داود كتّاب
ألقى الرئيس الأميركي، جو بايدن، أسبوعين بعد تنصيبه، خطاباً مهماً في ضرورة العمل على تطبيق الديمقراطية عالمياً، معتمداً على التجربة الأميركية ونجاحها في التغلب حتى على رئيس غير ديمقراطي. ووضع خمسة مبادئ ديمقراطية، ستشكل صلب سياسة أميركا الخارجية: “الدفاع عن الحرية، ومناصرة توفير الفرص، والتمسّك بالحريات العالمية، وحكم القانون، واحترام كرامة كلّ إنسان”. وأوضح بايدن، في خطاب الخارجية الأميركية في الرابع من فبراير/ شباط 2021، أنّه في “النظام الديمقراطي يجب عدم استخدام العنف لقلب إرادة الشعب” وأعلن أنّه “ستكون هناك عواقب من العالم للمسؤولين عن رفض تلك المبادئ”.
يلتقي الرئيس بايدن، اليوم الاثنين، 19 يوليو/ تموز، ملك الأردن، عبد الله بن الحسين، وفي وقت لاحق رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينت. هل سيتطرّق لتلك المبادئ التي أعلن عنها؟ هل سيدافع عن حق الشعب الفلسطيني بالحرية؟ وهل سيحول إلى الفعل ما قاله من أنّ من يرفض تطبيق تلك المبادئ يعاقب من العالم؟
دولة إسرائيل تحتل فلسطين، وتقيم نظاماً عنصرياً يفصل اليهود عن الفلسطينيين في كلّ المناطق تحت السيطرة الإسرائيلية من النهر إلى البحر، كما أثبتت مؤسسات حقوقية عالمية، منها “هيومن رايتس ووتش” و”بتسليم” إضافة إلى الأمم المتحدة وغيرها. والحكومة الإسرائيلية الجديدة، برئاسة بينت ويئير لبيد، على معرفة كاملة بالموقف الأميركي، بما في ذلك الموقف من الاستيطان وهدم المنازل الفلسطينية، إضافة الى الموقف من التهويد الإسرائيلي غير القانوني في القدس، وحصار غزة غير الإنساني (احترام الكرامة الإنسانية حسب بايدن)، وغيرها من الأمور.
وقد يشكل موضوع الاستيطان أهم اختبار للحكومة الإسرائيلية، إذ ينص قرار مجلس الأمن 2334 الملزم، أنّ على إسرائيل وقف الاستيطان في كلّ المناطق المحتلة عام 1967 “بما في ذلك القدس الشرقية”. هل فعلاً سيتم إجبار إسرائيل على الالتزام بهذا القرار الأممي، والذي لم تعارضه آنذاك حكومة أوباما/ بايدن؟ أما موضوع هدم البيوت الفلسطينية فقد تم إيضاح الأمر للحكومة الإسرائيلية الجديدة، إلّا أنّها استمرت في هدم المنازل، ومنها منزل عائلة الشلبي الأميركية من أصول فلسطينية.
لا بدّ من وضع النقاط على الحروف مع كلّ الأطراف في هذا الخصوص، فإضافة إلى الطلب من إسرائيل احترام حقوق الإنسان الفلسطيني ووقف الاستيطان وهدم المنازل واحترام كرامة الفلسطينيين، لا بد من الاستفهام من الملك عبد الله موقفه من موضوع الديمقراطية في الأردن وفلسطين. وقد يكون للملك جواب سهل في هذا الخصوص، إذ جرى تشكيل لجنة واسعة التمثيل لدراسة موضوع قانوني الانتخابات والأحزاب، لكنّ العالمين في الأمر يعرفون أنّ الأردن ما زال يرفض فكرة الحكومة البرلمانية المنتخبة، فهل ستجري مناقشة وضع خريطة طريق للأردن للتحوّل الديمقراطي، كباقي الديمقراطيات العريقة ذات الحكم البرلماني، خصوصاً أنّ الدستور الأردني يقول إنّ النظام في الأردن “برلماني ملكي وراثي” لكنّ إبقاء قرار تعيين الملك الحكومات وعزلها، وليس للحزب الأكبر في البرلمان، عائق أمام تحقيق ذلك الهدف المنشود.
ولا بدّ لبايدن وفريقه من إجراء نقاش معمق، بشأن مبادئ حكم القانون والالتزام بإرادة الشعوب مع الملك، بصفته حامل الملف الفلسطيني، وأول زعيم عربي يزور البيت الأبيض بعد تنصيب بايدن، فقد شكل قرار التأجيل غير المبرّر (للشعب الفلسطيني) للانتخابات التشريعية – التي تأخرت كثيراً في الأصل – ناقوس الخطر على الديمقراطية الفلسطينية الهشّة، والتي وصلت إلى اغتيال المعارض نزار بنات، والقمع العنيف للمتظاهرين والمتظاهرات.
كلنا نعرف أنّ تطبيق مبادئ الديمقراطية التي تحدّث عنها بايدن محكومة بالمصالح الأميركية والمزاج الأميركي، بما فيه مواقف بايدن نفسه المؤيد للصهيونية، إلّا أنّه يجب كشف ذلك التزييف من خلال المطالبة الحثيثة إدارة بايدن بالالتزام بتلك المبادئ أو إعلان عدم القدرة على تطبيقها مع الحليف الإسرائيلي؟ ويستطيع الجانب العربي الاستفادة من تلك العناصر في الخطاب الرسمي الأميركي للحصول على مكاسب حقيقية من واشنطن، فهل سيتم ذلك، أم سيكون التخوّف من بعضهم بأنّ المطالبة بالديمقراطية قد يتم تسليطها على كلّ الأطراف، في حال الإصرار عليها؟
المصدر: العربي الجديد