ابتسام عازم
شكّل تبني مجلس الأمن الدولي في نيويورك في 9 يوليو/تموز الماضي قراره، 2585 (2021)، حول التجديد لتقديم المساعدات الإنسانية العابرة للحدود إلى سورية عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، منعطفاً مهماً في ما يخصّ العلاقات الروسية الأميركية، وخطوة للتقارب بين موسكو وواشنطن حول الملفات الدولية. لكن “الامتحان” الحقيقي لمدى نجاح أو ثبات ذلك، سيظهر بعد قرابة خمسة أشهر عندما يقدم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس تقريره الذي من المفترض أن يؤدي إلى تجديد الآلية لستة أشهر إضافية بشكل “تلقائي/آلي”. إلا أنّ لغة القرار، حول ما إذا كان هذا التجديد آلياً أم لا، مبهمة، مما يفسّر كذلك تضارب التصريحات الأميركية والروسية حول الموضوع.
ويرى بعض المراقبين أن التمديد التلقائي أو عدمه، سيكون فعلياً منوطاً بتغييرات على الأرض، وليس بالضرورة بتقرير الأمين العام بشكل رئيسي. وتتعلق تلك التغييرات بعدد من الأمور؛ أولها زيادة حجم المساعدات عبر خطوط النزاع، أي تلك التي تمرّ بالأراضي التي يسيطر عليها النظام السوري وتحتاج التنسيق معه وموافقته. كذلك مشاريع “الإنعاش المبكر” (زيادة العمل التنموي على مشاريع مستدامة)، إضافة إلى مراقبة أكبر على المساعدات التي تدخل عبر معبر باب الهوى الحدودي. واللافت للانتباه أنّ النقاط الثلاث تذكر للمرة الأولى بهذا التفصيل.
وعلى الرغم من أنّ مجلس الأمن تبنى القرار قبل أكثر من شهر، إلا أنّ الجدل في مقر الأمم المتحدة في نيويورك ما زال دائراً حول ما إذا كان التمديد بالفعل آلياً أم أنّ الروس سيجبرون المجلس على التصويت مجدداً في يناير/كانون الثاني المقبل بعد مرور ستة أشهر، في حال توترت العلاقات وارتأوا العودة إلى حلبة المواجهات مع الجانب الأميركي. ولم يؤد التمديد للآلية في 9 يوليو إلى أي تغييرات كبيرة في ما يخصّ المساعدات الإنسانية عبر الحدود، بحسب ما أكدته مصادر رفيعة المستوى في الأمم المتحدة في نيويورك لـ”العربي الجديد”. إذ كان الحجم الإجمالي للشاحنات التي دخلت عبر معبر باب الهوى في يوليو الماضي، أقل من الأشهر السابقة التي شهدت عبور 950 إلى 1000 شاحنة شهرياً. وأكدت المصادر أنّ هذا الانخفاض كان متوقعاً، وقد أدخلت كميات كبيرة من المساعدات تحسباً له، قبل الموعد النهائي للتمديد. وفي ما يخصّ الإمدادات للشمال الغربي من سورية عبر المناطق التي يسيطر عليها النظام، أي عبر خطوط النزاع، فإنه لم يبرم بعد اتفاق بشأن أول عملية منذ تبني القرار.
وكان نائب السفير الروسي للأمم المتحدة، دمتري بولانسكي، قال لـ”العربي الجديد” في نيويورك، إنه “لا يوجد تجديد تلقائي لآلية المساعدات العابرة للحدود في سورية، سنرى ما سيكون لدينا على الطاولة بعد نصف عام، ثم سنقرر كيف وما إذا كانت الآلية العابرة للحدود ستستمر أم لا”. ويربط الجانب الروسي التجديد الآلي بالنقاط الثلاث آنفة الذكر. وأضاف بولانسكي في هذا السياق: “نتطلع للعمل مع شركائنا لتحقيق ذلك، ولكي نرى زيادة كبيرة في عمليات التسليم عبر خطوط النزاع وفي الجهود المبذولة للمساعدة في إعادة الإعمار في سورية. يعتمد ذلك على الأمين العام ومدى شفافية التقرير ومدى تفصيله. أعتقد أن لدينا معايير واضحة (في نص القرار)”.
وبالفعل، فإنّ القرار 2585 (2021) حول التجديد لآلية المساعدات العابرة للحدود يختلف عن القرارات السابقة حول الموضوع نفسه، وآخرها على سبيل المثال القرار 2533 (2020). ومن أبرز الإضافات هو نصه على أنه “يسلم بأنّ الأنشطة الإنسانية أوسع نطاقاً من مجرد تلبية الاحتياجات العاجلة للسكان المتضررين، وأنها ينبغي أن تشمل تقديم الدعم للخدمات الأساسية من خلال مشاريع الإنعاش المبكر الهادفة إلى توفير المياه وخدمات الصرف الصحي والرعاية الصحية والتعليم والمأوي”. ويرحب القرار في الفقرة الرابعة “بالجهود والمبادرات الرامية إلى توسيع نطاق الأنشطة الإنسانية في سورية، بما في ذلك مشاريع الإنعاش المبكر، والتي تضطلع بها اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمات أخرى”. كما يطلب بأن يركز تقرير الأمين العام “بوجه خاص على مسألة الشفافية في العمليات، والتقدّم المحرز في الوصول عبر خطوط النزاع لتلبية الاحتياجات الإنسانية”.
ويبدو أنّ الجانب الروسي يرى مشاريع الإنعاش المبكر جزءاً أو خطوة أولى في اتجاه إعادة الإعمار. وفي هذا السياق يمكن فهم تصريحات بولانسكي لـ”العربي الجديد”، والتي قال فيها “في ما يخص جهود إعادة الإعمار، فإن جميع الدول الأعضاء في مجلس الأمن صوتت للقرار وأشادت به. والقرار يتحدث بشكل واضح عن “مشاريع إنعاش” وتأييدها، وهذا لم يكن موجوداً في القرارات السابقة”. وأضاف حول تقديم المساعدات عبر خطوط النزاع، أي عبر الأراضي التي يسيطر عليها النظام: “على شركائنا الدوليين (الدول الأوروبية والولايات المتحدة) أن يثبتوا الآن أنهم مخلصون في تعهداتهم لنا، بأنهم سيعملون على تسليم المساعدات عبر خطوط النزاع. وفي ما يخصّ الفترة الأولى، نريد أن يكون تسليم المساعدات الإنسانية عبر خطوط النزاع مكملاً لتلك عبر الآلية العابرة للحدود، لكي تكون كنوع من حزمة واحدة”. وتابع حول تلك التغييرات: “إذا قارنت القرار السابق الذي كان تقنياً مع القرار الحالي، فسترين أن التغييرات مهمة جداً. إنها تغييرات هيكلية وتغييرات أساسية في النهج الدولي للمساعدات الإنسانية في سورية، فهذا يعني أنه يجب أن تكون هناك تغييرات مرئية بحلول الوقت الذي يتعيّن علينا فيه اتخاذ قرارات لإطالة عمل الآلية العابرة للحدود”.
ويحاول الطرف الأميركي وضع هذا الربط الجديد داخل نص القرار، وخاصة في ما يتعلق بمشاريع “الإنعاش المبكر”، في سياق مجهودات المساعدات الإنسانية وليس في سياق إعادة الإعمار. إذ تصرّ الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، على أنها لن تقدم أي دعم لإعادة الأعمار، ما لم يتم إحراز أي تقدم ملموس على عدد من الأصعدة من ضمنها السياسي. ويشير الجانب الأميركي في هذا السياق، إلى أنه يدعم تقديم المساعدة للسوريين من خلال جميع الوسائل، سواء عبر خطوط النزاع أو عبر الآلية العابرة للحدود، من أجل توصيل أكبر حجم منها. ويحاول وضع تلك المشاريع ودعمه لها، في إطار اعتبارها جزءا من الأنشطة الإنسانية التي تتجاوز مجرد تلبية الاحتياجات الفورية للسكان المتضررين، لتشمل أموراً مثل الصرف الصحي والمياه والصحة، وهو ما تقوم به الولايات المتحدة عن طريق دعم مشاريع في هذا المجال في سورية.
وكان الإطراء المتبادل بين السفيرة الأميركية، ليندا توماس- غرينفيلد، ونظيرها الروسي فاسيلي نبنزيا، حول التعاون المشترك والتنسيق والشكر المتبادل بعد تبني القرار حدثاً نادراً، إذ لم تشهده قاعة المجلس منذ سنوات طويلة بين الطرفين الأميركي والروسي. بل إن المندوب الروسي ذهب إلى حد وصف الجهود الأميركية الروسية المشتركة لصياغة جزء من نص القرار والتصويت بالإجماع له “بلحظة تاريخية نتمنى أن تشكل نقطة تحوّل”.
لكن اللافت في التنسيق الروسي الأميركي أنه حيّد بعض الشيء حلفاء أميركا الغربيين ودائمي العضوية في مجلس الأمن، بريطانيا وفرنسا من جهة، والصين حليفة روسيا من جهة أخرى، إذ لم يشاركوا في المباحثات المباشرة بين الأميركيين والروس، وإن أطلعوهم على مجرياتها. بل إن بعض تحفظاتهم، سواء الأوربيين أو الصينيين، لم تؤخذ بعين الاعتبار، وقد عبروا عن امتعاضهم بصراحة، على الرغم من تصويتهم للقرار. واحدة من النقاط الأساسية التي أراد الصينيون أن يتطرق إليها القرار هي قضية العقوبات الأميركية على النظام السوري ورفعها أو تخفيفها. لكن الأميركيين وفي مباحثاتهم مع الروس، سواء بين السفراء في نيويورك، أو تلك التي سبقتها في 2 يوليو الماضي، بين المبعوث الرئاسي الروسي لسورية ألكسندر لافرنتييف، ومنسق مجلس الأمن القومي الأميركي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بريت ماكغورك، أصروا على أنّ تلك العقوبات خط أحمر. أمّا الفرنسيون، فقد أكدوا أنهم وبقية دول الاتحاد الأوروبي، لن يشاركوا بأي إعادة إعمار أو مبادرة “إنعاش مبكر”.
ومنذ تولي جو بايدن الرئاسة الأميركية في يناير/كانون الثاني الماضي، يمكن أن يلاحظ في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، طريقة إدارة جديدة للملفات الدولية ومحاولة الولايات المتحدة العودة وقيادة مساعي التعددية الدولية. لكن الأميركيين لا يضعون قضايا الشرق الأوسط على سلم أولوياتهم، على الرغم من نشاطهم الملحوظ، إذ يعطون أولوية أكبر لآسيا ومواجهة الصين هناك. وقد يُجبر ما يحدث على الأرض في سورية الجانب الأميركي على اتخاذ مواقف أكثر حسماً، على الأقل في الفترة المقبلة.
المصدر: العربي الجديد