أمين العاصي
لم تتضح بعد معالم الاتفاق الذي جرى أول من أمس الثلاثاء، بين وفد الأهالي في أحياء درعا البلد، جنوبي سورية، وبين النظام، برعاية روسية، في ظلّ غموض يكتنف المشهد برمته في محافظة درعا، وخصوصاً مع رفض مطلوبين اثنين متهمين من قبل النظام بالانتماء إلى تنظيم “داعش”، الانتقال إلى الشمال السوري. وعزّزت التطورات التي تلاحقت مساء الثلاثاء، الاعتقاد بقرب التوصل إلى اتفاق في أحياء درعا البلد، مع دخول الشرطة العسكرية الروسية إلى هذه الأحياء، للإشراف على خروج عدد من المقاتلين المعارضين إلى الشمال السوري، لكن سرعان ما تبيّن أنه لم يتم التوصل إلى أي اتفاق نهائي بين النظام ووفد الأهالي المفاوض، بسبب عدم التزام الأول بتعهداته.
ووصلت صباح أمس الأربعاء، حافلة تقل ثمانية أشخاص مهجرين من درعا البلد جنوبي سورية، نحو معبر أبو الزندين في مدينة الباب، بريف حلب الشمالي الشرقي، بعد تهجيرهم إلى مناطق الشمال السوري بوساطة روسية. وقال المتحدث باسم “تجمع أحرار حوران”، أبو محمود الحوراني، لـ”العربي الجديد”، إن “الأشخاص الثمانية الذين تم تهجيرهم، خرجوا بإرادتهم، وهم ثلاثة مدنيين، وخمسة شبان منشقين سابقاً عن قوات النظام”، موضحاً أن “ثلاثة فقط منهم هم من أبناء درعا البلد، وثلاثة من حمص واثنين من ريف دمشق”.
وكان يفترض أن يغادر درعا البلد، شخصان إضافيان، يقول النظام السوري إنهما ينتميان إلى “داعش”، إلا أنهما رفضا المغادرة في اللحظة الأخيرة، وهما محمد المسالمة، الملقب بـ”الهفو”، ومؤيد الحرفوش، الملقب بـ”أبو طعجة”، وهو ما اعتبره النظام ذريعة لنقض الاتفاق. وبيّن الناشط الإعلامي أحمد المسالمة، لـ”العربي الجديد”، أن الاتفاق كان ينص على خروج “الهفو” و”أبي طعجة”، مقابل انسحاب المليشيات الإيرانية و”الفرقة الرابعة” من المزارع جنوبي درعا البلد، لكن النظام لم يتلزم بالاتفاق ما دفعهما إلى البقاء. وأكد المسالمة أن الاتفاق “ضبابي”، متحدثاً عن “تلميحات بأنه ستكون هناك نقاط لروسيا واللواء الثامن التابع في أحياء درعا البلد، وتهجير من يرفض التسوية مع النظام”. وقال إن “الأمور مبهمة إلى هذه اللحظة حول الاتفاق، وحول ما توصلوا إليه من تفاهمات وتوافقات”.
من جهتها، ذكرت مصادر مطلعة، لـ”العربي الجديد”، أن وفدي النظام والأهالي سيجريان جولات تفاوض جديدة وفق خريطة الحل الروسي التي كانت قد قُدمت للطرفين قبل حوالي أسبوعين. وتنص خريطة الحل الروسي على تمركز عناصر شرطية تابعة للنظام في مواقع عدة في أحياء درعا البلد، وتسليم المقاتلين الموجودين في هذه الأحياء سلاحهم لقوات النظام، مقابل إجراء تسوية، وترحيل الرافضين للاتفاق الى الشمال السوري.
ومن الواضح أن النظام يختلق الذرائع من أجل إفشال أي اتفاق لا يتيح تحقيق “نصر إعلامي” في أحياء درعا البلد، والتي تتمتع برمزية عالية لدى الشارع السوري المعارض، كونها كانت منطلق الشرارة الأولى للثورة على نظام الأسد في ربيع عام 2011. وفي هذا الصدد، جددت صحيفة “الوطن” التابعة للنظام، قولها أمس، إن الأخير لا يزال على قراره بفرض كامل سيادته في محافظة درعا، مشيرة إلى أن الاتفاق “يقضي بتنفيذ بنود خريطة الطريق التي سلّمتها اللجنة الأمنية في المحافظة في 14 أغسطس/آب الحالي”، لـ”الجان المركزية”، للموافقة عليها، والرامية إلى تسوية الأوضاع في “درعا البلد وكافة المناطق التي تنتشر فيها مليشيات مسلحة في المحافظة، وبالتالي فرض الدولة لكامل سيادتها في المحافظة”. ونقلت الصحيفة عن مصادر في قوات النظام، قولها إن خريطة الطريق “تتضمن جمع كل السلاح الموجود لدى المسلحين وترحيل الرافضين لها وتسوية أوضاع الراغبين من المسلحين، وإجبار متزعمي المليشيات على تسليم سلاحهم الخفيف والمتوسط والثقيل، ودخول الجيش العربي السوري إلى كافة المناطق التي ينتشر فيها مسلحون، والتفتيش عن السلاح والذخيرة، وعودة مؤسسات الدولة إلى كل المناطق”، لافتة إلى أن تنفيذ كافة البنود “يفترض أن يتم خلال أيام”، وفق الصحيفة.
إلى ذلك، أكدت مصادر محلية لـ”العربي الجديد”، أن قوات النظام استأنفت حصار أحياء درعا البلد، بعدما فتحت معبر السرايا مساء الثلاثاء لمدة ساعة ونصف الساعة، لخروج الحافلات التي أقلت المهجرين إلى الشمال السوري. وفي هذا الصدد، أوضح عماد المسالمة، وهو أحد الوجهاء في أحياء درعا البلد، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن الحصار المفروض على الأحياء دخل يومه الـ63، مشيراً إلى “عدم وجود الماء والكهرباء والخبز والطحين والخضار في درعا البلد، كما أن حليب الأطفال شبه مفقود”. ويقطن في أحياء درعا البلد آلاف عدة من المدنيين، بعد عودة عدد كبير من النازحين إلى بيوتهم، بسبب سوء الأوضاع المعيشية في مراكز الإيواء في منطقة درعا المحطة. وبيّن المسالمة كذلك أن المليشيات الإيرانية التي تحاصر أحياء درعا البلد مع قوات النظام، “لا تريد حلولاً يمكن أن تقصيها عن المشهد في جنوب سورية”، مشيراً إلى أن اللجنة الأمنية التابعة للنظام في محافظة درعا “منقسمة، فبعض أعضائها يدفع باتجاه الحل، والبعض الآخر لا يريد حلّاً إلا وفق الشروط التي وضعوها، أو الاقتحام وفرض السيطرة بالقوة”.
وتدلّ المعطيات على أن الجانب الروسي يريد أن يكون لـ”اللواء الثامن” التابع له، والذي يقوده القيادي السابق في فصائل المعارضة السورية، أحمد العودة، الدور الأكبر في أحياء درعا البلد، بينما يصرّ النظام على دخول قواته ومليشياته إلى هذه الأحياء وتفتيش المنازل بحجة البحث عن السلاح، ونصب حواجز. ويتخذ “اللواء الثامن” من بلدة بصرى الشام في ريف درعا الشرقي مقراً له. وكانت دخلت مجموعة منه مع الشرطة الروسية إلى أحياء درعا البلد أول من أمس، ولكن سرعان ما خرجت.
وكان التفاؤل قد عمّ محافظة درعا بقرب التوصل إلى اتفاق ينهي أزمة تجاوزت الشهرين، ويُبعد عن سكّان أحياء درعا البلد شبح التصفيات الميدانية والتجاوزات، إلا أن المليشيات المحاصرة لهذه الأحياء عاودت القصف، ما أدى إلى مقتل وإصابة عدد من المدنيين. وأكد الناشط الإعلامي في درعا، يوسف المصلح، لـ”العربي الجديد”، انسحاب الشرطة العسكرية الروسية ومجموعة من “اللواء الثامن” المدعوم من روسيا من حاجز السرايا، الفاصل بين الأحياء المحاصرة ودرعا المحطة، عقب فشل تطبيق الاتفاق، كما استهدفت قوات النظام تجمعاً من المدنيين على المعبر، ما أدى إلى مقتل شخص وجرح آخرين. وأكدت وسائل إعلام تابعة للنظام أنه لا يزال يستقدم تعزيزات إلى الجنوب السوري، حيث وصل أول من أمس، رتل من دبابات ومدافع ثقيلة وعربات نقل جنود، في مؤشر واضح على أن النظام يضع الحسم العسكري والفتك بالمدنيين على رأس أولوياته.
المصدر: العربي الجديد