أزراج عمر
أخيراً انتخب النائب المستقل إبراهيم بوغالي رئيساً للبرلمان الجزائري (الغرفة الأولى) وبذلك أصبح الرجل الثالث القوي في هرم السلطة الجزائرية الحاكمة بعد رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الأمة (الغرفة الثانية).
وانتخب البرلمان أيضاً تسعة نواب لرئيس البرلمان منهم ثلاثة يمثلون الأحزاب الإسلامية وهم من حزبي “حركة مجتمع السلم” و”حركة البناء الوطني”.
وتؤكد الوقائع أن البرلمان الجزائري لم توضع على رأسه شخصية مستقلة منذ 44 سنة. ومن المعلوم أيضاً أن رئيس البرلمان الجديد، إبراهيم بوغالي، هو نائب عن محافظة غرداية الجنوبية وينتمي إلى الإثنية الميزابية الإباضية الأمازيغية. وهنا يتساءل المراقب السياسي: هل اختيار إبراهيم بوغالي أمر تلقائي ونتيجة طبيعية لصناديق الاقتراع؟ ولماذا استبعدت السلطات الجزائرية التي تحرَك خيوط اللعبة السياسية الحقيقية من وراء الستار النائب المستقل المتحدر من محافظة تيزي وزو وذات الأغلبية السكانية الأمازيغية عبدالوهاب آيت منقلات الأكبر سنَاً في البرلمان الجديد والذي كان على رأس مجموعة النواب المستقلين الذين استقبلهم الرئيس عبدالمجيد تبون مباشرة بعد انتهاء العملية الانتخابية، علماً أن جزءاً معتبراً من الرأي العام الوطني كان توقَع تنصيب هذا الرجل على رأس البرلمان لاعتبارات مفصلية، وهي العمل بتوازنات التمثيل الجهوي، ولكونه كان رئيساً لبلدية تيزي وزو عاصمة القبائل الكبرى المعروفة بمعارضتها المستمرة للسلطة الحاكمة وحيث توجد قيادة حركة “الماك” الأمازيغية الإنفصالية، فضلاً عن كونه مهادناً للنظام الحاكم ومن أقرباء المطرب القبائلي الشهير لونيس آيت منقلات الذي يملك تأثيراً قوياً جداً في أمازيغ الجزائر بأسرها؟ ولماذا لم يتم، بدلاً منه، انتقاء شخصية محسوبة على التيار الإسلامي لإرضاء قياداته ولمحو الغبن الذي لحقه منذ إلغاء المرحلة الثانية من الانتخابات التشريعية بعد فوز حزب “جبهة الإنقاذ الإسلامية” حينذاك بأغلبية مقاعد البرلمان في ثمانينات القرن الماضي؟
يجمع المراقبون السياسيون الجزائريون على أن استبعاد النائب عبدالوهاب آيت منقلات من رئاسة البرلمان (الغرفة الأولى) يرجع إلى عوامل عدة منها كبر سنَه الذي يتناقض مع تصريحات الرئيس تبون المستمرة والتي أوضح فيها أنه يريد أن يرى جيل الشباب في مناصب المسؤوليات الكبرى. وزيادة على ذلك فإن شخصية منقلات لا تتمتع بأي نفوذ استثنائي اجتماعي وسياسي بين أوساط تيارين أمازيغيين (البربريين) في منطقتي القبائل الكبرى والصغري يطالب أحدهما بالحكم الذاتي والثاني بالانفصال التام. ونظراً الى ذلك لا يرى النظام الحاكم في شخص النائب منقلات ذلك الرجل الذي يملك القدرة الكلية في منطقة القبائل الكبرى والقادر على إيجاد الحلول العاجلة والدائمة لمشكلة العلاقة المتوترة بين النظام الحاكم وبين التيارين المذكورين آنفاً.
وهناك سبب آخر لاستبعاده يتمثل في كون عدد من الشخصيات التي تنتمي إلى منطقتي القبائل الكبرى والصغرى تولت سابقاً رئاسة البرلمان بغرفتيه الأولى والثانية منها على سبيل المثال الدكتور محمد العربي ولد خليفة وقبله عضو مجلس الثورة الجزائرية الراحل بشير بومعزة.
أما استبعاد الأحزاب الإسلامية المعارضة من رئاسة البرلمان (الغرفة الأولى) هذه المرة فيرجعه مراقبون سياسيون جزائريون إلى كون حزب “حركة البناء الوطني الإسلامي” قد شغل نائب منه منصب رئيس البرلمان وهو سليمان شنين الذي بقي على رأس غرفته الأولى حتى يوم حلَه الرئيس تبون وفقاً للدستور للمضي قدماً في الانتخابات البرلمانية التي أجريت يوم 12 حزيران (يونيو) الماضي لتجديده.
إنَ اختيار النائب إبراهيم بوغالي المتحدر من منطقة غرداية موطن “بني ميزاب الإباضيين” له أسباب وخلفيات كثيرة علماً أن هذه المنطقة حساسة جداً وتحسب لها السلطات الجزائرية ألف حساب.
وفي هذا السياق ينبغي التذكير بأن محافظة غرداية شهدت في عام 2015 أحداثاً دامية بين العرب التابعين للمذهب المالكي والأمازيغ (الإباضيين) وأودت بعدد من المواطنين وكادت تعصف بالأمن العام في محافظة بني ميزاب في غرداية وما يجاورها. وفسرت تلك الأحداث حينذاك بأنها ذات أبعاد اجتماعية في ثوب مذهبي. وقد أثارت جدلاً ساخناً بين المواطنين وداخل مختلف التشكيلات الحزبية المعارضة.
إثر تلك الأحداث صرح رئيس حزب “حركة مجتمع السلم” عبدالرزاق مقري بأن السبب الجوهري وراء تفاقم تلك الأحداث يرجع إلى غياب السلطة في منطقة غرداية ذات الخصوصية الإثنية والطائفية الإباضية. أما رئيس الحكومة الجزائرية السابق علي بن فليس فقد علق على تلك الأزمة بأنها نتيجة للفراغ في السلطة و”عدم شرعية المؤسسات وافتقادها المصداقية وعدم ثقة المواطنين بها”.
إنطلاقاً من هذه الخلفية يبدو واضحاً أن سيناريو اختيار شخصية إبراهيم بوغالي رئيساً للبرلمان قد تم بإحكام من طرف النظام الجزائري وليس مجرد إجراء أملته بروتوكولات الانتخابات وصناديق الاقتراع يوم 12 حزيران (يونيو) الماضي.
ولكن السؤال الذي يطرح الآن هو: هل يقدر البرلمان الجزائري الجديد برئاسة إبراهيم بوغالي أن يحل الأزمات العالقة والحادة وفي مقدمها أزمة الثقة بين النظام الحاكم وبين الشارع الجزائري؟ وهل يمكنه أن يتحول فعلياً حارساً أميناً يرعى مصالح الشعب الجزائري بواسطة ممارسة الرقابة الصارمة على نشاطات الوزارات ومختلف المؤسسات الكبرى ذات الطابع الاقتصادي والثقافي والتعليمي، والدفاع عن حقوق المواطنة والحريات المعترف بها دولياً؟ وكيف يمكنه أن يغير القوانين الجائرة التي تضر بالمواطنين في داخل الوطن وفي المهاجر الأجنبية مثل القانون الصادر في مرحلة الرئيس السابق بوتفليقة والذي يحرم أبناء الجالية الجزائرية في الخارج وذوي الجنسية المزدوجة التي يسمح بها القانون الجزائري من الترشح إلى مناصب الدولة العليا السياسية وغيرها؟
من المعروف أن البرلمان الجزائري بغرفتيه السفلى والعليا غير مستقل، بل هو جزء عضوي من منظومة الحكم رغم مظهر الانتخابات التي تجري فيه، وجراء هذا يصعب أن يغير بنيته العميقة ويحدث ثورة راديكالية في مواقفه وثقافته القاعدية.
وفي الحقيقة فإن الرأي العام الوطني محبط ويائس ويرى أنَ مشكل البرلمان الجزائري الثابت يتمثل في أنه كان مسرحاً لتمرير القوانين التي تخدم الشلل المكونة لأجنحة السلطة المتصارعة ولا ينتظر أن يتغير الآن سوى في ديكوره الخارجي.
المصدر: النهار العربي