عمرو صابح
كان توماس ايزيدور نويل سانكارا رائداً في جيش فولتا العليا ،اعتنق سانكارا الفكر الماركسي كما كان شديد الإعجاب بالثائر الأرجنتيني ” تشي جيفارا” ، كما تأثر بسياسات الرئيس المصرى جمال عبد الناصر فى مجابهة الاستعمار ، وضرورة استرداد أفريقيا من المستعمرين لصالح الأفارقة ، وتوحيد القارة الأفريقية.
استولى سانكارا على السلطة عبر إنقلاب عسكري لقي تأييدا شعبياً في 6 أغسطس من عام 1983، كان الزعيم الليبي معمر القذافي من الداعمين لتولى توماس سانكارا ورفاقه السلطة في فولتا العليا ،أرسل القذافي الأسلحة والأموال والمواد الغذائية من أجل استقرار نظام حكم سانكارا وقد وصلت هذه المعونات الليبية عبر دولة غانا التى كان يحكمها الرئيس “جيري رولينغز”.
فى الذكرى السنوية الأولى للثورة عام 1984 ، قام سانكارا بتغيير اسم بلاده من فولتا العليا إلى بوركينا فاسو ومعناها (أرض الرجال الشرفاء) ، كما قرر تغيير علمها ونشيدها الوطنى باعتبارهم من صنائع الاستعمار ، كتب سانكارا النشيد الوطنى الجديد لبلاده ، كما قام بتصميم العلم الوطنى الجديد ،وكتب عليه (الموت أو الوطن) وهي مقولة “جيفارا” التي قالها خلال خطابه في الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة فى 11 ديسمبر 1964.
كان سانكارا رجل أفعال بكل معنى الكلمة ، لقد صادر الأراضي من الأوروبيين والإقطاعيين والأغنياء ووزعها على الفقراء،و ألغى الضرائب عن شعبه ، وفرضها على الوزراء والأثرياء فقط. ، كما أنشأ محاكم ثورية متأثراً بنظام حكم كاسترو فى كوبا، ، كما أوقع عقوبات ثورية على كل من اعتبره فاسداً ، منع سانكارا الاستيراد لكل السلع تقريباً، ورفض سداد الديون الغربية معتبراً إياها نهب جديد لثروات بلاده .
قام سانكارا بتطبيق برنامج ضخم لاستصلاح الأراضي والزراعة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الانتاج الزراعي ، كما نفذ برنامج غرس 10 مليون شجرة فى بوركينا فاسو من أجل إيقاف التصحر ، وهو البرنامج الأول من نوعه في تاريخ أفريقيا.
نجحت برامج سانكارا و أصبحت بوركينا فاسو أول دولة إفريقية مكتفية ذاتياً من محاصيلها الزراعية مع وجود فائض في الإنتاج.
فى عهد سانكارا تم تشييد مئات الكيلومترات من الطرق والسكك الحديدية لربط سكان الريف بالمدن ، كما تم انشاء العديد من مصانع الطوب والاسمنت من أجل بناء المنازل للقضاء على الأحياء الفقيرة والعشوائية ، فضلاً عن بناء 7 الاف قرية جديدة , كما دعا “سانكارا” أبناء كل قرية إلى بناء مستوصف طبّي ومدرسة بأموالهم وجهودهم الخاصة، كان هدف سانكارا هو اثبات أن البلدان الافريقية يمكن أن تكون مزدهرة دون مساعدات خارجية أو معونات.
دشن سانكارا حملة لمحو الأمية في جميع أنحاء البلاد، مما أدى لارتفاع نسب المتعلمين فى عهده لتصل الى 90% بعد أن كانت لا تتعدى 50%.
سعى سانكارا إلى تحسين أوضاع النساء فى بلده ، فمنع ختان الإناث وزواج القاصرات،كما قام بتعيين النساء في كل المجالات الوظيفية حتى في الجيش ،كما شدّد “سانكارا” على تمكين النساء من أداء أدوارهن فى المجتمع.
قاد سانكارا حملة صحية لتطعيم 2.5 مليون طفل بوركيني ضد أمراض الالتهاب السحائي، والحمى الصفراء والحصبة ،واستطاع تحقيق طفرة هائلة فى الرعاية الصحية فى بلده لدرجة ان منظمة الصحة العالمية أرسلت رسالة لساناكارا أشادت فيها بالبرامج الصحية البوركينية وبما حققته من تطوير هائل فى مستوى الرعاية الصحية لشعب بوركينا فاسو.
في عام 1987 وأثناء اجتماع قادة منظمة الوحدة الأفريقية، قال توماس سانكارا فى خطابه :
( إن الدول الغربية تدير الديون بشكل بارع من أجل إعادة استعمار أفريقيا .. إن الهدف هو تحويل كل واحد منّا إلى عبد اقتصادي .. إن سياسات الفائدة والمساعدات قد انتهت بنا إلى تشويشنا وإخضاعنا وسلبنا الشعور بالمسئولية تجاه مشاكلنا الاقتصادية والسياسية والثقافية. لقد اخترنا أن نخاطر بأن نمضي في مسارات جديدة لتحقيق رفاهية أفضل)
أدت سياسات سانكارا التحررية إلى اكتسابه عداء القوى الغربية وعلى رأسها فرنسا التى كانت ترى فى أفريقيا حديقة فرنسا الخلفية وملعب لنفوذها الدولي وبئر لا ينضب لنهب ثروات الشعوب الأفريقية لصالح فرنسا ، كما أن رفض سانكارا للاعتماد على خطط صندوق النقد الدولي جعله مكروهاً من الأمريكيين ، كما ان سياساته الاصلاحية التقدمية كانت مرفوضة من زعماء القبائل والقيادات الروحية والدينية فى بلده بعد أن تسببت فى فقدانهم لامتيازاتهم المادية والأدبية ،وعملت على مساواتهم بجموع المواطنين ، كما أن رؤساء الدول الأفريقية من جيران بوركينا فاسو أصبحت لديهم خشية من تسلل نموذج سانكارا التنموي لبلدانهم خاصة أن سانكارا كان على المستوى الشخصي شديد الزهد فقد قام بتخفيض راتبه ورواتب وزراءه وكل المسئولين بوطنه ، كما رفض استخدام السيارات الفارهة فى مواكبه ، كما ألغى استخدام أجهزة التكييف فى منزله وفى مقر حكمه ، قائلاً انه سوف يستخدم التكييف عندما يصبح لدى كل بوركينى جهاز تكييف فى منزله.
قبيل اغتيال سانكارا بأسبوع ألقى خطاباً بمناسبة مرور 30 سنة على اغتيال جيفارا على يد عملاء المخابرات المركزية الأمريكية ، وبعد نهاية الخطاب قال سانكارا لمرافقيه : لقد مات جيفارا قبل أن يتم عامه التاسع والثلاثين ، ولدي شعور أننى أيضاً لن أعيش حتى أبلغ عامى التاسع والثلاثين.
فى 15 أكتوبر 1987 نفذ رفيقه وصديقه بليز كومباوري مؤامرة
بالاشتراك مع المخابرات الفرنسية من أجل اغتيال توماس سانكارا.
أرسل كومباوري مجموعة مسلحة مكونة من 12 ضابط كمنوا فى الطريق الذى سيسلكه سانكارا وهو ذاهب لاجتماع وزاري ، وأطلقوا عليه الرصاص وأردوه قتيلاً ثم مزقوا جثته لقطع صغيرة وأذابوها فى حمض الكبريتيك المركز.
تولى كومباوري رئاسة بوركينا فاسو بعد مقتل سانكارا ، وأعلن حزنه لمقتل صديقه فى حادث مؤسف!!
قبيل اغتيال سانكارا بأيام حذره خلصاءه من مؤامرة للقضاء عليه يقودها كومباوري ، كان رد سانكارا : ” الأصدقاء لا يخونون “.
بعد 33 سنة على اغتيال سانكارا مازالت ذكراه حية كواحد من أفضل حكام القارة الأفريقية فى القرن العشرين رغم قصر مدة حكمه التى لم تزد عن 4 سنوات وشهرين ، كما أن حياته أيضاً كانت قصيرة جداً ،فقد رحل قبل أن يتم عامه الثامن والثلاثين ، فقد ولد فى 21 ديسمبر 1949، وتم اغتياله فى 15 اكتوبر 1987.
أثبتت الأيام صدق سانكارا عندما قال:
“على الرغم من أنه يمكن قتل الثوار كأفراد، إلا أنه لا يمكن قتل الأفكار”.
المصدر: مورينيوز
_______________________________________
أخطر الطعنات وأكثرها سمية طعنة الصديق. وأبشع الخيانات خيانة الصديق، لذلك هي دائما قاتلة، تقتل القيم، وتقتل الحلم، وكثيرا ما قتلت الثورة.
لذلك كان الصديق الصدوق كنز لا يقدر بثمن، من ضيعه فقد ضيع ما لا يعوض.
د.مخلص الصيادي