عمر الجنابي
بعد دقائق على تداول وسائل إعلام محلية وعربية، خبر تقديم رئيس هيئة الحشد الشعبي، فالح الفياض، دعوة إلى رئيس النظام السوري، بشار الأسد، لحضور اجتماع قمة دول الجوار، والمزمع انعقاده نهاية الشهر الجاري في بغداد. أعلنت وزارة الخارجية العراقية أن حكومة مصطفى الكاظمي غير معنية بهذه الدعوة، وأن “الدعوات الرسميّة تُرسَل برسالةٍ رسميّة وباسم رئيس مجلس الوزراء العراقي، ولا يحق لأي طرفٍ آخر أن يقدم الدعوة باسم الحكومة العراقيّة”. أي أن الفياض تحرك من رأسه، وأنه كما يُقال في العراق “من يأت من غير دعوة لا يجلس على فراش”.
الفياض وكما هو معروف يُحسب على محور إيران في العراق، وهو رئيس هيئة الحشد الشعبي، المكونة من مجموعة فصائل مسلحة معظمها تدين بالولاء للولي الفقيه في إيران، وتعرف في العراق باسم “الولائية”، نسبة إلى الولاء للمرشد الإيراني. وبالتالي يبدو أن إيران أرادت إحراج حكومة الكاظمي ووضعها أمام الأمر الواقع، لا سيما أن الكاظمي وجّه دعوات إلى زعماء إقليميين ودوليين لا يحبذون الجلوس إلى جوار رئيس النظام السوري أو الجلوس معه على طاولة واحدة، مثل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والعاهل السعودي الملك سلمان، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وقد يكون التعهد بعدم حضور بشار جزءاً من الدعوات الموجهة إلى هؤلاء الزعماء.
وبالرغم من حديث متخصصين في الشأن العراقي والإقليمي، حول طرح الملف السوري بقوة خلال قمة بغداد، وخصوصا فيما يتعلق بإعادة الاستقرار وحسم ملف النازحين وفي مقدمته مخيم الهول، وتأمين الشريط الحدودي وملف تنقل المقاتلين الكرد بين البلدين وتحديداً حزب العمال الكردستاني، وتنقل فصائل الحشد الشعبي على جانبي الحدود، لا سيما بعد تعرضها لقصف أميركي متكرر من الجانبين العراقي والسوري. فإنَّ حضور رئيس النظام السوري لن يكون من أولويات القمة، وهذا إن دل على شيء فيدل على عدم وجود أي تأثير لبشار الأسد في مستقبل سوريا، وهو غير مرحب به دوليا، باستثناء الجانب الإيراني الذي حاول توريط الحكومة العراقية بدعوة الأسد للقمة، لكن بغداد سارعت للنفي والتملص خشية “زعل” أي من الزعماء.
القمة التي ستجرى في بغداد نهاية آب / أغسطس الجاري، ستركز في جدول أعمالها على الأمن والاقتصاد في المنطقة، ووجهت الحكومة العراقية دعوات رسمية إلى زعماء، كل من: فرنسا وتركيا وإيران والسعودية ومصر والأردن وقطر والكويت والإمارات، في حين سيغيب رؤساء سوريا ولبنان عن القمة، بعدم دعوتهما رسميا لحضورها، بالرغم من محاولات جهات وأحزاب مقربة من إيران، للضغط على الحكومة العراقية من أجل إقناع زعماء بعض الدول المشاركة في القمة، للقبول بتوجيه دعوة إلى رئيس النظام السوري، لكن الحرج الذي وقع به رئيس هيئة الحشد الشعبي، أكد أن المحاولات الإيرانية باءت بالفشل، حتى الآن.
أما لبّ هذه القمة، فهي محاولة من الحكومة العراقية “المؤقتة”، للعب دورٍ يشفع لها دوليا وإقليميا، عبر مدّ الجسور بين دول المنطقة، بعد الفشل المحلي في السيطرة على الأمن وتلبية مطالب الشعب وخصوصا المحتجين منهم، والذين لولاهم لما جاءت هذه الحكومة إلى السلطة بعد الإطاحة بحكومة عادل عبد المهدي السابقة، يضاف إلى ذلك الفشل في إعادة إعمار المناطق المدمرة وملف النازحين وضحايا الإخفاء القسري والاقتصاد والتوازن السياسي. وأيضاً أنيط بالعراق لعبُ دَور الوساطة في حل الصراع الإقليمي وخصوصا بين إيران والسعودية، إذ شهدت الأرض العراقية خلال الأشهر القليلة الماضية عدة لقاءات بين موفدين من الدولتين، وأنباء عن وجود لقاء على المستوى القيادي في إيران والسعودية، على هامش قمة بغداد.
وبحسب مصادر عراقية، فإن قمة دول الجوار الإقليمي في بغداد، ستشهد طرح إطلاق مبادرة لرفع الحصار الاقتصادي عن إيران وتخفيف العقوبات عليها، ومبادرة أخرى لإعادة المهاجرين من جراء الحروب الأخيرة بالمنطقة في إطار إعادة الاستقرار والتوازن، وتضمين دعم الانتخابات المبكرة بالعراق في الـ 10 من تشرين / أكتوبر المقبل ودعم لبنان اقتصاديا، في البيان الختامي للقمة.
وبالرغم من أهمية اجتماع زعماء ورؤساء وملوك دول المنطقة في هذا التوقيت، فإن عدم المطالبة بوقف إيران دعمها للفصائل المسلحة في العراق وسوريا واليمن ولبنان، وإلزامها بتعهدات للتخلي عن مشروع تصدير ثورتها إلى دول المنطقة العربية، لا يقدّم قيمة لهذه القمة ولا أيَّ فائدة من أي مشاريع أمنية أو اقتصادية قد تنجم عنها، إذ لا يمكن تطبيق أية خطة أمنية أو اقتصادية في ظل وجود فوضى السلاح والفصائل المدعومة إيرانيا، ولا يمكن إعادة الاستقرار والتوازن في المنطقة مع وجود يد إيران الضاربة جوا وبرا وبحرا، ولن تستطيع بغداد نفسها إجراء انتخابات مقبولة، ما لم تخضع إيران لسياسة احترام سيادة دول الجوار، ولا فائدة من تقديم الدعم إلى لبنان، وحزب الله يستولي على ذلك الدعم ويترك الشعب اللبناني يصارع للبقاء.
ولعل حسَنة قمة بغداد، هي عدم الخضوع لإملاءات إيران في منح الشرعية والاحترام للجهات والأنظمة المدعومة من قبلها، فعدم توجيه دعوة إلى رئيسي النظامين السوري واللبناني، وتجاهل الحوثيين، أمر يُحسب لحكومة الكاظمي. كما أن حضور إيران منفردة عن محورها، يضعها أمام الواقع الدولي الذي يجب أن تذعن له لا سيما مع تفاقم أزمتها الاقتصادية، ومنحها فرصة قيمة للجلوس مجددا مع محيطها الدولي، لتعيد الهواء مجددا إلى رئتها الاقتصادية، في مقابل أن تدفع فاتورة ذلك أمنيا وثمنه رؤوس فصائلها المسلحة في المنطقة.
وهنا لا بد من معرفة ماهيَّةَ سقفِ طموح الدول المشاركة في قمة بغداد، خصوصا تلك التي تريد الاستثمار والاستقرار الأمني على حدودها، وعلى ماذا ستفاوض وماذا ستقدم وعن ماذا ستتنازل؟ بالنسبة للعراق فهو يريد عبور امتحان الانتخابات بلا أي اقتتال شيعي – شيعي على رئاسة الحكومة، وهذا يتطلب ضمانات إيرانية، كما أن الربط الكهربائي مع دول الخليج ومصر والأردن أيضا يتطلب التوقف عن تدمير أبراج نقل الطاقة الكهربائية، وهذا يحدث بقرار إيراني، بالإضافة إلى إيقاف استهداف البعثات الدبلوماسية والشركات الاستثمارية وقوات التحالف الدولي، وكل ذلك بيد اللاعب الإيراني في العراق. وبالنسبة لتركيا والسعودية فيشغلهما الدعم الإيراني لفصائل مسلحة مناهضة للبلدين، بالإضافة إلى عرقلة الاستثمارات الاقتصادية في دول المنطقة، فماذا ستقدم الدول الحاضرة إلى القمة لإيران؟ وعن ماذا ستتنازل الأخيرة؟
حكومة إبراهيم رئيسي “المتشددة” لن تقبل بالقليل، كما لن تتنازل عن الكثير، وإيران تعلم جيداً أنها تفاوض عن سوريا ولبنان واليمن وربما حتى العراق؛ لأنها صاحبة النفوذ الأكبر في سلطته خلال السنوات الأخيرة، وبالتالي حتى وإن كانت وحيدة على طاولة الاجتماع، فإنها تدرك حجمها وثقلها بين الحاضرين الذين لا يملكون إلا الحوار معها ومفاوضتها. بالمقابل يدرك الجميع ما تعانيه إيران اقتصاديا وحرب الاستنزاف التي خاضتها مع الولايات المتحدة اقتصاديا، بالإضافة إلى فشل مفاوضات ملفها النووي وهي بحاجة إلى الراحة والتنفس من جديد لتتمكن من التفكير والعمل للقادم، ووسط كل ذلك قد تكون قمة بغداد هي آخر محاولة للحوار في المنطقة وإعادة المياه إلى مجاريها. فإن فشل الحوار ورسم خريطة طريق للتفاهم، ستكون ضريبته تصعيداً من مختلف الأطراف وبحجم التغيرات والتنازلات التي حصلت أخيراً في أفغانستان.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا