هبة محمد
تواصل قوات النظام السوري استهداف الأحياء المحاصرة في درعا جنوب سوريا، بهدف الضغط على المقاتلين المحليين لتسليم سلاحهم والخروج من المحافظة إلى الشمال السوري، ما يفتح الباب أمام القوات المهاجمة للتوغل فيها وفرض سيطرتهم العسكرية عليها بالقوة، عبر حواجز وثكنات عسكرية ومراكز أمنية، عقاباً على موقف المحافظة من الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وذلك بموازاة تصعيد عسكري من جانب قوات النظام وميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية».
تحركات ميدانية
وقال المتحدث باسم تجمع أحرار حوران لـ «القدس العربي» إن قوات الفرقة الرابعة جددت قصفها الجمعة درعا، كما استهدفت فجراً مئذنة مسجد سعد بن أبي وقاص في حي طريق السد. وردًا على التصعيد الذي تديره روسيا من الخلف، عقد وجهاء عشائر في محافظة درعا اجتماعاً في مدينة طفس في ريف درعا الغربي، لمناقشة الأحداث الأخيرة، وأصدر المجتمعون بياناً نددوا فيه بحصار درعا واستقدام النظام السوري والميليشيات الداعمة له لمزيد من الحشود العسكرية إلى المحافظة، معلنين رفضهم تهديدات ضباط النظام بالقتل والاقتحام وتهجير أهالي درعا.
وجاء في البيان «نحن عشائر حوران كنا وما زلنا جزءاً لا يتجزأ من شعب سوريا الأصيل، عشنا على هذه الأرض الطيبة وعملنا جاهدين لتظل حوران آمنة مطمئنة يسودها الاستقرار ويعيش أهلها بأمان وكرامة، ليكونوا جزءاً من بُناة سوريا وحماتها». وأضاف «تماشياً مع الظروف الصعبة التي تمر بها حوران حالياً والحصار الخانق الذي يُطبق على معظم مدنها وقراها، لم ندّخر جهداً في السعي إلى حلٍ يحقن دماء أبنائنا ويحفظ كرامتهم ويحقق أمنهم وسلامتهم، ليكونوا فاعلين في مجتمعاتهم، وإيجابيين في تعاملاتهم».
وأعلن وجهاء درعا في بيانهم رفض التهديد المستمر بالقتل والتدمير والاقتحام والتلويح بالتهجير الجماعي من قبل قوات النظام والمليشيات المساندة له، معتبرين ذلك «أفعالاً عدوانية لا يليق أن تتعامل بها أي دولة مع رعاياها وساكنيها».
وكانت قوات النظام السوري قد فرضت في الرابع والعشرين من شهر يونيو /حزيران/ الفائت، طوقاً عسكريا على كل من «درعا البلد» و»طريق السد» و»مخيم درعا» وفصلتها عن حي «درعا المحطة» عبر إغلاق المعبر الذي يربط تلك الأحياء بمحيطها، كما فصلتها عن المزارع المجاورة.
وجاء التحركات الميدانية لقوات النظام السوري بعد يوم واحد، من جولة مفاوضات عقدها وفد روسي مع اللجنة المفاوضة باسم مدينة درعا، حيث طالب الوفد الروسي بتسليم الأسلحة الخفيفة التي يمتلكها المقاتلين المحليين، كما اشترط الوفد السماح له بإجراء عمليات تفتيش في أحياء المدينة وإنشاء ثكنات عسكرية وحواجز داخل درعا البلد.
تزامناً، تداول ناشطون بياناً باسم أهالي درعا، ناشدوا فيه المملكة الأردنية بشعبها وحكومتها وملكها، فتح معابر إنسانية، مبدين تخوفهم من اقتحام قوات النظام والميليشيات الإيرانية الأحياء المحاصرة، وارتكاب هذه الميليشيات مجزرة بحق مئات المحاصرين.
وجاء في البيان الذي تسلمت «القدس العربي» نسخة منه «نحن أهالي درعا نعاني من الحصار المفروض علينا منذ 40 يوماً من قبل قوات النظام والميليشيات الإيرانية، ويقع جميع من في المدينة والمحافظة عامة تحت تهديد صريح بحرب انتقامية تشنها عليهم الفرقة الرابعة والميليشيات الإيرانية بهدف الهيمنة الإيرانية على الجنوب السوري، والانتقام الحاقد من درعا بسبب انطلاق الثورة السورية قبل 10 سنوات» ووجه الأهالي نداء «مناشدة إلى أهلنا النشامى الكرام في المملكة الأردنية الهاشمية، ملكا وحكومة وشعبا، بفتح ممر إنساني لعائلاتنا نحو الأردن لإنقاذ عوائلنا من الخطر الإيراني المحدق بهم».
«الخوذ البيضاء»: مقتل 2
في غضون ذلك، قصف قوات النظام السوري المناطق الخارجة عن سيطرتها في إدلب وسهل الغاب شمال غربي سوريا، بالتزامن مع قصف ميليشيات «قسد» على مدينة الباب في ريف حلب الشرقي.
وقال الدفاع المدني السوري، إن قوات النظام السوري استهدفت الجمعة، بالقذائف الموجهة بالليزر قرية الصحن في سهل الغاب، كما تعرضت قرية جوزف في جبل الزاوية جنوبي إدلب لقصف مماثل، وسط تحليق مكثف لطيران الاستطلاع الروسية.
وتداول ناشطون أشرطة مصورة تظهر اللحظات الأولى للقصف الصاروخي المتكرر الذي تتعرض له مدينة الباب شرقي حلب، من قبل ميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» وقوات النظام. وقال الدفاع المدني السوري، إن القصف على مدينة الباب أسفر عن إصابة 23 مدنياً، بينهم نساء وأطفال، نتيجة استهداف صاروخي مصدره المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية وقوات النظام شرقي حلب، مشيراً إلى أن القصف خلف حرائق واسعة في ممتلكات المدنيين.
وذكرت منظمة الخوذ البيضاء في بيان لها أمس أن «مقتل مدنيين اثنين، وإصابة اثنين آخرين أحدهما متطوع في الدفاع المدني السوري، في قرية حزوان قرب الباب شرقي حلب، باستهدافٍ مباشر بصواريخ موجهة حرارياً مصدرها مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية وقوات النظام، إذ استهدف الصاروخ الأول سيارة رافعة تستخدم في صيانة الشبكة الكهربائية، وعند وصول سيارة الإسعاف التابعة للدفاع المدني السوري تم استهدافها بصاروخٍ أدى لاحتراقها».
ويقول الخبير السياسي محمد سرميني لـ«القدس العربي» منذ توقيع اتفاق التسوية بين فصائل الجبهة الجنوبية التابعة للمعارضة السورية المسلحة، وبين روسيا صيف عام 2018؛ لم يتمكن النظام السوري من فرض سيطرته بشكل فعلي وحقيقي على محافظة درعا، إذ ان المقاتلين المناهضين للنظام السوري استغلوا بعض الهوامش التي يتيحها الاتفاق ومنها الاحتفاظ بالأسلحة الخفيفة، والظروف الدولية التي رافقته، وحافظوا على مناطق نفوذ فعلية أبرزها في حي درعا البلد والمناطق المحيطة به، وبعض البلدات والقرى في الريف الغربي. في حين فضلت بعض الفصائل الانضواء بشكل مباشر ضمن الفيلق الخامس التابع لروسيا مقابل الاحتفاظ بالسيطرة الفعلية على مناطقها على غرار نموذج قوات «شباب السنة» التي يقودها أحمد عودة، والمنتشرة في منطقة «بصرى الشام» إلى يومنا هذا.
وفي رأي المستشار السياسي فإن أحياء درعا وخاصة «درعا البلد» مثلت العائق الأساسي في وجه هيمنة النظام السوري على الجنوب بشكل كامل وبسط سلطته الأمنية والإدارية، لذلك يسعى بشكل مستمر لإحداث تغيير على الأرض ضمن الهامش المتروك له للتحرك من قبل روسيا، لكن موسكو تدخلت بشكل متكرر وأجرت وساطات بين سكان درعا والنظام السوري.
المصدر: «القدس العربي»