هاميش ماكراي
يرى هاميش ماكراي أن إلغاء القيود المفروضة بسبب كورونا ممكن لكن إلغاء التجارب التي تعلمناها متعذر. ما الذي تعلمناه من الإغلاق؟ بوسعنا أن نرى المسار إلى إعادة فتح الاقتصاد على نحو أو آخر، وهو المسار الذي تسلكه اقتصادات أخرى في مختلف أنحاء العالم بطريقة أو بأخرى. لكن هذا الأمر لن يكون هو نفسه، أليس كذلك، فهو حصل قبل 18 شهراً؟ إن إلغاء القيود المفروضة بسبب كوفيد-19 ممكن لكن إلغاء التجارب التي تعلمناها غير ممكن – سواء كانت جيدة أو سيئة. ولن نتمكن من وضع سجل مناسب بما تعلمناه طيلة أشهر عديدة، وربما سنوات. لكن بوسعنا أن نفكر في بعض الدروس المبكرة. إليكم 10 دروس محتملة، خمسة إيجابية على نطاق واسع، وخمسة سلبية على نطاق واسع.
الأول – والأكثر وضوحاً – هو آلية التوزيع عبر الإنترنت. لقد ارتفعت نسبة المبيعات بالتجزئة عبر الإنترنت في المملكة المتحدة من 20 في المئة إلى نحو 30 في المئة، على رغم أنها لم تستقر بعد. وربما كان هذا الوضع أكثر فعالية وجدوى: فالرحلات على الطرق أصبحت أقل، وفواتير الطاقة أصبحت أدنى في المخازن الواقعة خارج البلدات منها لمحلات السوبرماركت.
والثاني، الواضح بالقدر نفسه، هو ثورة العمل من المنزل. وهو لم يستقر على الإطلاق، ويتلخص حدسي في أننا سنجد أغلبنا يعودون إلى المكاتب في أغلب الوقت. ولنتذكر أيضاً أن هذا الاختيار لم يكن متاحاً للعديد من الناس الذين عانوا لتقديم الخدمات الأساسية، وفي بعض الأحيان تعرضوا إلى خطر هم أنفسهم. لكن حتى لو أصبح العمل المكتبي هو القاعدة من جديد، سنكون قد تعلمنا أساليب أكثر كفاءة في القيام بوظائفنا. وسنستخدم الاتصالات على نحو أكثر فاعلية: فيقل الوقت المستغرق في السفر إلى الاجتماعات، ويزيد في العمل المنتج.
ثالثاً، تعلمنا أهمية المتاجر المحلية المتخصصة والموردين المحليين المتخصصين. فسلاسل الإمداد العالمية المعقدة إلى حد كبير خفضت التكاليف، وبهذا المعنى جلبت منافع إلى المستهلكين. لكنها كانت هشة – فلننظر إلى الضربة التي تلقاها قطاع إنتاج السيارات بسبب نقص الشرائح – وكشفت الجائحة عن هذه الهشاشة. وعلى كل المستويات سيصبح الاقتصاد أكثر قوة.
وهذا يقودنا إلى الدرس الرابع. كان الناس في شكل عام مرنين للغاية في مواجهة شيء لم نخبره من قبل: المرونة في عملنا ومشاريعنا الترفيهية، وأيضاً في الطريقة التي نتعامل بها مع العلاقات الشخصية. وكان لزاماً أيضاً على الشركات أن تصبح أكثر مرونة – وابتكاراً. لكن من المؤسف أن بعض الشركات لم تستمر، لكن إذا أخذنا المستوى العام من العمالة، فهو كان قريباً من مستويات ما قبل انتشار الجائحة في الفصل الواقع بين فبراير (شباط) وأبريل (نيسان). وسيكون ثمة اختبار مع التخفيف من برنامج الإجازات المدفوعة تمهيداً لوقف العمل به، لكن استطلاعاً أجرته مؤسسة “كاي بي إم جي” الشهر الماضي أفاد بأن سوق العمل الآن هي في أقوى وضع منذ 20 سنة.
أما الفكرة الخامسة فهي عالمية حقاً. هي تتعلق بأن هذا الخليط من الدعم الحكومي والتعاون الدولي والمنافسة التجارية تمكن من الاستمرار في إنتاج البضائع والخدمات، وفي تطوير اللقاحات في شكل حاسم، على رغم الفوضى. وهناك العديد من العيوب التي تشوب اقتصاد السوق العالمي، لكن هذه السوق أدت المهمة التي كان عليها أن تقوم بها.
والآن إلى الدروس الخمسة الأقل إيجابية، إذ تعلمنا حدود التحول إلى عالم قائم عبر الإنترنت. بداية، يبدو أن التعليم عبر الإنترنت لا يعمل في شكل جيد. فقد أظهر تقرير صادر عن معهد السياسات التعليمية ومؤسسة “التعلم النهضوي” أن أطفال المدارس الابتدائية متأخرين أكثر من شهرين في القراءة وثلاثة أشهر في الرياضيات عندما أُعِيد افتتاح المدارس في مارس (آذار). ويعتقد معهد دراسات المالية العامة أن الشبان سيحققون عوائد أقل طيلة حياتهم نتيجة لما ضاع من التعليم المدرسي. بعد ذلك، وعلى رغم أن أغلب الشركات حاولت الاستمرار في التوظيف والتدريب للشبان الذين يبدأون حياتهم المهنية، أثبت التدريب التوجيهي عبر الإنترنت أن إدارته صعبة. وهناك خطر يتمثل في أن الأشخاص الذين دخلوا إلى سوق العمل للمرة الأولى في العام الماضي سيعانون من حرمان مدى الحياة. ففي حين يستطيع الأشخاص المكرسين في حياتهم المهنية والذين يتمتعون بشبكة من جهات الاتصال أن يعملوا من دون اجتماعات مباشرة، لا يستطيع العاملون في سن مبكرة بناء الشبكات التي سيحتاجون إليها في وقت لاحق.
أما السلبية الثالثة فكانت الكفاءة المحدودة للحكومات. وهذا لا يعني في شكل خاص انتقاد سياسات المملكة المتحدة، ولو أن هناك العديد من الأسباب التي قد تدفعنا إلى ذلك. بل هو ملاحظة أن الحكومات في مختلف أنحاء العالم تعثرت في استجاباتها. وحققت بعض الحكومات نجومية – تايوان؟ – لكن حتى الحكومات صاحبة الأداء الجيد في وقت مبكر مثل ألمانيا تعثرت. ربما يتوقع الناخبون قدراً أعظم مما ينبغي من الحكومات، لكن معرفة حدودها كان مقلقاً.
كذلك رأينا أيضاً حدود “الخبراء”. كانت بعض أجزاء المجتمع الأكاديمي رائعة: واضحة وحذرة، وتعترف بحدود معارفها. وكانت بعض الأجزاء الأخرى سيئة الطباع – ووجدت صعوبة في الاعتراف بخطئها عندما ثبت أنها كانت خاطئة تماماً.
والملاحظة الأخيرة ليست سلبية بقدر ما هي عامة. لقد تعلمنا كثيراً عن أنفسنا كبشر. لقد رأينا أفضل الناس، لكننا شهدنا أيضاً الأسوأ: من المجاملات الصغيرة من الغرباء إلى التجاهل الصارخ للتنظيمات لمجرد أن الناس لا يتفقون معها. وهذه ليست حقاً نقطة اقتصادية، لكنها في الحقيقة مسألة ينبغي لنا أن نتأمل فيها.
المصدر: اندبندنت عربية