عدنان أحمد
شكلت منطقة درعا البلد بمدينة درعا، شرارة جديدة لانتفاض أهالي محافظة درعا جنوب سورية ضد النظام، بعدما نقض الأخير الاتفاق الذي تم توقيعه أخيراً مع لجان التفاوض المحلية في درعا البلد، لإنهاء الحصار المفروض على الأخيرة منذ أكثر من شهر، وعمد إلى شن هجوم عسكري على المنطقة، ليرد مسلحون محليون بالاشتباك مع قوات النظام في مناطق متفرقة من المحافظة، في أعنف وأشمل اشتباكات بين الطرفين منذ عودة النظام إلى درعا بعد اتفاقات تسوية، قبل نحو ثلاث سنوات، بحسب توصيف “المرصد السوري لحقوق الإنسان”.
وأدى تصعيد النظام إلى مقتل وجرح العشرات من المدنيين في المنطقة بينهم 6 (3 منهم أطفال) في قصف استهدف بلدة اليادودة في ريف درعا، فيما سيطر مسلحون محليون على عدد من حواجز النظام وأسروا العشرات من عناصر، فيما نفت مصادر من درعا أنباء التوصل لاتفاق مبدئي يقضي بوقف إطلاق النار وذلك على الرغم من تجدد اتصالات التهدئة.
وشهدت محافظة درعا، منذ ساعات الصباح الأولى اليوم الخميس، تطورات متسارعة، بدأت بمحاولة قوات النظام السوري، وعلى رأسها “الفرقة الرابعة” التي يقودها ماهر الأسد شقيق رئيس النظام بشار الأسد، والمقربة من إيران، اقتحام منطقة درعا البلد. والأخيرة جزء من مدينة درعا يضم عدة أحياء، ويحتوي على معظم المؤسسات الخدمية، يبلغ عدد سكانها نحو 50 ألف نسمة. وشهدت المنطقة اشتباكات عنيفة بين النظام والمسلحين المحليين، لكن سرعان ما امتدت المواجهات إلى بقية أنحاء محافظة درعا؛ من الريف الشرقي وصولاً إلى الريف الغربي منها، حيث سيطر مسلحون محليون على العديد من الحواجز التابعة لقوات النظام وأوقعوا قتلى في صفوفها، وأسروا العشرات من العناصر، نصرة لدرعا البلد.
وذكرت مصادر متطابقة لـ”العربي الجديد”، أنّ قوات النظام حاولت اليوم التقدم إلى أحياء درعا البلد، من محاور عدة، بتمهيد صاروخي ومدفعي مكثّف استهدف المنازل والأحياء السكنية، ما أدى لسقوط عدد من القتلى والجرحى المدنيين، وذلك بعد نقض النظام للاتفاق الموقع مع لجان التفاوض المحلية لإنهاء الحصار المفروض على المنطقة.
وقال الناشط أبو محمد الحوراني، لـ”العربي الجديد”، إن قوات النظام حاولت التقدم إلى درعا البلد ومخيم درعا في المدينة وطريق السد، بقوات كبيرة، وبعد تمهيد مدفعي وصاروخي استخدمت فيه صواريخ أرض-أرض قصيرة المدى (صواريخ فيل) وقذائف الهاون والرشاشات الثقيلة. لكن الحوراني أكد عدم تمكن هذه القوات من التقدم إلى داخل درعا البلد. وأوضح أن قوات “الفرقة الرابعة”، حاولت التقدم من ثلاثة محاور هي مناطق النخلة وقصاد والقبة، وسط اشتباكات عنيفة وتصد من قبل أبناء المنطقة، ما تسبب في سقوط قتلى وجرحى في صفوف القوات المهاجمة، إضافة إلى مقتل أحد الشبان وإصابة آخرين من أبناء درعا البلد.
وذكر موقع “تجمع أحرار حوران” المعارض أنّ الأهالي المحاصرين في درعا البلد وجهوا نداء استغاثة بشأن عدم توفر أي مواد إسعافية، بعد إغلاق النقطة الطبية الوحيدة في المنطقة أمس الأربعاء، جراء استهدافها من قبل قناصة الفرقة الرابعة.
وسرعان ما اتسعت رقعة المواجهات، إلى ما يشبه “انتفاضة” شاملة في عموم محافظة درعا، إذ بدأ مسلحون محليون من أبناء المحافظة، بشن الهجمات الواحدة تلو الأخرى على نقاط ومواقع وحواجز لقوات النظام والأجهزة الأمنية، بريف درعا. وقد سيطر هؤلاء المسلحون على العديد من حواجز قوات النظام والنقاط العسكرية التابعة له بينها ما لا يقل عن 7 حواجز بريف درعا الشرقي. من جهته، قال “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، إنّ المسلحين تمكنوا من السيطرة حتى عصر اليوم على حواجز أم المياذن والطيبة وصيدا وكحيل والحراك والمليحة، بريف درعا الشرقي، ونقاط في الشجرة وتسيل والبكار بريف درعا الغربي.
وفي التفاصيل، قال “تجمع أحرار حوران” إن مقاتلي بلدة صيدا شرق درعا، سيطروا على مفرزة الأمن العسكري والحاجز أمام المفرزة وحاجز مستشفى صيدا بعد اشتباكات دارت مع قوات النظام، وتمكنوا من أسر 25 عنصراً مع ضابطي صف برتبة “مساعد أول”. ووفق المصدر، فقد سمع إطلاق نار كثيف من أسلحة رشاشة في بلدة صيدا، ناجم عن مهاجمة مجهولين حواجز للأمن العسكري في البلدة بعد فجر اليوم الخميس. وأوضح “التجمع” أيضاً أن الحاجز الواقع على طريق الجيزة – غصم تعرض لاستهداف بطلق ناري فجراً، وهو حاجز عسكري مشترك لقوات النظام من الفرقة 15 والأمن العسكري.
وفي بلدة أم المياذن شرقي درعا، سيطر المسلحون على حاجزين يتبعان لقوات النظام في البلدة وأسلحة متنوعة بينها دبابة، بينما فر عناصر حاجز بلدة الطيبة شرقي درعا التابع للأمن العسكري بعد استنفار شبّان البلدة. كما سيطر أهالي مدينة الحراك بريف درعا الشرقي على مفرزة “المخابرات الجوية” في المدينة.
كذلك، ذكر الناشط أبو محمد الحوراني، أنّ مسلحين محليين اقتحموا بناء الري بين المزيريب واليادودة بريف درعا الغربي، والذي تتمركز فيه قوات عسكرية تابعة للفرقة الرابعة، وسيطروا عليه لساعات قبل أن تستعيده قوات النظام بعد قصف عنيف على المنطقة ومنطقة المزارع. إضافة إلى قصف بلدتي طفس واليادودة، حيث قتل أحد الشبان خلال الاشتباكات في الأخيرة وأصيب آخرون، بينما أدى القصف على طفس إلى إصابة خمسة أشخاص على الأقل، جرى نقلهم إلى مستشفى مدينة طفس.
كما بادر شبان في مدينة نوى بريف درعا الغربي، إلى إغلاق الطرقات الرئيسية وأشعلوا الإطارات تضامناً مع درعا البلد، بينما تعرض حاجز عسكري يقع في مدخل المدينة من جهة بلدة الرفيد لاستهداف بعيارات نارية من قبل مجهولين. كذلك، استهدف مجهولون بالأسلحة الرشاشة مقراً لـ”أمن الدولة” في مدينة أنخل بريف درعا الغربي، فيما هاجم شبان المركز الثقافي في مدينة جاسم الذي يتخذه فرع أمن الدولة مقراً له، مستخدمين الأسلحة الخفيفة.
ووثق “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، حتى عصر اليوم، مقتل 8 من قوات النظام والمسلحين الموالين لها خلال الاشتباكات في عموم درعا، كما تحدث عن مقتل 3 من المسلحين المحليين، بالإضافة لمقتل شخصين اثنين بقصف قوات النظام على درعا البلد. وأشار المرصد إلى أن عدد القتلى مرشح للارتفاع لوجود جرحى بعضهم في حالات خطرة.
وحول أسباب هذا التدهور في الوضع الأمني، اعتبر الناشط أبو محمد الحوراني أن النظام “بدّل متطلباته ونقض كل الاتفاقات وبات يريد وضع حواجز أكثر في درعا البلد، وبدل 60 بندقية كان يطالب بتسلمها بات يطالب بتسلم 400 بندقية”، معتبراً أنه يريد في الحقيقة “السيطرة على درعا البلد بالقوة، والدعس على روح الثورة”.
من جهته، عبر عضو لجنة التفاوض المركزية في درعا البلد، عدنان المسالمة، عن إحباطه مما جرى، معتبراً أنّ الاتفاق مع النظام السوري بات لاغياً. وقال المسالمة في حديث مع “العربي الجديد”: “انتهى الكلام، والآن المحاورة بالنار”، مؤكداً أن “النظام اتخذ قراره بإلغاء الاتفاق والسيطرة على درعا البلد بالقوة، وما كان ليفعل ذلك لولا أنه تلقى الضوء الأخضر من روسيا”.
وحول مزاعم بعض مسؤولي النظام عن وجود خلافات بين لجنة التفاوض المركزية في درعا والمقاتلين المحليين، وهو ما عرقل الاتفاق، قال المسالمة إن “هذا الكلام غير صحيح”، وقائد شرطة درعا، ضرار دندل، التابع للنظام، والذي أدلى بذلك “شخص يريد بث الفتن بين أهالي درعا”، مؤكداً أنّ “القرار موحد بين الجميع ولا خلافات بين لجنة التفاوض والمسلحين”. وكان ضرار اتهم أمس الأربعاء، وجهاء درعا البلد بعدم الالتزام بتسليم كامل السلاح المتوسط والخفيف في المدينة. وقال في تصريحات لوسائل إعلام تابعة للنظام، إن سكان درعا البلد بادروا بإطلاق النار على نقطة دوار الكرك، ما أدى إلى إصابة عدد من عناصر قوات النظام السوري. وزعم أن الأخيرة التزمت بجميع البنود. وتحدث عن أنه تم استدعاء الوجهاء في درعا البلد الذين وقعوا على الاتفاق، وكانت حججهم بحصول اختلافات بوجهات النظر بينهم، وفق قوله، مضيفاً أن مقاتلي معارضة سابقين لم يقبلوا بتسوية أوضاعهم، وطالبوا بإخراجهم باتجاه الشمال السوري، إلا أن لجنة درعا البلد رفضت ذلك.
وحول إلقاء مسؤولية خرق الاتفاق على “الفرقة الرابعة”، قال المسالمة إن “ما يبدو ظاهراً هو أن الفرقة الرابعة هي التي خرقت الاتفاق، لكن الحقيقة هناك تنسيق بين مختلف الأطراف التابعة للنظام، وكلهم متفقون على الهدف نفسه”. وختم بالقول: “اخترنا السلم وهم اختاروا الحرب”.
وكانت قوات الفرقة 15 والأفرع الأمنية التابعة للنظام، انسحبت من النقاط التي وصلت إليها أمس، بغية تطبيق الاتفاق الموقع مع الفاعليات المحلية في درعا البلد، إذ لم تتمكن “اللجنة الأمنية” التابعة للنظام، وفق بعض المصادر، من إيقاف الفرقة الرابعة التي كانت تستفز أبناء درعا البلد لمواجهة قواتها من أجل إيقاع خسائر في صفوفها لتبرير الهجوم على المنطقة، بهدف إفشال الاتفاق الذي تم بمساع روسية. وكان من المفترض أن تدخل الفرقة 15 وتقيم 3 نقاط عسكرية داخل المنطقة، بموجب اتفاق التهدئة.
وأعلنت لجان التفاوض في درعا البلد، أنها عقدت اجتماعاً ضم اللجان المركزية في محافظة درعا مع ممثلين من “اللواء الثامن” الموالي لروسيا، مساء أمس الأربعاء، في مدينة درعا، لبحث تطورات درعا البلد، من دون حضور ضباط النظام السوري. وقالت اللجان إنها طلبت من اللواء الثامن إيصال مقترحها لضباط النظام وهو نشر 3 نقاط عسكرية في أحياء درعا البلد تضم عناصر من اللواء الثامن من أبناء المحافظة فقط. وأضافت أنه “في حال رفض النظام مقترحنا، نطالب بتهجير جميع الأهالي في درعا البلد وطريق السد والمخيمات والبالغ عددهم نحو 50 ألف نسمة، وفي حال رفض المطلب الأخير سنتجه إلى خيار الحرب”.
واعتباراً من ليل الأربعاء، أطبقت قوات النظام الحصار على درعا البلد، وأغلقت طريق سجنة، آخر الطرق المفتوحة باتجاه المنطقة، فيما استهدفت المجموعات المحلية التابعة لقوات النظام المتمركزة في حي المنشية، المستوصف الطبي في درعا البلد، ما دفع الكادر الطبي لإغلاقه على الرغم من كونه النقطة الطبية الوحيدة التي تخدم المنطقة.
المصدر: العربي الجديد