سعيد أبو معلا
مرتين في الشهر ينهض أعضاء تعاونية “عشاق الأرض” من بلدة بورين جنوب مدينة نابلس باكرا، يرتبون منتجاتهم الزراعية العضوية ويتوجهون بها إلى مدينة البيرة، وتحديدا أمام مركز الفن الشعبي، لتكون جزءا من “حسبة التعاونيات” التي ينظمها “ملتقى الشراكة الشبابي”.
ويقوم الملتقى بدور الحاضنة المجتمعية الشعبية للتعاونيات الشبابية التي بدأت تنتشر مؤخرا لتقوم بمهمات كبيرة من ضمنها عودة الشباب الفلسطيني للأرض، والالتقاء على قيم العمل التطوعي، والاهتمام بالزراعة العضوية.
وتأسس ملتقى الشراكة الشبابي لهدف توفر حالة من “صمام الأمان لنجاح تجربة التعاونيات الشبابية واستمرارها” بحسب منسق الملتقى رامي مسعد.
وتعد “حسبة التعاونيات” النشاط نصف الشهري الأبرز الذي يجمع أكثر من تسع تعاونيات من عموم الضفة الغربية لعرض منتجاتهم الزراعية في سوق مخصص لهم حيث يوفر لهم عرض المنتجات مباشرة للمشترين من دون وسطاء، وعرض سعر عادل لصالح المزارعين، وعرض منتجات عضوية خالية من أي كيماويات أو أسمدة لمن يريد أن يُطعم أبناءه غذاء صحيا.
بعيدا عن الاستغلال
يؤكد مسعد في حديثه مع “القدس العربي” أننا أمام سوق شعبي أطلق قبل عام في رام الله ومن ثم في طولكرم والقدس وبنابلس وبيت لحم من أجل مساعدة التعاونيات والمزارع الشبابية لتسويق منتجاتهم، وللتأكيد على أهمية الحاضنة الشعبية لتقوية التجربة وضمان نجاحها في ضوء ما تفرضه الأسواق المركزية التقليدية من احتكار على الأسعار وهي غالبا ما تستغل المزارعين لصالح كبار التجار.
يضرب مسعد مثلا أن في فعالية الحسبة الأخيرة بيع كيلو العنب، الذي يباع في السوق التقليدي ب 2 – 3 شيقل بثمن 6- 8 شيقل.
وتأتي المنتجات الزراعية من مشاريع شبابية وتجمعات تنشط ميدانيا في شمال الضفة الغربية وجنوبها، حيث تعزز ارتباط الشباب بالأرض، كما أن الحسبة بحسب مسعد محاولة تدخل لمساعدة المزارعين على تسويق منتجاتهم.
ولا يقف الملتقى عند توفير نافذة تسويقية للمنتجات فقط بل يعمل على مساندة وتشجيع الشباب على العودة للأرض لأهميتها في السياق الاستعماري الفلسطيني، فجوهر المعركة، بحسب مسعد، “الصراع على الأرض، التي بدأ جيل جديد من الفلاحين الشباب بالعودة لها، وهو ما يعزز فرص مقاومة الاستيطان الصهيوني، وهؤلاء مؤمنون بالفكر الجماعي ضمن السياق التحرري، فالأفراد لا يمكنهم تحرير الأرض إنما التعاونيات التي تعيد أهمية الفعل الجماعي في هذه المعركة الطويلة مع الاحتلال”.
وتابع: “تعاني فلسطين من سياسات القروض والديون وهو ما ترتب عليها تعزيز الفردانية على حساب نحن/ الجماعة، والتعاونيات الشبابية تقوم على الجامعة والعمل التطوعي وتعيد مفهوم “العونة” (المساعدة الجماعية بدون تكاليف أو نفقات)، التي تؤسس لحالة جديدة من تعمير مستقل للأرض الفلسطينية”.
ويؤكد مسعد أن هذه التعاونيات تقوم على جهود شبابية من عامة الناس، أما من يشتري منتجاتها الصحية فغالبا هم أشخاص من فئة النخبة التي ترغب بالمساندة والدعم وجلب غذاء صحي لعائلاتهم.
ويعتبر مسعد الحسبة بمثابة التدخل الأخير من الملتقى الشبابي الذي يساعد الشباب على العودة للأرض، بالإضافة إلى مسار فكري يعمل على التوعية بموضوع الاقتصاد الاجتماعي والفكر التعاوني من خلال الحواريات العامة والزيارات الميدانية، وأخيرا المساعدة على تنظيم العمل الداخلي وتوزيع الأدوار الإدارية والتنظيمية.
كوكتيل زراعي صحي
ويؤكد مسعد أن كل المنتجات الزراعية التي تأتي للحسبة تباع قبل نهاية اليوم، هناك إقبال متزايد على هذه المنتجات، بالإضافة إلى حدوث تفاعل اجتماعي بين المنتجين والمشترين، حيث يغادر الجميع بطاقة إيجابية.
في اللقاء الأخير من “حسبة التعاونيات” جاء العنب من جنين، أما التين فجاء من قرية تل جنوب نابلس، والكوسا، والملوخية، والفليفلة، والباذنجان، والذرة من مدينة طولكرم، والبامية، والفاصوليا، والبندورة، والخيار، وورق العنب من الأغوار، والبيض البلدي من بيت ريما، والورقيات مثل البقدونس، والنعنع والصبر من قرية بيت لقيا في مدينة رام الله، وكرات اللبنة بالزيت، وطحينة، والحلاوة، والبندورة المجففة والنعنع المجفف والميرمية المجففة والمربيات من بلدة كفر نعمة في رام الله أيضا، والطحين البلدي، والسميد، وكبيس الزيتون من بلدة صفا.
وينظر ملتقى الشراكة الشبابي إلى نفسه بصفته حاضنة مجتمعية شعبية للتعاونيات الشبابية، وهو صمام أمان لنجاح تجربة مشاريع شبابية تعود للأرض وضمان استمرارها، ويؤكد أن هذا لا يتم إلا من خلال الالتفاف الشعبي كسند وحماية.
ويرى مسعد أن ذلك ينعكس مجتمعيا من خلال توفير الأهالي للأراضي الزراعية للتعاونيات لزراعتها، وشراء منتوجاتهم داخل قراهم ومحيطهم.
ويطالب الملتقى بخطوات على المستوى المحلي مثل: تسهيل تقديم الخدمات من المجالس المحلية لهذه التعاونيات مثل: تخفيض سعر كوب الماء، وتوفير الجرافات أو المعدات الموجودة لدى المجالس لصالح هذه التعاونيات.
وعلى المستوى الوطني يرى الملتقى أنه هناك تجليات إيجابية تخدم الظاهرة مثل: شيوع مظهر التسويق المباشر من خلال الحسب والأسواق الشعبية والبيع أون لاين، وانتشار التبرعات المجتمعية الفردية لصالح إسناد بعض المشاريع، وأن تكون التعاونيات مزارا للمجموعات والمسارات والتطوع معهم في أعمالهم.
ومن المبادرات التي أطلقها الملتقى “مزار التعاونيات” الذي تعد بمثابة مبادرة شبابية تطوعية، لتوجيه المؤسسات والمجموعات والمخيمات ومسارات المشي لزيارة التعاونيات الشبابية في المحافظات المختلفة، وأن تكون التعاونيات ضمن فعالياتهم، بهدف تعميم الفكر التعاوني والتأكيد على أهمية الحاضنة المجتمعية لهذه التجارب الإنتاجية الشبابية.
تشمل الزيارة التعرف عن قرب على التعاونية، وتنفيذ عمل تطوعي مع التعاونية سواء بالزراعة أو التعشيب، وفي حال توفر الإنتاج يقوم الزوار بالشراء المباشر من خلال قطف المنتج بأيديهم.
المشكلة في نمط الحياة
الباحث والناشط البيئي عمر عاصي، يؤكد في حديث خاص لـ”القدس العربي” أن المشكلة التي تعيق تطور المجتمع الفلسطيني نحو تنمية مستدامة أو مقاطعة المنتجات الإسرائيلية مثلا مرتبط بنمط الحياة، حيث يسود نمط حياة استهلاكي، وكي يحدث التحول في المجتمع الفلسطيني علينا أن نعمل قطيعة مع نمط الحياة هذا، أي أن نغير عادات الشراء والتسوق والأكل، وصولا إلى عادات الحياة كلها.
ويضرب عاصي مثلا قائلا لماذا لا تكون عمليات الشراء من المزارعين أنفسهم، المنتجين أصحاب المشاريع الصغيرة والمنتجة، ونحن بهذا السلوك نعمل على الحفاظ على البيئة، ونراعي التنوع الحيوي، وندعم المنتجات الشعبية، ونقوي الروابط الاجتماعية والعلاقات بين المدن والقرى، وكلها أمور تكتسي بقيم بيئية واقتصادية واجتماعية ووطنية، وتعمق العلاقات مع الفلسطينيين بحيث يتم التأكيد على معنى فلسطين التاريخية وعلاقة الفلسطينيين بعضهم ببعض، وجل ذلك يخدم مشروع مقاومة للاستيطان ومقاطعة للبضائع الإسرائيلية.
يطالب عاصي بضرورة أن يكون الشراء من الفلاحين مباشرة عبر تفعيل الأسواق الشعبية الخاصة، وكذلك بالاهتمام بالمواسم الزراعية المرتبطة بالمناطق الجغرافية مثل: مهرجانات التين، والفقوس، والعنب..الخ، ليكون ذلك بمثابة فعل سياحي تنموي محلي شامل داعم للمزارعين بشكل مباشر وبدون وسائط أو حلقات سيطرة أو احتكار.
وأضاف عاصي: “نحن نتخيل واهمين بأن المشكلة تكمن في استهلاك المنتج الإسرائيلي بينما هي في نمط حياتنا الذي ابتعد كل البعد عن نمط حياة أجدادنا الذي كان مرتبطا بأرضنا ومناخنا”.
وتابع: “من قال إن النهار لا يبدأ إلا “بنسكافيه عيليت”، وأن الإفطار لا يكون إلا مع “شمينيت” و”جبنة هعيمك” الإسرائيليتين؟ ومن قال أصلًا إن الغذاء لا يكون إلا بحضور “الشنيتسيل” و”نكنيكيوت” و”البطاطا الجاهزة” للقلي؟ ومن قال إن مشاهدة الأفلام لا تكون إلا بالفشار وكأس كوكا كولا؟ من قال إننا بحاجة لشركات فلسطينية تصنع مساحيق مكياج وطنية نضيّع عليها تعب جبيننا أو شركات دخان فلسطينية نبدد فيها أموالنا؟”.
وتابع قائلا: “نحن بحاجة الى العودة الى أنفسنا قليلا، الى أرضنا وثقافتنا، وهكذا نعود بشكل طبيعي الى دعم اقتصادنا ومنتجاتنا الشعبية”.
وأشار في حديثه عن الجودة أنه لدينا نماذج لمنتجات بجودة 5 نجوم كما يقال، وهو أمر علينا تنميته ومراقبته شعبيا وإعلاميا من خلال “صحافة مراقبة”، وبالتالي لا يجب شراء المنتج الفلسطيني على أساس المخاجلة والخداع، فهذا يضر بالمنتج الفلسطيني نفسه.
وأكد عاصي: نحن إزاء نهج حياة جديدة، هناك جيل جديد متفاعل وواع ولديه دخل متوسط ويريد أن يستثمره في صحة أبنائه وحياة نظيفة وبصحة أولاده. تحولات المجتمع يصعب أن ينكرها أحد هناك نمط جديد ويجب أن يتم تسليط الضوء عليه والتدافع هو طريق التغيير فلا شيء يحدث فجأة.
وإلى جانب “حسبة التعاونيات” المتخصصة بالتعاونيات الشبابية تنتشر في الضفة الغربية ما يعرف بـ “أسواق الفلاحين” التي تعتبر أيضا منصة لصغار الفلاحين لتسويق منتجاتهم مباشرة للمستهلكين بسعر عادل، وفي بيئة تسمح بالتفاعل الاجتماعي مع المنتجين أيضا.
المصدر: “القدس العربي”