يتجدد الجدل الدائر عن جدوى العقوبات على نظام الأسد وأثرها في عامة الشعب كلما أُعلن عن إضافة أشخاص وكيانات إلى قوائم العقوبات. لذلك أجرى الباحثان وائل العلواني وكرم شعار، تقييما شاملا لفعالية العقوبات على النظام بدراسة تاريخها منذ فرضت أول مرة وحتى حزيران 2021، ومناقشة أوجه قصورها الحالية وتقديم توصيات تحسينية.
وتحاول الدراسة فهمَ منهجية العقوبات وفعاليتها عبر تحليل البيانات الرسمية عن الأفراد المعاقبين أميركيا وأوروبيا لتورطهم في انتهاكات مرتبطة بالشأن السوري (غير تلك المرتبطة بالإرهاب العالمي)، بالإضافة إلى معالجة الدراسات والأبحاث ذات الصلة وجمع بيانات إثرائية من المصادر المفتوحة والخاصة.
وأتيح للباحثَين بذلك عقد مقارنات بين الأسلوب الأميركي والأسلوب الأوروبي في العقوبات، والتحقق من دقة المعلومات المتاحة، وفهم توزيع العقوبات على الأبعاد العرقية والدينية والسياسية والأمنية. مع ملاحظة أن الـ 269 فردا المعاقبين أميركيا والعاملين في مركز البحوث العلمية قد تم استبعادهم من الدراسة لضآلة الدور المنوط بهم على المستوى الفردي في خضم المشهد السوري العام.
إحدى الخلاصات الرئيسية للدراسة هي اعتماد الأوروبيين على العقوبات بشكل أكبر من نظرائهم الأميركيين وخصوصا في الأيام الأولى من الثورة السورية. كما وجد الباحثان بعض الأخطاء في البيانات الرسمية وعلاقات أفراد غير دقيقة وحالات تضارب في صحة المعلومات الواردة في نصوص العقوبات، ما يثير أسئلة عن آليات إدارة البيانات وتحديثها ومدى فجوة التنسيق بين الجهود الأميركية والأوروبية. تحديات من هذا النوع سيكون لديها تداعيات تقوض من الهدف النهائي للعقوبات: تغيير سلوك المعاقَب.
العقوبات تستهدف قمة الهرم الإداري
كما خلصت الدراسة التي نشرها معهد الشرق الأوسط إلى أن العقوبات تميل لاستهداف قمة جبل الجليد، والجزء الظاهر من النظام، تاركة بذلك الكتل الشبكية المترابطة محليا ودوليا والتي برع النظام في نسجها لعقود بغرض تسيير أنشطته المارقة. علما أن هذه الخلاصة قائمة حتى بعد الطرح الحاسم للعقوبات الثانوية عبر قانون قيصر، والذي سهّل استهداف أي شخص وكيان -بغض النظر عن جنسيته- ممن يملك تعاونا ملحوظا مع أي شخص أو كيان مدرج في قوائم العقوبات الأميركية المرتبطة بسوريا.
ووجد الباحثان أن مقاربة الأسد للعقوبات بشكلها الحالي هي مقاربة “عقلانية” ترى أن كلفة الحل السياسي المطلوبة كشرط لرفع العقوبات أفدح من كلفة العقوبات في ميزان الربح والخسارة. ما يستدعي تغييرا حقيقيا في آلية العقوبات الغربية كي تؤتي أكلها، وهذا ما عبر عنه الباحثان في تقديم أربعة توصيات على أن تُطَبّق جماعة لا فرادى:
أولًا: إيقاف العمل بنوعين من أنواع العقوبات وهي: 1- الحظر الاقتصادي الواسع على “الدولة السورية” 2- العقوبات المستهدفة للقطاعات وخصوصا القطاع المالي والصرافة، لما لذلك من كلفة باهظة على المدنيين في الداخل والخارج. لا بد أن يتم ذلك بعد عقد مساومة مع النظام تدفعه لتقديم مقابل مجزٍ من جراء وقف العمل بهذين النوعين، كإطلاق سراح المعتقلين.
ثانيًا: توسيع استهداف الأفراد والكيانات المرتبطة بالنظام على مختلف المستويات التنفيذية، وليس فقط تلك الموجودة على قمة الهرم الإداري، من خلال زيادة استخدام تجميد الأصول وحظر السفر.
ثالثًا: تطبيق “سياسة” متكاملة نحو سوريا تهدف لتقويم سلوك النظام، وتتبنى الترغيب والعقاب معا بشكل أكبر، لأن “أداة” العقوبات لا ترقى لأن تكون فاعلة وحدها في تغيير سلوك النظام. يشمل ذلك عرض حوافز على حلفاء الأسد مثلا في مواضيع إعادة الإعمار المشروط برحيل الأسد، في مقابل ذلك تسريع المسار القانوني المفروض على مسؤولي النظام والمتعاونين بتفعيل مبدأ الولاية القضائية العالمية.
رابعًا: زيادة فعالية العقوبات عبر تبني منهج متعدد الأوجه:
1- يستهدف الشبكات العميقة للنظام والمستترة.
2- توظيف العقوبات الثانوية بأعلى نطاق.
3- تأسيس برنامج حوافز ومكافآت للمُبلغين عن الانتهاكات.
4- التعاون مع منظمات سورية لجمع الأدلة ورسم خرائط وشبكات السلطة.
وأوضحت الدراسة أن من أبرز أوجه القصور في آلية العقوبات الحالية هي تحاشي نشر المبررات والأسباب التي أدت لمعاقبة الفرد بشكل كافٍ. هذا الغموض يفتح باب التخمين الذي قد لا يطابق واقع الأمور.
سلطت الدراسة بعض الأخطاء في البيانات الرسمية للعقوبات، كالأخطاء في أسماء الشخصيات (سعمية\سمية حمشو)، أو علاقات غير صحيحة (محمد حمشو ابن حمو ماهر الأسد)، أو تواريخ ميلاد متناقضة في البيانات الأوروبية والأميركية لذات الفرد، كزهير (ذو الهمة) شاليش.
المصدر: ـ معهد الشرق الأوسط/موقع تلفزيون سوريا