البروفيسور إبراهام بن تسفي
في الأول من أيلول 1975، في ختام مساعي الوساطة الحثيثة من جانب الرئيس جيرالد فورد ووزير الخارجية هنري كيسنجر، وقع الاتفاق المرحلي بين إسرائيل ومصر. وكانت إحدى العقبات في مسار التسوية تخوف إسرائيل من عدم احترام الإدارة التزامها بإقامة محطة إنذار مبكر بمنطقة أم حشيبا في سيناء بإدارة 200 فني أمريكي (وتستهدف نقل آخر المعلومات لإسرائيل عن الخروقات المصرية للاتفاق).
وهذا بعد أشهر قليلة من الهجر الأمريكي الفزع لسايغون بعد مرور عقد على تدخل عسكري متصاعد في فيتنام. ومع أن واشنطن احترمت التزامها في نهاية المطاف في إقامة وإشغال منظومة الإنذار في سيناء، لا ينبغي تجاهل أوجه الشبه التي تربط بين انسحاب القوة العظمى الأمريكية من جبهة فيتنام والهرب الذي لا يقل حرجاً لإدارة بايدن من أفغانستان، والذي يطرح علامات استفهام على مصداقية ومدى تصميم الشعب الأمريكي لتقديم أمان لحلفائه الذين يواجهون تحديات راديكالية مثل إيران، في عصر الامتناع عن المواجهات في المجال الأمريكي.
هذه الشكوك السائدة التي كشفت عنها مأساة أفغانستان لتوها بشكل جلي وصاف، هي التي تخلق خلفية لزيارة رئيس الوزراء بينيت إلى واشنطن. من ناحية هذا التوقيت فالزيارة هذه تحسن مصير رئيس الوزراء، لأن ظل الجلاء الأمريكي المهين من كابول سيحوم هذا الأسبوع في البيت الأبيض حتى لو لم يذكر صراحة في المباحثات. وهذه السحابة ستستوجب من الرئيس بايدن أن يسير شوطاً بعيداً في مساعيه لإقناع بينيت بأن العلاقات الخاصة مع إسرائيل تبقى صلبة، وأن لا مجال لأي تشبيه أو استخلاصات من القصة الأفغانية على السياق الإيراني.
***
بكلمات أخرى، حتى لو تحقق اتفاق نووي ثانٍ بين القوى العظمى وطهران، سيدعي بايدن بأن ذلك لن يأتي على حساب الشريك الإسرائيلي وأمنه. أما بينيت، بخلاف النهج الذي اتخذه سلفه نتنياهو تجاه إدارة أوباما – بايدن، فقد بلور سياسة أقل قتالية بكثير في الصلة بمسألة النووي الإيراني. وبدلاً من الخروج إلى صراع سياسي وجماهيري جبهوي ضد الاتفاق الذي يبحث الآن في فيينا – يفضل تركيز نشاطه على رغبة في تنسيق أقصى للمواقف على الإدارة، ونيل تعويض عسكري وسياسي مناسب لإسرائيل إذا ما تحقق بالفعل. والأمر كفيل بأن يساهم في الأجواء اللطيفة المتصالحة التي تتميز بها الزيارة بالتأكيد.
وبالتالي، فإن أمر الساعة الذي سيوجه كل رجال الرئيس في اتصالاتهم مع رئيس الوزراء في الأيام القريبة القادمة سيكون المعالجة الحذرة لكل مسألة سياسية واستراتيجية على جدول الأعمال، في ظل مراعاة للطابع الهش الذي يسيطر على الحكومة الحالية.
سيكون أحد أهداف الزيارة جهداً لإعادة بناء علاقات إسرائيل مع الحزب الديمقراطي، بعد أكثر من عقد وضعت فيه إسرائيل كل اهتمامها على قاعدة المعسكر الجمهوري في ظل إهمال علاقاتها التقليدية مع المعسكر الديمقراطي. وبالفعل، بعد عهود الجمود التي ميزت علاقات القدس الرسمية مع الحزب الديمقراطي ومع زعيمه باراك أوباما وبعد العصر الذهبي لعلاقات نتنياهو مع الرئيس الجمهوري ترامب، تشير الحكومة الجديدة في إسرائيل إلى أن وجهتها نحو تجديد وتطوير شراكة واسعة مع الحزبين في ظل الرغبة في بناء جسر متين مع الديمقراطيين، بمن فيهم أولئك الذين أصبحوا كديين تجاه إسرائيل.
***
وبالنسبة للجوهر، فضلاً عن الموضوع الإيراني الذي سيكون محوراً مركزياً في الزيارة ومركز الجهد الأمريكي لتهدئة مخاوف إسرائيل وعرض المقابل لها – يمكن الافتراض بأن الموضوع الإقليمي العام أيضاً الناشئ مباشرة عن مسيرة فك ارتباط الولايات المتحدة عن الشرق الأوسط، سيبحث بتوسع. في هذا السياق، يلوح تنسيق كامل للتوقعات بين واشنطن والقدس. وفي عصر تهجر فيه القوة العظمى، ازدادت أهمية الشراكات الإقليمية في المعسكر المؤيد للغرب باعتبارها وسيلة وحيدة لكبح الجبهة الراديكالية الممتدة من كابول حتى دمشق وبيروت.
بتشجيع من بايدن، تشكلت البنية التحتية الاستراتيجية لـ “حلف دول محيط” جديد من هذا النوع، حبله السري إسرائيل ومصر والأردن (برفقة شركاء اتفاق إبراهيم)، وهي بنية تناسب الأمل الأمريكي في استقرار المحيط وتعزيز المداميك المختلفة في هذه “الكتلة المانعة”. وبالتالي، على خلفية مركزية وأهمية إسرائيل المعروفة في هامش الكبح الحيوي هذا، فمن المتوقع أن يؤسس الرئيس سلوكه في أثناء الزيارة الأولى لبينيت على جزرة الإغراء والوعود، وفي الوقت نفسه سيمتنع عن ممارسة أي روافع ضغط عليها، بما في ذلك في المجال الفلسطيني.
بؤرة الاحتكاك الوحيدة، التي يمكن أن تبرد إحساس النشوى على خلفية التدشين المتوقع لهذه الصداقة الرائعة، ترتبط بالجبار الصيني. فعندما تكون روابط “أزمة الفيلكون” تلذع في الذاكرة الجمعية في بكين والقدس، وعندما ترى إدارة بايدن في الصين تهديداً استراتيجياً مركزياً، حينئذ يمكن التقدير بأن قيادة الإدارة ستوصي بينيت بأخذ مزيد من الحذر قبل أن يمنح “ضوءاً أخضر” لشركات صينية لمواصلة حملة سيطرتها على شبكات المواصلات والتكنولوجيات.
من جهته، سيحاول رئيس الوزراء تجاوز هذا العائق من خلال اتخاذ نهج مأخوذ مباشرة من إرث رئيس الوزراء الأول دافيد بن غوريون، الذي يقوم على أساس السير بين القطرات، في ظل التطلع إلى إيجاد التوازن المناسب بين استمرار العلاقة التجارية والتكنولوجية المتفرعة مع بكين، ولكن دون اجتياز خطوط حمراء في العلاقات مع الإدارة الأمريكية. يمكن التعلل بالأمل في ألا يزوغ بصر بينيت من وفرة التشريفات التي سيغدقها مسؤولو الإدارة على رأسه، وألا يتباهى أكثر مما ينبغي في عناق العم سام. ففي أعقاب الانهيار في أفغانستان، ينبغي أن يكون واضحاً في إسرائيل بأن الأقوال والبادرات الطيبة والتشريفات لا يمكنها بحد ذاتها أن تكون بديلاً عن سياسة أمريكية ذات مصداقية، خصوصاً في السياق الإيراني.
المصدر: القدس العربي/ إسرائيل اليوم