خالد خليل
تترقب إسرائيل بقلق مجريات الأحداث في أفغانستان، إثر سيطرة حركة طالبان على البلاد، رغم المسافات البعيدة التي تفصل كابل عن تل أبيب، وترى ما يحدث بأنه تجسيد لتوجهات انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، الأمر الذي يقلق تل أبيب أكثر من صعود “طالبان” إلى الحكم. ومن زاوية أخرى ترى تل أبيب أن الاضطرابات هناك ربما تؤثر على “عدوتها” طهران.
حذر وزير الدفاع الإسرائيلي السابق موشيه يعالون من أن سيطرة حركة طالبان على أفغانستان ستؤثر على أمن إسرائيل.
وقال يعالون في تغريدة نشرها، الأحد الماضي، عبر حسابه الرسمي على “تويتر”، بالرغم من أن أفغانستان بعيدة عن إسرائيل، إلا أن انسحاب الولايات المتحدة وسيطرة طالبان سيكون لهما تداعيات على مكانة واشنطن في الشرق الأوسط، وعلى أمن إسرائيل.
وأثار السقوط السريع للعاصمة الأفغانية كابل بيد مقاتلي طالبان، اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية، شأنها شأن معظم وسائل الإعلام العالمية، وأفردت لهذا الحدث العالمي الأبرز مساحات من تغطياتها الإخبارية، ونشرت تحليلات ركزت في معظمها على تناول قضية انسحاب واشنطن، الحليفة الأبرز لتل أبيب، من المنطقة.
وقال الباحث الأول في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS) عوفر شلح، إن الانسحاب الأميركي يؤثر على أمن إسرائيل أكثر من “صعود طالبان” إلى السلطة في أفغانستان.
وكانت حركة طالبان قد سيطرت الأحد على القصر الرئاسي في كابل، من دون قتال أو إراقة الدماء، معلنة سيطرتها الكاملة على البلاد، مغلقة بذلك 20 عاما لأطول حرب تخوضها الولايات المتحدة في تاريخها.
يشار إلى أن واشنطن بدأت حربها ضد أفغانستان في أعقاب هجمات الـ 11 من سبتمبر في عام 2001 للقضاء على تنظيم القاعدة، استمرت عقدين كاملين خسر خلالها الأميركيون أكثر من 2300 جندي وإصابة عشرات الآلاف وإنفاق 2 تريليون دولار من أموال دافعي الضرائب، وفي المقابل سقط عدد لا يحصى من الضحايا الأفغان.
الانسحاب الأميركي
ونشر عوفر شلح، الذي شغل في السابق منصب رئيس للجنة الفرعية لبناء القوة في لجنة الشؤون الخارجية والدفاع الإسرائيلي، مقالاً في صحيفة “يديعوت أحرونوت” أوضح فيه أن سياسة واشنطن الخارجية خلال العقدين الأخيرين باتت انسحابية خلافاً لما كانت عليه في التسعينيات عندما كانت هجومية وأكثر تطلعاً لإحداث تغيير في العالم تعزيزاً لمكانتها العالمية.
وقال الباحث الإسرائيلي إن سياسات واشنطن الخارجية منذ عهد أوباما ومن بعده ترامب وكذلك بايدن، تعتمد بشكل رئيسي على تقليص الخسائر وتقليل سقف التوقعات والالتفات إلى الشؤون الداخلية الأميركية، منبهاً أن هذا التوجه سيؤثر على إسرائيل أكثر من سقوط أفغانستان بيد المتشددين.
ولفت عوفر شلح إلى خيبة أمل الإسرائيليين من تراجع اهتمام الولايات المتحدة بالمنطقة، خشية خسارتهم لوجود حليفتهم الأبرز في المنطقة.
وأضاف، على من يعلق الآمال على بقاء واشنطن لمساعدتنا ضد الإيرانيين والفلسطينيين وفي إيجاد تسوية في سوريا، أن يعلم أن المواطن الأميركي يؤثر عليه ما يحدث في كابل من خسائر أكثر من اهتمامه بنشر الديمقراطية ومحاربة الإرهاب.
رؤية نشر الديمقراطية ولو بالقوة
وبحسب الباحث الإسرائيلي، ما يحدث الآن في أفغانستان ليس مجرد هزيمة عسكرية للولايات المتحدة، وإنما تراجع نهائي عن نظرة وجوب تغيير للعالم، التي كان يُنظر إليها في يوم من الأيام على أنها بمنزلة الواجب الديني تقريباً من قبل “المحافظين الجدد” في واشنطن قبل ثلاثة عقود.
في تسعينيات القرن الماضي، وبالتحديد 1990 أعلن وزير الدفاع في إدارة جورج دبليو بوش، ديك تشيني، عن نوع من المنافسة لصياغة استراتيجية وطنية لحقبة ما بعد الحرب الباردة، ووصلت إلى طاولته وثيقتان، تطالبان بتدخل أكبر لواشنطن لقيادة العالم عبر نشر الديمقراطية ولو اضطرت لفرضها بالقوة العسكرية.
الأولى قدمها رئيس هيئة الأركان المشتركة آنذاك كولن باول، باعتباره ضابطا سابقا في حرب فيتنام، شدد فيها على الحاجة إلى شرعية داخلية وخارجية لأي عمل عسكري، وأوصى بتشكيل تحالفات دولية، واستخدام أقصى للقوة وبوقت أقل وخروج أسرع في حالات الحرب.
أما الوثيقة الثانية، كتبتها مجموعة عرفت فيما بعد باسم “المحافظون الجدد”. وتنص على أن الولايات المتحدة لديها فرصة تاريخية محدودة لتعزيز مكانتها كقوة عالمية عظمى. الوثيقة مشبعة بروح أنه “إذا تم تحرير الدول من أغلالها فسوف تتطلع إلى أسلوب الحياة الأميركية”.
وكان “المحافظون الجدد”، يرون أنه من واجب الولايات المتحدة أن تشجع على نشر “الأشكال الديمقراطية للحكم والأنظمة الاقتصادية المفتوحة” في كل مكان من العالم، وألا تدخر أي وسيلة في سبيل تحقيق هذه الغاية، بما في ذلك استخدام القوة العسكرية، ولو بشكل فردي من دون غطاء دولي.
واشنطن تخلت عن فكرة تغيير العالم
منذ مطلع الألفية الجديدة، خاضت الولايات المتحدة بقيادة بوش الابن أطول حربين في تاريخها، في أفغانستان والعراق، لم يكن الهدف منها “نشر الديمقراطية ومكافحة الإرهاب” فحسب، وإنما انطلاقاً من الاعتقاد بأن واشنطن لديها واجب أخلاقي لقيادة العالم، وسلطة أخلاقية تخولها استخدام القوة لأجل هذا الهدف.
ويقول عوفر شلح، من المفارقات، إن ممن شاركوا في كتابة وثيقة “المحافظون الجدد” كان نائب وزير الدفاع للشؤون السياسية آنذاك زلماي خليل زاد، أحد أبرز من دفع إدارة جورج بوش الابن لشن حرب ثانية على العراق (2003)، ولكنه اليوم هو من يدير المحادثات مع الأفغان التي أفضت إلى هزيمة واشنطن ومشروعها في أفغانستان.
يشار إلى أن زلماي خليل زاد، يشغل حالياً منصب المبعوث الأميركي الخاص إلى أفغانستان، أدار مفاوضات خلال الأشهر الماضية مع “طالبان” للوصول إلى حل سياسي قبيل ترتيبات الانسحاب.
وتعود أسباب مضي بايدن إلى تنفيذ وعود الانسحاب من أفغانستان إلى الفاتورة الباهظة التي دفعتها واشنطن، بعد مقتل نحو 7000 جندي أميركي في الحروب في أفغانستان والعراق، وإنفاق أكثر من 3 تريليونات دولار فيها، أي نحو 15% من إنتاجها السنوي.
ويضاف إلى تلك الأسباب التحديات الاقتصادية والاجتماعية داخلياً، والتنافس الاقتصادي مع الصين عالمياً الذي يشكل أبرز تحدٍّ لواشنطن، كل هذه الأمور أفقدت الولايات المتحدة الأمل في تغيير العالم وكذلك جزءاً من إحساسها بالقوة الداخلية، بحسب تعبير الباحث الإسرائيلي.
الاضطربات الأفغانية ليست لصالح إيران
في المقابل، رغم أن التقديرات الإسرائيلية تحدد ما يجري في أفغانستان على أنه مؤشر خطر على أمن إسرائيل، ووصف الانسحاب الأميركي بأنه هزيمة عسكرية، إلا أن بعض التحليلات الإسرائيلية ترى أن هذه الخطوة ستشغل إيران، التي تعتبرها تل أبيب “أخطر تهديد لها”.
ويقول خبير الشؤون الأمنية والعسكرية في صحيفة “يديعوت أحرونوت” رون بن يشاي، ستفقد الولايات المتحدة هيبتها كقوة بسبب فشلها العسكري في أفغانستان، لكن بشكل عام سيستفيد الأميركيون لأن وجودهم هناك خدم روسيا والصين وإيران.
ويضيف رون بن يشاي، كان من مصلحة إيران وروسيا والصين وجود حكومة مستقرة في أفغانستان وليس خضوعها لمتشددين يهددون استقرار هذه البلدان، لافتاً إلى أن الصينيين والروس والإيرانيين يسارعون الآن لمحاولة إقامة علاقات مع طالبان.
ويشبّه رون بن يشاي التجربة الأميركية في أفغانستان بالمغامرة الإسرائيلية في لبنان، وبأنها محاولة لتحقيق أكثر مما يمكن تحقيقه من خلال القوة العسكرية والحلفاء المشكوك فيهم، ومن ثم تراجع الرغبة في تحمل الخسائر.
ويقول الصحفي الإسرائيلي، إن أسباب انسحاب الأميركيين من أفغانستان هي بالضبط الأسباب نفسها التي دفعتنا إلى الانسحاب من الجنوب اللبناني في عام 2000، بعد 18 عاماً من اجتياح الجيش الإسرائيلي للبنان.
يشار إلى أن رون بن يشاي، شارك في تغطية العديد من الحروب والنزاعات العسكرية في عدة مناطق بالعالم كمراسل حربي، منها الحرب على أفغانستان، التي نشر صوراً له مع مقاتلي “طالبان” في عام 2001.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا