رأت مجلة “ناشونال إنترست” الأميركية أن الانتفاضة الأخيرة في محافظة درعا قد تشكّل مدخلاً للانتقال السياسي في سوريا، ورحيل رئيس النظام بشار الأسد، داعيةً الولايات المتحدة وحلفاءها إلى الضغط على الأسد والقيام بمبادرة دبلوماسية لإنهاء الأزمة الإنسانية في البلاد.
وقالت المجلة في تقرير تحت عنوان “حصار درعا فرصة لانهاء حكم الأسد”، إن درعا تلعب دوراً جيوسياسياً حاسماً في سوريا، “إذ يحدّها إسرائيل والأردن اللذين يعتبران شركاء استراتيجيين للولايات المتحدة، عدا عن أنها تمثل ممراً رئيسياً للمسارات التجارية الرئيسية لسوريا، من دول الخليج العربي وصولاً إلى لبنان وتركيا وأوروبا، كما أن معبر نصيب جابر الحدودي يعتبر أكثر المعابر السورية ازدحاماً”.
وأضافت أن استراتيجية الحصار من قبل نظام الأسد وحلفائه، أثرت على أحياء بأكملها في الحرب السورية، واستهدفت الفئات الأكثر ضعفاً ككبار السن والأطفال، لافتةً إلى أن النظام السوري يستخدم الاستراتيجية ذاتها في درعا البلد منذ حوالى 60 يوماً، ما أدى إلى تفاقم الاحتياجات الإنسانية والطبية ل55 ألف شخص داخل المنطقة.
وقالت إن النظام يستخدم أسلوب العقاب الجماعي، والانتقام من مجموعات كبيرة من السكان المدنيين في درعا، وهي أساليب معترف بها دولياً على أنها جرائم ضد الإنسانية، عدا عن قيامه بسرقة المساعدات الطبية المقدمة من قبل المنظمات الدولية غير الحكومية إلى المستشفيات والعيادات المحلية، “بغية تحقيق مكاسب مالية في السوق السوداء”. وأضافت أن ما يزيد الوضع سوءاً هو نقص الأطباء في درعا، “فهم مستهدفون من قبل النظام منذ بدء الثورة السورية، وفيما تمكن عدد منهم من الهروب، فشل آخرون وتم اغتيالهم مع عائلاتهم”.
وتابعت المجلة أن النظام وصف المعارضين له منذ بدء الثورة، بمن فيهم الأطباء، بالارهابيين. وتقول روايات النظام التي وصفتها المجلة ب”الكاذبة”، إن سكان درعا يسعون إلى بناء حكومة إسلامية راديكالية في الجزء الجنوبي من سوريا. ولفتت المجلة إلى أنه “في الواقع ومع مرور الوقت، أثبتت درعا أنها واحدة من أكثر المدن مقاومةً للأيديولوجيات المتطرفة”، مضيفةً “لم يستطع تنظيم داعش السيطرة على أراضٍ في المنطقة رغم مساعي النظام لاختراقها من خلال زرع خلايا داعش داخلها، كميليشيا شهداء اليرموك”.
وقالت المجلة إن فصائل المعارضة السورية في درعا حاربت الجماعات المتطرفة حتى عام 2018، مشيرة إلى أنه “حينها تم تسليم المحافظة إلى نظام الأسد بحجة إعادة الاعمار، وادعى أنه سينقل العناصر المتطرفة إلى مناطق أخرى في البادية ومناطق قريبة من دير الزور وستتم مراقبتهم”.
ولفتت إلى أنه من ضمن بنود اتفاق 2018، الذي تم بوساطة روسية وأميركية في عهد دونالد ترامب، إبقاء الميليشيات الإيرانية على مسافة لا تقل عن خمسين ميلاً من الحدود السورية، إلا أن هذا الشرط لم يتحقق. وأضافت المجلة أنه “تم الامتثال لعدد من البنود الرئيسية الأخرى، بما في ذلك عدم السماح لقوات النظام بدخول درعا، تسليم المعارضين الأسلحة الثقيلة والاحتفاظ بالصغيرة فقط ودمج عدد من مقاتلي فصائل المعارضة ضمن لواء جديد بقيادة روسيا”.
وأشارت إلى أنه قبل اتفاق 2018، لعبت الولايات المتحدة دوراً إيجابياً من خلال دعمها للشعب السوري ومقاتلي المعارضة في جنوب سوريا، “مما ساعد في الحفاظ على الاستقرار ومكافحة التطرف، إلا أنه بعد الاتفاق، فقدت واشنطن نفوذها في هذه المناطق لصالح روسيا وإيران”.
ويمثل التصعيد الأخير في درعا فرصة لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن للضغط على الأسد وحلفائه للتفاوض بشأن مستقبل سوريا. وقالت “ناشونال إنترست” إن استمرار الانتفاضة في درعا وعدم رضوخ الأهالي لأوامر النظام رغم الخسائر البشرية الفادحة، تمثل نقطة البداية بالنسبة إلى الولايات المتحدة وحلفائها للقيام بمبادرة دبلوماسية لإنهاء الأزمة الإنسانية في سوريا التي استمرت لعقد من الزمن، من خلال دعوة النظام إلى طاولة المفاوضات والاصرار على تعويض ملايين السوريين الذين عانوا من الأزمة الإنسانية.
وأشارت المجلة إلى أن درعا خصوصاً وجنوب سوريا عموماً، تمثل مدخلاً للانتقال السياسي في سوريا، مضيفةً أن “الثورة السورية انطلقت من درعا، وسيكون من العدل رحيل نظام الأسد من خلال انتفاضة درعا الاخيرة”.
المصدر: المدن