حمادي معمري
شكل الحياة السياسية ما زال غامضاً وأصوات تنادي بتعجيل توضيح الرؤية والمنظومة الحزبية الراهنة ليست على هوى الرئيس.
مر نحو أسبوعين على القرارات الاستثنائية التي اتخذها رئيس الجمهورية قيس سعيد، في الخامس والعشرين من يوليو (تموز) 2021، وتونس تعيش حالة من الترقب في انتظار توضيح الرؤية لمستقبل البلاد، وتشكيل حكومة قادرة على الاستجابة لمطالب التونسيين في التنمية، وخلق الثروة وإيجاد مواطن الرزق.
انفراج الأزمة الصحية
ولئن سجلت تونس انفراجاً في الأزمة الصحية بتوافر لقاحات كورونا، وبعد أن جرى تطعيم أكثر من نصف مليون مواطن تونسي في يوم واحد، الأحد 8 أغسطس (آب) 2021، بتضافر جهود السلطات الصحية والعسكرية والأمنية وعديد المتطوعين ومنظمات المجتمع المدني، فإن التونسيين يأملون أن يوضح رئيس الجمهورية قيس سعيد، ملامح خريطة الطريق للفترة المقبلة، والحسم في احتمال عودة البرلمان من عدمها، أو الذهاب إلى انتخابات تشريعية ورئاسية سابقة لأوانها، أو طرح إمكانية تغيير النظام السياسي على الاستفتاء الشعبي.
أسئلة عديدة لا تزال تعتمل في أذهان التونسيين، في انتظار أن تكشف الأيام القادمة نوايا رئيس الجمهورية، الذي ما فتئ يحصد مزيداً من التأييد الشعبي.
فهل تعززت ثقة التونسيين في رئيس الجمهورية، بعد القرارات الاستثنائية التي اتخذها، بتفعيل الفصل الـ80 من الدستور، وعلق بمقتضاها عمل البرلمان، ورفع الحصانة عن النواب وعزل رئيس الحكومة؟ أم تراجعت بعد التأخر في الإعلان عن رئيس الحكومة الجديد وتشكيل الحكومة المقبلة؟
تحرير القضاء
يؤكد الباحث في القانون الدستوري، رابح الخرايفي، أن مزاج التأييد الشعبي للرئيس قيس سعيد “تعاظم بعد الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها”، خاصة منها تحرير القضاء، بإحالة عديد من النواب المتمتعين سابقاً بالحصانة البرلمانية على التحقيق، إضافة إلى وضع عدد من الشخصيات السياسية تحت الإقامة الجبرية، ونجاح اليوم الوطني للتلقيح ضد وباء كورونا.
ويضيف الخرايفي أن تلك الإجراءات “أنهت الاستقطاب السياسي الثنائي العبثي، بين حركة النهضة وحزب الدستوري الحر، وأراحت التونسيين من العبث السياسي تحت قبة البرلمان، الذي وصل إلى حد تبادل العنف”.
لا للإفلات من العقاب
ويؤكد الباحث في القانون الدستوري أن إعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي، وعدد من الوزراء المحسوبين على حركة النهضة وحلفائها “عزز حالة الارتياح الشعبي، والاطمئنان لتوجهات قيس سعيد، بعد أن سئم التونسيون أداء الطبقة السياسية”.
ويضيف الخرايفي، أن اتخاذ قرارات بوضع كل من الطيب راشد، الرئيس الأول لمحكمة التعقيب المتهم بالفساد، وبشير العكرمي وكيل الجمهورية، والوزير السابق أنور معروف، تحت الإقامة الجبرية، بعث رسالة مفادها أنه “لا أحد فوق القانون، ولا مجال للإفلات من العقاب”، لذلك تعاظمت ثقة التونسيين في رئيس الجمهورية.
ولفت الخرايفي إلى أن قيس سعيد “لا يتفق كثيراً مع المنظومة الحزبية الراهنة”، ويحملها مسؤولية تدهور الأوضاع في تونس، وهي التي عجزت عن فهم التحولات العميقة في المجتمع التونسي، متسائلاً عن شكل الحياة السياسية مستقبلاً في تونس.
وحالة الرضا عما أقدم عليه رئيس الجمهورية من قرارات، ترجمها خروج التونسيين ليلاً مباشرة على أثر الإعلان عن الإجراءات الاستثنائية، للتعبير عن فرحهم بانتهاء مرحلة سياسية اتسمت بالفشل والفساد والإفلات من العقاب، وارتهان القرار السياسي لبرلمان غارق في الصراعات السياسية الضيقة.
الرجل المخلص
ووجد التونسيون في رئيس الجمهورية صورة الرجل الذي استجاب لمطالبهم، كما أعاد الثقة بين الدولة والمواطن، حسب تقدير سامي نصر، المتخصص في علم الاجتماع، في تصريح إلى “اندبندنت عربية”، لافتاً إلى أن “علم اجتماع الصورة” يحيلنا على أن تفاعل التونسيين مع رئيس الجمهورية، هو تفاعل بين صورة الرجل المخلص، والأب الممثل للدولة الراعية، مع صورة التونسي المتعطش لرجل الدولة، الذي يصغي لمشاغل وهموم المواطنين.
ويرى نصر أن قيس سعيد نجح في تكريس تلك الصورة، من خلال قربه من التونسيين وتواصله المباشر معهم، وقطع الصورة النمطية لرجل الدولة والرئيس، الذي يتعامل بالحواجز الأمنية مع المواطنين، لذلك حرص قيس سعيد في أكثر من مناسبة على التواصل المباشر مع التونسيين والإصغاء إليهم، ومشاركتهم الحديث مصغياً إليهم ومجيباً عن تساؤلاتهم.
عودة الثقة
وأشار أستاذ علم الاجتماع إلى أن قيس سعيد نجح في رأب الصدع بين المواطن وأجهزة الدولة، لافتاً إلى انتشار حالة من التمرد في الفترة السابقة للخامس والعشرين من يوليو، على الإجراءات التي تتخذها الحكومة لمجابهة فيروس كورونا، واعتبرها تعبيراً رمزياً عن رفض التونسيين لتلك الحكومة، وعن سخطهم تجاه قراراتها، بينما يتقبل التونسيون اليوم قرارات رئيس الجمهورية، وأقبلوا بكثافة على التلقيح.
ويعتبر سامي نصر، أن التأخر في الإعلان عن رئيس الحكومة “لن يؤثر في شعبية رئيس الجمهورية”، مذكراً بأن سعيد ربح الانتخابات الرئاسية دون تقديم برنامج واضح، هو نفسه اليوم لم يقدم خريطة طريق للفترة المقبلة، إلا أن التونسيين “مطمئنون إليه”، معتبراً أن التأخير في إعلان الخريطة للفترة المقبلة “أزعج منافسيه ولم يزعج مؤيديه”.
أحزاب تطالب بوضع خريطة طريق
وعمّقت القرارات الاستثنائية حالة الانقسام في المشهد السياسي التونسي، حيث تطالب عدة أحزاب، معارضة لقرارات رئيس الجمهورية الاستثنائية، على غرار “حركة النهضة” و”قلب تونس” و”ائتلاف الكرامة” (الحزام السياسي لحكومة المشيشي)، وعدد من الأحزاب الأخرى كــ”التيار الديمقراطي” و”الحزب الجمهوري”، بالتسريع في وضع خريطة طريق للفترة المقبلة.
بينما تبارك عديد من الأحزاب الأخرى على غرار “حركة الشعب” و”تحيا تونس” وأكبر منظمة نقابية في البلاد، وهي الاتحاد العام التونسي للشغل قرارات رئيس الجمهورية.
ويشار إلى أن استطلاعاً للرأي، أجرته مؤسسة “إمرود كونسيلتنغ” المتخصصة في عمليات سبر الآراء، في الفترة بين 26 و28 يوليو 2021، شمل كافة ولايات تونس، وتمحور حول قرارات الرئيس قيس سعيد، بين أن 87 في المئة من التونسيين يؤيدون القرارات الاستثنائية، فيما اعترض عليها 3 في المئة فقط من التونسيين، في خطوة تعكس حجم التأييد الشعبي لإجراءات قيس سعيد.
المصدر: اندبندنت عربية