د- مخلص الصيادي
بالتأكيد فإن مقاومة الاحتلال هو الطريق الوحيد لاستخلاص الحقوق الوطنية، وبالنسبة للقضية الفلسطينية، فإن أي تهاون في ممارسة هذا الحق هو تفريط مباشر بالحقوق الوطنية، فليس هناك منطقة وسط بيم الموقفين، المقاومة تعني الحق الفلسطيني، والتخلي عن المقاومة يعني التخلي عن هذا الحق، وكل حركة تضع جانبا حقها في المقاومة، فإنها تكون قد تخلت عن القضية الفلسطينية، وقيمة كل حركة أو فصيل أو منظمة فلسطينية يوزن بقدر تمسكها وممارستها “الحق في المقاومة”، ومن يتهاون في ممارسة هذا الحق، ويفرط فيه، فإنه يتحول إلى أحد أدوات المحتل في تثبيت احتلاله، وفي تشريع هذا الاحتلال.
هذه هي القاعدة الجوهرية في رؤية المسألة كلها.
في مقاله يسلط مسعد الضوء بشكل دقيق وبالأمثلة على الموقف الثابت لقوى الغرب الاستعماري في الموقف من المقاومة، وفي رعاية المشروع الصهيوني كله. وعلى التبني الكامل لهذا المشروع باعتباره يمثل رؤية الغرب الاستعماري لمنطقتنا وسبل الحفاظ على مصالحه فيها، ودور الكيان الصهيوني في تحقيق ذلك. ويرصد مسعد محطات من هذا الموقف الثابت منذ احتلال بريطانيا لفلسطين ١٩١٧، وصولا الى اوسلو، والى تشكيل اللجنة الرباعية،واشكال المقاومة الفلسطينية الشعبية والمسلحة، والتي جاء ظهور حركة حماس كتجل من تجليات المقاومة الفلسطينية في التصدي للمشروع الصهيوني والكيان الصهيوني.
وإذا كان ما يذكره جوزيف مسعد صحيح بشأن موقف الغرب من نضال الشعب الفلسطيني وقواه وحركة المقاومة – وهو صحيح- فيجب معرفة ان روسيا انضمت الى رعاية هذا الموقف من خلال دورها في اللجنة الرباعية
وبالتالي يجب أن تذكر بما هي أهل له في المسؤولية تجاه نضال الشعب الفلسطيني، وتجاه مبدأ مقاومة الاحتلال الصهيوني، وذلك حتى لا يعتقد البعض أن موقف روسيا الراهن هو نفسه موقف الاتحاد السوفياتي السابق، فنخصها بالتميز، كما كنا نفعل تجاه الاتحاد السوفياتي. وإذا فعلنا ذلك فإننا نكون قد غلفنا عقلنا وبصيرتنا بوهم كبير.
وهذا الأمر لا يخص الموقف من المسألة الفلسطينية والمقاومة الفلسطينية، وإنما إزاء كل قضايانا وهمومنا، فروسيا اليوم
منقطعة الصلة بالاتحاد السوفياتي السابق، والمبادئ والقيم التي كانت تحكم ذلك الكيان لم يعد لها اعتبار، وكذلك الظروف الاقليمية والدولية.
أن لا أقول إن روسيا والولايات المتحدة باتا في الموقع نفسه من قضايا أمتنا، ولكني أؤكد أن روسيا اليوم، مثلها مثل أمريكا وبريطانيا والصين،الكل يبحث عن مصالح دولته، ورؤية قيادتها أو القوة المسيطرة فيها لهذه المصالح المادية أساسا، وإن حظ المبادئ، والقيم، وحقوق الشعوب، وحقوق الإنسان، لم يعد لها اعتبار إلا بقدر اتساقها مع تلك المصالح .
********************
الاعتراف بحق الفلسطينيين في الاستسلام
جوزيف مسعد
كان أحد العناصر الاستثنائية والأساسية في اللعبة الدبلوماسية التي لعبتها إسرائيل منذ إنشاء المستعمرة الاستيطانية اليهودية عام 1948، هو رفضها الاعتراف بحق السكان الفلسطينيين الأصليين في تمثيل أنفسهم. ففي حين أن إسرائيل، على حد تعبير غولدا مائير، أصرت خلال سبعينيات وثمانينيات القرن المنصرم على أن “الشعب الفلسطيني غير موجود”، فإن المجتمع الدولي، لا سيما الأمم المتحدة والدول المستعمَرة سابقا، كانت قد اعترفت في منتصف السبعينيات بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيّا وحيدا للشعب الفلسطيني.
اعتراف إسرائيل المتأخر بوجود الشعب الفلسطيني سرعان ما تبعه شرطان أساسيان، وضعتهما إسرائيل للاعتراف بشرعية ممثليه، ألا وهما قبول منظمة التحرير الفلسطينية بشرعية إسرائيل كمستعمرة استيطانية يهودية بنيت على الأراضي المسروقة للفلسطينيين، وإقرار الفلسطينيين بأن سرقة أراضيهم ووطنهم كانت شرعية، وأنَّ على الفلسطينيين أن يتوقفوا ويكفوا عن أي مقاومة، خاصة العسكرية منها، للاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، وإلا سيتم اعتبار ممثلي الفلسطينيين “إرهابيين” لا يصلحون لأي مفاوضات مع مستعمريهم المستبدين.
ما طالبت به إسرائيل، والولايات المتحدة من ورائها، في الأساس، هو أنه لكي يكتسب ممثلو الفلسطينيين الشرعية من قبل الغرب الاستعماري والمستعمرة الاستيطانية الإسرائيلية، فإن عليهم أن يتنازلوا بالكامل عن جميع حقوقهم الوطنية كشعب أصلي إلى مستعمريهم اليهود. وقد استغرق الأمر ممثلين عن الشعب الفلسطيني من عام 1948 حتى عام 1993 لقبول الشروط الإسرائيلية والاستسلام، عندما وقعت منظمة التحرير الفلسطينية اتفاقية أوسلو واعترفت بها إسرائيل في النهاية على أنها “الممثل الشرعي” للشعب الفلسطيني.
بمجرد أن تنازلت منظمة التحرير الفلسطينية عن جميع حقوق السكان الأصليين الوطنية المعترف بها دوليا للشعب الفلسطيني، كانت المفاوضات التي وافقت إسرائيل على إجرائها معها تدور أساسا حول طبيعة وآليات استمرار حكم المستوطنين الاستعماريين اليهود على أقل من ثلث الفلسطينيين (في الضفة الغربية وغزة). وقد منعت إسرائيل تباعا أي مفاوضات حول حكمها وقمعها لبقية الشعب الفلسطيني، سواء أكانوا لاجئين في المنفى أو الأقلية المضطهدة الخاضعة لنظام الفصل العنصري الإسرائيلي “داخل إسرائيل”. وبعد ما يقرب من ثلاثة عقود من المفاوضات، قررت إسرائيل أن طبيعة حكمها الاستيطاني الاستعماري على جميع الفلسطينيين، يجب أن تظل بعد أوسلو كما كانت عليه من قبلها، إن لم يكن أكثر.
تحركت إسرائيل بعد ذلك لضمان تصنيف منظمة حماس التي رفضت اتفاقية أوسلو كمنظمة إرهابية في أوروبا وأمريكا الشمالية، كما كانت قد فعلت مع منظمة التحرير الفلسطينية حتى عام 1993، إلا إذا اتبعت حماس خطى منظمة التحرير الفلسطينية، واستسلمت وأقرّت بقبول شرعية الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي على كل فلسطين ونبذت جميع أشكال المقاومة.
لم تكن هذه الاستراتيجية الإسرائيلية استراتيجية استعمارية جديدة، بل إن رفض إسرائيل الطويل الأمد الاعتراف بالشعب الفلسطيني وشرعية ممثليه ما لم يستسلموا ويوافقوا على شرعية سرقة وطنهم وأراضيهم من قبل الاستعمار الاستيطاني اليهودي، هو رفض أقدم من إسرائيل نفسها.
كما هو الحال مع كل الإجراءات الأخرى التي يستخدمها الإسرائيليون لإخضاع الشعب الفلسطيني، لم تبتكر إسرائيل أبدا استراتيجيات جديدة، بل قامت باتباع إجراءات استعمارية أوروبية استخدمتها أوروبا في مستعمراتها بنجاح. في الواقع، كانت الشروط التي وضعتها إسرائيل للاعتراف بشرعية ممثلين عن الفلسطينيين هي الشروط المعيارية التي وضعها الحكام الاستعماريون البريطانيون، بعد أن احتلت بريطانيا فلسطين بين كانون الأول/ ديسمبر 1917 وأيلول/ سبتمبر 1918.
بعيد الغزو البريطاني، أسس الفلسطينيون منظمات لا تعد ولا تحصى لمقاومة الاحتلال البريطاني ورعايته للاستعمار الاستيطاني اليهودي، كان أهمها الجمعيات الإسلامية- المسيحية وفروعها عبر فلسطين، حيث تم تشكيل أول فرع لها في مدينة يافا. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 1918، قدمت الجمعية الإسلامية- المسيحية في يافا مذكرة إلى الجنرال السير غيلبرت كلايتون، كبير المسؤولين السياسيين وواضع سياسات الإدارة العسكرية البريطانية، تؤكد فيها الطابع العربي لفلسطين (“وطننا العربي فلسطين”)، معترضة فيها على سياسة الوطن القومي اليهودي التي تضمنها وعد بلفور الصادر عام 1917. كانت المذكرة ذات دلالة مهمة، حيث كان المستوطنون اليهود، برعاية المنظمة الصهيونية (المعروفة منذ الستينيات بـ”المنظمة الصهيونية العالمية”)، قد نظموا مسيرة في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر، في الذكرى الأولى لصدور وعد بلفور للاحتفال بتحقيق مشروعهم الاستعماري.
قامت الجمعية الإسلامية- المسيحية بعقد أول مؤتمر وطني فلسطيني في القدس في أوائل عام 1919، دعت فيه إلى تحرير فلسطين وكل سوريا. وكان الهدف الرئيس للمؤتمر هو معارضة الاستعمار الاستيطاني اليهودي. أرسل المؤتمر وفدا إلى مؤتمر باريس للسلام لتقديم مطالبه، مستشهدا بمبادئ الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون عن حق تقرير المصير. وفي تموز/ يوليو 1920، وهو الشهر نفسه الذي احتلت فيه فرنسا سوريا وأنهت استقلالها، استبدل البريطانيون حكمهم العسكري في فلسطين بحكومة مدنية، وعينوا السياسي الصهيوني اليهودي البريطاني هيربرت صموئيل كأول مفوض سام لمستعمرتهم الجديدة.
انعقد المؤتمر الوطني الفلسطيني الثالث في يافا في كانون الأول/ ديسمبر 1920، ودعا إلى “استقلال” فلسطين. انتخب المؤتمر لجنة سميت باللجنة التنفيذية العربية، لتمثيله لدى الحكومة البريطانية وعلى الصعيد الدولي. وكان رد المفوض السامي صموئيل على مطالب المؤتمر بالاستقلال قاطعا بأن المشاركين في المؤتمر لا يمثلون الشعب الفلسطيني، كما رفضت عصبة الأمم منحهم الشرعية؛ لأنها أيضا كانت ملتزمة بمشروع الحركة الصهيونية لاستعمار اليهود لفلسطين. لم يذكر صك الانتداب (الصادر عام 1922 عن عصبة الأمم) الشعب الفلسطيني بتاتا، وكان يشكل في حينه أكثر من 90 في المئة من السكان. وخصص الصك ثلث مواده لقضايا تتعلق بالاستعمار اليهودي والمستوطنين اليهود، الذين شكلوا أقل من 10 في المئة من السكان.
عندما انتدبت الجمعية الإسلامية- المسيحية وفدا للسفر إلى أوروبا في عام 1921، كتب وزير الاستعمار البريطاني إلى هيربرت صموئيل بأن على الوفد أن يكون على دراية بأنه: “لا يمكن للإصلاح الإداري أن يستمر إلا على أساس قبول سياسة إنشاء وطن قومي لليهود، الذي يظل شرطا أساسيا في السياسة البريطانية”. وأضاف أيضا أنه “لن يُسمح لأي هيئات تمثيلية قد يتم إنشاؤها بالتدخل في التدابير (مثل الهجرة، وما إلى ذلك) المصممة لتفعيل مبدأ الوطن القومي أو للطعن في هذا المبدأ”.
وعندما عرض البريطانيون إنشاء مجلس تشريعي لفلسطين في عام 1922، أصروا على أنه يتعين على المرشحين والأحزاب الاعتراف بشرعية الانتداب الاستعماري البريطاني ومشروعه الاستعماري- الاستيطاني الصهيوني. رفض الفلسطينيون هذه الشروط، وأطلق المؤتمر الفلسطيني الخامس، الذي انعقد عام 1922، حملة لمقاطعة الانتخابات للمجلس. وقد أكد المؤتمر السادس في حزيران/ يونيو 1923، الذي عقد بعد أن منحت عصبة الأمم صك الانتداب إلى البريطانيين، عدم التعاون مع السلطات البريطانية. وفي نهاية الأمر، رفض البريطانيون الاعتراف بأي منظمة تمثل الفلسطينيين لا تقبل بشرعية الانتداب البريطاني على فلسطين والتزامه بالاستيطان اليهودي للبلاد. وبما أن أحدا لم يقبل هذه الشروط، فقد رفض البريطانيون الاعتراف بحقوق الفلسطينيين الوطنية وبمنظماتهم الوطنية طوال فترة احتلالهم للبلاد التي استمرت ثلاثة عقود.
عندما احتل الصهاينة فلسطين وأسسوا مستعمرتهم الاستيطانية في عام 1948، كان لديهم بالفعل استراتيجية فعالة اتبعها البريطانيون وعصبة الأمم لحرمان الفلسطينيين من الاعتراف بحقوقهم الوطنية. لذلك، شكّل اعتراف الأمم المتحدة (خليفة عصبة الأمم) بمنظمة التحرير الفلسطينية في عام 1974، أي بعد أكثر من نصف قرن من تأسيس عصبة الأمم ورعايتها للاستعمار اليهودي لفلسطين ورفضها الاعتراف بالشعب الفلسطيني، تحولا جذريا.
فقدت منظمة التحرير الفلسطينية، التي أسست السلطة الفلسطينية، الكثير من شرعيتها بعد اتفاقيات أوسلو، حيث أصبحت متعاونة مع الاحتلال وتنازلت عن الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.
ومع صعود حركة المقاومة الفلسطينية حماس في كانون الأول/ ديسمبر 1987 وتعاظم شرعيتها بين الفلسطينيين، بدأ الإسرائيليون في اتباع الصيغة الاستعمارية البريطانية القديمة نفسها، التي اتبعوها مع منظمة التحرير الفلسطينية، وهو جهد تكثف دوليا في التسعينيات، بعد استسلام أوسلو.
نتيجة للجهود الإسرائيلية في العقود الثلاثة الماضية، قامت الولايات المتحدة في تشرين الأول/ أكتوبر 1997 والاتحاد الأوروبي في كانون الأول/ ديسمبر 2001 بتصنيف حماس على أنها منظمة “إرهابية”، ورفضتا أي تعامل دبلوماسي معها ما لم “تعترف” بإسرائيل و”تنبذ” المقاومة المسلحة للاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي.
وبعد فوز حماس الساحق في الانتخابات التشريعية الفلسطينية لعام 2006، فرضت ما يسمى باللجنة “الرباعية”، المكونة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة، شروطا مماثلة على أي حكومة يمكن تشكيلها للسلطة الفلسطينية. ولم تكن هذه شروطا جديدة، بل هي ذات الشروط التي وضعها الغرب الاستعماري دائما لموافقته على التعامل مع قادة الفلسطينيين المستعمَرين. وفي عام 2018، هُزِم قرار برعاية الولايات المتحدة لإدانة حماس في الجمعية العامة للأمم المتحدة، على الرغم من أن الجهود الأمريكية الدؤوبة تمكنت من حشد 87 دولة لدعمه.
طعنت منظمة حماس قانونيا في عام 2010 في تصنيف الاتحاد الأوروبي لها كمنظمة إرهابية، وكسبت القضية في عام 2014 عندما حكمت المحكمة العامة للاتحاد الأوروبي لصالحها. استأنف الاتحاد الأوروبي القرار في عام 2015، وجاءت المزيد من الأحكام القضائية في عامي 2017 و2019 لإبقاء حماس على قائمة الإرهاب. لكن في أيلول/ سبتمبر 2019، نقضت محكمة أوروبية في لوكسمبورغ تلك القرارات وأزالت حماس من القائمة، مما دفع محكمة العدل الأوروبية إلى إزالتها أيضا. ولكن رغم ذلك، بما أن قرار محكمة الاتحاد الأوروبي هو “رأي” قانوني، فهو ليس ملزما للاتحاد الأوروبي، الذي يواصل اعتبار حماس منظمة “إرهابية”.
وهكذا باءت جهود حماس القانونية بالفشل، لكن الاتحاد الأوروبي أرسل في أيار/ مايو الماضي إشارات عن استعداده لفتح قنوات دبلوماسية مع حماس، شريطة أن تفي الأخيرة بشروطه بالاعتراف بإسرائيل وبشرعية استسلام منظمة التحرير الفلسطينية في أوسلو عام 1993.
أصبحت جهود نزع الشرعية عن حماس أكثر إلحاحا بعد الأداء العسكري للمقاومة في أيار/ مايو الماضي، عندما ردت على الهجوم الاستعماري الإسرائيلي المستمر. على ضوء ذلك، أطلقت المنظمات اليهودية السويسرية حملة للضغط على الحكومة السويسرية لإدراج حماس في قائمة المنظمات “الإرهابية”. ورفضت وزارة الخارجية السويسرية ذلك، لكنها شددت على أنها “تدين حقيقة أن حماس تنكر حق إسرائيل في الوجود، وأنها تعرّف الكفاح المسلح على أنه وسيلة مشروعة للمقاومة”.
وفي الشهر الماضي أيضا، قام البرلمان الألماني بحظر عَلَم حماس. أما بريطانيا، الراعية الأصلية والأقدم للاستعمار الاستيطاني في فلسطين، فقد صنفت في آذار/ مارس 2001 الجناح العسكري لمنظمة حماس، لكن ليس جناحها السياسي، على أنه “إرهابي”. في غضون ذلك، واجهت “الرباعية” احتمال فوز حماس مرة أخرى في الانتخابات الملغاة التي كان من المفترض إجراؤها هذا العام، فأعادت تأكيد شروطها الخاصة بالاعتراف بالحكومة الفلسطينية، أي إنه يجب على “الحكومة الفلسطينية المستقبلية أن تلتزم باللاعنف، وبالاعتراف بإسرائيل وبقبول الاتفاقيات والالتزامات السابقة”.
ما أظهره بوضوح تاريخ الرفض البريطاني والأمريكي والأوروبي والإسرائيلي للاعتراف بالحقوق الوطنية الأصلية للشعب الفلسطيني في بلده وحقه في الدفاع عن نفسه ضد الاستعمار الاستيطاني الصهيوني، هو أنه لن يتم الاعتراف بالفلسطينيين كشعب إلا بعد أن يتنازلوا عن جميع حقوقهم الوطنية الأصلية. لكن بمجرد استسلامهم وقبولهم بحق إسرائيل في استعمارهم وسرقة بلدهم، وبمجرد أن يتخلوا عن مقاومة الاستعمار الاستيطاني، فإن الغرب سيمنح الفلسطينيين تعريفا منافقا لنسخة “خفيفة” من حقوق الإنسان، التي سوف تستمر إسرائيل نفسها في إنكارها.
رفضت القيادات الفلسطينية الاستسلام لبريطانيا وإسرائيل منذ عام 1918 حتى عام 1993. لكن منذ استسلامهما، لم تعد منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية أكثر من نظام متعاون مع المحتل. ومع فقدان السلطة الفلسطينية النهائي لما تبقى من شرعيتها الضئيلة خلال الهجوم الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في أيار/ مايو، بدأت إسرائيل والغرب وحلفاؤهما العرب يشعرون بالقلق من الصعود الفلكي لشعبية حماس بين الفلسطينيين وعبر العالم العربي، مما دفع بهم لزيادة الضغط لنزع الشرعية عن المنظمة دوليا؛ في محاولة لفرض الاستسلام عليها على غرار منظمة التحرير الفلسطينية. بالطبع، يعرف قادة حماس جيدا، ولا سيما قادتها العسكريون، أن قبول الشروط الاستعمارية الإسرائيلية والغربية سيقوض الحقوق الوطنية الفلسطينية والنضال الوطني الفلسطيني المتواصل منذ قرن من الزمن.
ما ترفض إسرائيل وحلفاؤها العرب والغرب الاعتراف به، هو أنه بغض النظر عن القيادات الفلسطينية التي أجبرت على الاستسلام منذ أوائل عشرينيات القرن الماضي حتى يومنا هذا، فقد فشلت الجهود الاستعمارية دائما في تقويض النضال الفلسطيني ضد الاستعمار، وليس ثمة مؤشر على أنهم سينجحون في المستقبل