يُعد نقص المعدات والخدمات الطبية التي تصل إلى مناطق شمال غربي سوريا، أبرز المخاوف التي تتربص بالسكان إذا لم يُجدد تفويض دخول المساعدات عبر معبر “باب الهوى” الحدودي مع تركيا، آخر المعابر الإنسانية المُتبقية.
وسيجدد التفويض الخاص بعملية عبور المساعدات عبر الحدود في 10 من تموز المقبل في مجلس الأمن الدولي، ويحتاج قرار تمديد موافقة المجلس إلى تسعة أصوات مؤيدة، وعدم استخدام حق “النقض” (الفيتو) من أي من الأعضاء الخمسة الدائمين، روسيا والصين والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا.
وأظهرت موسكو بشكل واضح نيّة مسبقة لمنع قرار تجديد تفويض آخر المعابر المتبقية، حسب تصريحات وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، في 22 من حزيران الحالي، التي ألمح فيها عبر بيان شفوي نقله إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى أن روسيا ستمنع الأمم المتحدة من تجديد تفويض معبر “باب الهوى”.
وتريد روسيا إيصال المساعدات عبر حكومة النظام السوري، لإكسابه بعض الشرعية أمام المجتمع الدولي، إذ قال لافروف إن موسكو لا توافق الأمم المتحدة والدول الغربية الرأي بشأن عدم وجود بديل لإيصال المساعدات الإنسانية إلى شمال غربي سوريا إلا عبر تركيا.
بالمقابل، أصدرت “لجنة الإنقاذ الدولية”، في 11 من حزيران الحالي، بيانًا موقّعًا من 42 منظمة غير حكومية تحذر فيه من أن عدم تجديد القرار من شأنه أن يعرّض وصول المساعدات الغذائية لأكثر من مليون شخص للخطر، فضلًا عن لقاحات فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) والإمدادات الطبية الضرورية والمساعدات الإنسانية للعديد من الأشخاص الآخرين، و سيوقف حملة التلقيح التي تقودها الأمم المتحدة ضد فيروس “كورونا”، للأشخاص الذين يعيشون في شمال غربي سوريا.
تواصلت عنب بلدي مع منظمة الصحة العالمية للاستعلام حول الحلول البديلة المطروحة لديها، لإيصال المساعدات الطبية في حال عدم تجديد تفويض إدخال المساعدات عبر معبر “باب الهوى”، وإذا ما كانت ستجد عبر دمشق طريقًا بديلًا، إضافة إلى موعد وصول الدفعة الثانية من لقاحات فيروس “كورونا” إلى مناطق الشمال الغربي.
حلول بديلة.. تخزين المساعدات الطبية قبل انتهاء التفويض
قالت مسؤولة الإعلام والاتصال في “الصحة العالمية”، إيناس همام، في مراسلة إلكترونية مع عنب بلدي، إن استجابة الأمم المتحدة لإدخال المساعدات على نطاق واسع عبر الحدود لا تزال أمرًا بالغ الأهمية، والفشل في تجديد تفويض قرار الأمم المتحدة من شأنه أن يقلل بشكل كبير من العمليات الإنسانية الأساسية، ويمكن أن “يغرق شمال غربي سوريا في كارثة إنسانية أخرى”.
وأضافت همام أن توزيع لقاحات فيروس “كورونا” لملايين الأشخاص عبر الحدود سينتهي، وكذلك برنامج التلقيح الموسع (EPI) لتطعيم الأطفال، فضلًا عن إعاقة تقديم أنشطة صحية أساسية أخرى، بما في ذلك الرعاية المنقذة للحياة من الأمراض المزمنة غير المعدية.
وأوضحت المنظمة لعنب بلدي أنه كحل طارئ، تبذل “الصحة العالمية” جهودًا لتخزين الأدوية الأساسية وإمدادات مستلزمات فيروس “كورونا”، كمعدات الحماية الشخصية (PPE) ومستلزمات الوقاية من العدوى ومكافحتها (IPC) في شمال غربي سوريا وتركيا، إذ سيتم تسليمها قبل 10 من تموز المقبل، وذلك لتأمين مخزون كافٍ لتغطية الاحتياجات لمدة ستة أشهر، بناء على معدلات الاستهلاك الحالية.
وبحسب همام، هذا المخزون الإضافي من المستلزمات الطبية لن يكون كافيًا إذا كانت هناك زيادة في الحاجة، وبالتالي، إذا لم يتم التصريح بالعمليات العابرة للحدود، فسيكون من الضروري إيجاد بدائل متوسطة، إلى طويلة الأجل، لضمان استمرارية الخدمات الصحية الأساسية في شمال غربي سوريا، وتوزيع لقاحات “كورونا”.
خطوط دمشق خيار مُقترح
اعتبر وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، أن على روسيا مقاومة أساليب “الابتزاز” التي تتخذها الدول المانحة، إذ اتهم في تصريحاته المانحين بأنهم يهددون بقطع المساعدات لسوريا إذا لم يتم تمديد تفويض “باب الهوى”.
وقال، “نعتقد أن المزيد من التنازلات للأمريكيين والأوروبيين تحت ضغط التهديدات المالية ستقوض مصداقية الأمم المتحدة وميثاقها، وقرارات مجلس الأمن التي تنص على احترام سيادة سوريا وسلامتها الإقليمية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلد، والامتثال للقانون الإنساني الدولي”.
وبحسب معلومات تلقتها روسيا، وصرّح بها لافروف، فإن الأمم المتحدة تعمل حاليًا بنشاط، على طرق بديلة لإيصال المساعدات الإنسانية في حالة إغلاق معبر “باب الهوى”.
إضافة إلى أن ممثلين عن “برنامج الغذاء العالمي” التابع للأمم المتحدة، الذي يوفر 80% من الشحنات عبر الحدود، اتفقوا بالفعل مع دمشق ويواصلون السعي للحصول على موافقة أنقرة لملء مستودع “برنامج الأغذية” في بلدة سرمدا بمنطقة “خفض التصعيد” في إدلب، عبر خطوط تسليم.
وأشار لافروف إلى أن منظمة الصحة العالمية “تميل نحو خيار مماثل” لتقديم الإمدادات الطبية، بما في ذلك لقاحات فيروس “كورونا”، فلدى المنظمتين تعاون جيد التنظيم مع السلطات السورية، على حد قوله.
من جهتها، قالت مسؤولة الإعلام والاتصال في “الصحة العالمية”، إيناس همام، لعنب بلدي، إن توجيه قوافل المساعدات عبر خطوط التماس بين دمشق وشمال غربي سوريا، هو خيار آخر مطروح.
وعلى الرغم من جهود الأمم المتحدة الكبيرة والمستمرة، لم تكن هناك أي قوافل لإيصال المساعدات عبر الخطوط من دمشق إلى شمال غربي سوريا منذ عام 2018، حسب همام.
وأضافت أن قوافل المساعدات عبر المعابر الداخلية، حتى ولو جرى إيصالها بشكل منتظم، لا يمكن أن تماثل حجم ونطاق عمليات إيصال المساعدات عبر الحدود الحالية، على المدى القصير والمتوسط.
بدأت “الصحة العالمية” بالتخطيط مع فريق الأمم المتحدة القطري الإنساني تحت إشراف “مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية” (OCHA)، لإيصال قوافل عبر الخطوط المحتملة إلى شمال غربي سوريا، كما حجزت المنظمة أدوية تكفي لـ50 ألف علاج يمكن تضمينها في أول قافلة للأمم المتحدة متاحة عند تفويض كهذا، بحسب ما قالته همام.
وأشارت إلى أنه تماشيًا مع وكالات الأمم المتحدة الأخرى، كانت منظمة الصحة العالمية جزءًا من جهود الأمم المتحدة والتخطيط التشغيلي، باعتبارها واحدة من الوكالات المشاركة في القوافل المشتركة بين الأمم المتحدة و”اللجنة الدولية للصليب الأحمر”.
ودعا الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في 14 من حزيران الحالي، إلى وضع المساعدات تحت سيطرة “الصليب الأحمر” و”الهلال الأحمر”، لنفي الاعتقادات بأن حكومة النظام ستسرق أو تنهب المساعدات، إذا حصرت طرق إدخالها عن طريق مناطق نفوذها.
ولا تحظى منظمة “الهلال الأحمر السوري” بقبول محلي في مناطق المعارضة، بسبب تغلغل النظام السوري في المؤسسة التي يعيّن مديريها، ويجيّرها لأهدافه السياسية.
الدفعة الثانية من لقاح “كورونا”.. متى؟
وصلت الدفعة الأولى من لقاح فيروس “كورونا” المرسل وفق برنامج “كوفاكس” من منظمة الصحة العالمية، عبر معبر “باب الهوى” في 21 من نيسان الماضي.
وبلغ عدد جرعات الدفعة الأولى 53 ألفًا و800 جرعة، من لقاحات معهد “مصل أسترازينيكا الهند” (AZSII).
وخُصصت الدفعة الأولى لتطعيم الكوادر الصحية وموظفي المنظمات الإنسانية، على أن يؤجل تطعيم المسنين فوق 60 عامًا، والأشخاص المصابين بأمراض مزمنة من عمر 25 عامًا إلى 59 عامًا، لحين وصول دفعات ثانية من اللقاح، بحسب حديث سابق لعنب بلدي مع الطبيب محمد سالم، العامل في “فريق لقاح سوريا”.
وطرحت عنب بلدي سؤالًا على “الصحة العالمية” حول موعد الدفعة الثانية من اللقاح، التي بدورها أجابت أنه لا توجد حاليًا تفاصيل واضحة حول موعدها.
وأوضحت مسؤولة الإعلام والاتصال في المنظمة، إيناس همام، أن وصول الدفعة الثانية يعتمد على العديد من العوامل، بما في ذلك توفر اللقاح في السوق العالمية والقدرة على التصنيع والشراء والاستثمار في التسليم.
وشرحت أن المنظمة تبذل قصارى جهدها لضمان استمرار حملة التطعيم ضد الفيروس، والعمل مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) و”التحالف من أجل اللقاحات” (غافي)، لتسريع تسليم الدفعة الثانية والدعوة إلى تسليمها في الوقت المناسب بموجب آلية “كوفاكس”.
المصدر: عنب بلدي