليس إلا.
واشنطن تنتظر إبداء حسن النية من روسيا في مطلع الشهر المقبل في مجلس الأمن الدولي، وهي ليست بوارد أن تُقدم للروس أية امتيازات كبرى -سلفاً- مقابل صفر ثقة. واشنطن لديها الجانب التركي الذي تستطيع من خلاله تقوية حضورها في الشمال الغربي من سوريا وحتى منحها دعما في إقامة منطقة آمنة أو فتح ملف مكافحة القوى الإرهابية هناك. إضافة إلى ذلك تستطيع ترويض طهران أكثر من تركها تؤجج استقرار المنطقة بالانطلاق من سوريا وتحييدها عن روسيا، فضلا عن إمكانية تحرك أميركي أكثر تأثيرا على الأوضاع الميدانية والسياسية بالانطلاق من الشمال الشرقي بسوريا، لذا فإن واشنطن ليست بموقف ضعيف حتى تذهب لمناقشة تطبيع واسع التأثير بين دمشق ومحيطها، من دون حدوث أي تحركات جادة تفضي لتغيير حقيقي في سوريا.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا